الرئيسية / شعر / إلى “الحسين بن علي”/ شاهداً وشهيداً

إلى “الحسين بن علي”/ شاهداً وشهيداً

     IMG-20140416-WA0011                   

  إلى “الحسين بن علي”/

                                                 شاهداً وشهيداً

بقلم عمر شبلي

رأيتك مطعوناً على الفجـر تتـّكي    تصلّي صلاةَ الجرح فينا وتصهلُ

ومن يومها ما زلتَ يا طاهر الثرى   تعلـِّمنا كيف العقيدةُ تـُحمَلُ

*****

لكي يظل الدربُ مفتوحاً إلى السماء

لا بد من عباءةِ الحسين

لا بدّ من ذبيح كربلاء

*****

حسينُ، يا حسينْ

حبـُّكَ فرضُ عيْنْ

علـَّمْتـَنا بموتك الجميل

كيف يعيشُ المرءُ مرَّتيْن

هل يدركُ القاتلًُ أنّ يدَهُ

تصافحُ الجنـّةَ لو صافحت الحسينْ

*****

حسين يا حسين

علـَّمْتـَنا أن ننتمي لأجمل الدروب

حتى ولو آخرها أفضى إلى “الكوفة”

أو “حـُنَين”

حتى ولو أفضى إلى “أُحـُدْ”

فالروحُ لا تـُهزَمُ مهما زُلزِلَ الجسدْ

يقتلُنا الظلمُ، ولكنْ عندما يقتلنا

لن يستطيعَ أن ينال الحبَّ في أطفالنا،

سيولـَدُ الوالدُ في الولدْْ.

فآهِ من سيفٍ يعاني الجوع والظما

ويأمرُ الأعناقَ والدماءَ أن تشبعَهُ

لابدَّ أن يخافَ هذا السيف من دمائنا،

يا أيها السيفُ الذي لا يشبه السيوف

لا بدَّ أن تكسرَكَ الأعناقْ

وتكسرَ الزرَدْ

*****

من صخرةٍ تجيء

من نخلةٍ تجيء

من رايةٍ تنتظرُ اليدَ التي ترفعها تجيء

من أمةٍ مذبوحةٍ تجيء

ونحن يا حسين

ومنذ أن أقفرت الأرحامُ والأصلابْ

لا نـَعِد القدس سوى بأشهُرِ النسيء

لكنـَّها في الحرِّ لا تجيء

في القرِّ لا تجيء

*****

تـُطِلُّ رغم جرحك المفتوح كالسماء

من شرفةٍ موعودةٍ بأمة تجيء من جراحها

تجيء من مآذن هدّمها بوشُ على العُبـّادْ

تجيء من بنادقٍ الثوّار

محشُوَّةً بالقهر والإصرارْ

تجيء مثلَ”الحرِّ” وهو يزجر الرياح[i]

من شجر الجنوب

يذبحه العدوُّ والصديق

تنسج من أشجارهِ عباءةً جديدة

لشجر الجنوب

لشجر العراق،

ونخله المحروق

لغزة الذبيحة

والوطن المسروق

لأمة من نومها تفيق

تجيءُ يا حسين .

*****

تحتكمُ الأشجارُ يوم موتها

للنهر حين ينبتُ الثوارُ في ضفافهِ

وتجعلُ الأغصانَ حين ترجعُ الطيور

شواهدَ القبورْ

ما أفصحَ الطيورَ وهي تعزف العودة في الحقول والقرى

معلنةً أصواتـُها الخضراءُ

حانَ موعدُ النشور

*****

وها هو الفرات

يقول للغزاة:

أنا الذي ما زلتُ ظمآناً إلى غمامةٍ مخضلـَّةٍ من ظمأِ الحسين

تغفر لي جفافي

لن أخذلَ الثوّارَ مرّتين

ولن أكونَ رافداً للميسسبي،

ماؤنا مختلفٌ غمامهُ

ولن نصير واحداً، حتى ولو حوَّلني بوشُ إلى مصبـِّهِ

فالنخلُ لا يحمل كستناء

والماءُ أحياناً إذا سرقتـَهُ يحملُ طبعَ النارْ

وقد يصير الماءُ غيرَ الماءْ

*****

لا بدَّ من عباءةِ الحسينْ

حتى تظلَّ رايةً

يحملها الثوّارُ في “بدرٍ” وفي “حُنيْن”

*****

رأيته يحجُّ عبر جرحهِ

رأيته يطوف عبر لغةٍ،

حروفـُها من جرحه المقاومْ

“هيهات منا الذل”

أشعلْ لنا جرحك يا حسين

حتى نراك واضحاً، إن غماماً أسوداً

يفصلنا عن جرحك الجميل

عن رايةٍ وسّخَها الطغاة

وداسها الغزاة

أشعلْ لنا جرحَك يا حسين

نريد أن نعاتبَ الفرات

*****

والنهر حين يجهل النار التي تنمو على الضفاف

يظل رغم مائه متهماً

بالشح والجفاف

ولم نزلْ نتـَّهمُ الفراتَ بالشحِّ وبالجفافْ

فالشهداءُ رجعوا،

وعلـَّمونا أنّ من يشهر جرحاً مؤمناً

يخافُه السيّافْ

وعلـّمونا الموتَ والعيشَ على الإيمانْ

إن الذي يقدر أن يحجز ماء النهر

لا يقدر أن يصادر الطوفان

*****

حسين يا حسين

لستَ الذي مات،

ولستَ أنت من غـُيـِّبَ في القبور

أنت الذي يحطُّ فوق شجر السِدرة في السماء

بجانح خضيب

وجانح يوصل هذي الأرضَ بالسماء

أنت الذي يرافق الثائرَ في سيمائهِ

أنت الذي شارك إسماعيلَ في فدائهِ

أنت الذي يحسُّه الفقيرُ في غذائهِ

أنت الذي نحتاجُه في الزمن المقهور

وسوف يبقى ناضجاً فكرُكَ مثلَ الخبز في التنـّور.

*****

كلُّ غمامٍ قادمٍ متـَّهَمٌ

ما لم يكنْ ملقـَّحاً بالنار

سماؤنا عاريةٌ كنشرة الأخبار في بلادنا

بلادُنا يغمرها الجفافُ رغمَ كثرةِ الأنهارْ

من ألفِ عامٍ أسودٍ

نسمع من فرزدق الطريق:

“قلوبهمْ معكْ

      سيوفـُهم عليكْ”

ولم تزلْ غمامةٌ مقهورةٌ

تبحث عن أرضٍ بلا  “شِمرٍ” بلا “يزيد”

حتى تحطَّ حملـَها

وينضجَ الغمامُ من جديد

*****

أراك يا حسينُ في بنادق الثوّارْ

أراك في مواقف الأحرار

في المنزل المهدوم في الجنوب

وفي الفتى الحامل بندقية

يهزأ بالجرحِ وبالشظيـّةْ

والموتِ والغزاة

*****

أسأله عن سرِّه فينبتُ “السلماسْ”[ii]

أدخل في المآذن الحمراء دون عنـُقٍ

فقد رأيت جسدي معلقاً في “الطاق”

أسمع في حشرجة الأصوات

ما دار بين الفجر والحرّاس

أبحث في خابية عن ذلك الصوت الذي كسّرها

وأطلقَ الفجرَ على النعاس

من يومها قال لك الطريق:

إصدعْ بما تـُؤمَرُ يا حسين

واصبرْ على جرحكَ حتى مطلع النخل

ولا تنمْ

فالحقُّ لا ينام

ومنذ أن هويت عن جوادك الجميل

نبحث عن صوتك في مزارع النخيل

والشجر الحاني على القتيل

*****

نبحث عن صوتك في “الفلوجة” الحمراء

و”البصرة الفيحاء”

و”النجف الأشرف” و”الدجيل”

فلتـَبْكِك الرجال يا حسين

بأدمع الثوار

لِيَبْكِكَ النخيلُ لكن واقفاً

ليبكك المحرابُ في “الكرخ” وفي “الرصافة”

لتبكك “المَلـْويـّةْ”،

لتبكك الجنائنُ المُعـَلـَّقة

ولـْيَبكك الفرات مرتين

يوم عداك ظامئاً

ومرة أخرى على الهوية

وليبكك الجواد، وهو يذرف الصهيل في البرية

جوادك الذي اختفى

لكي تعود راكباً عليه

في “ساحة التحرير”

وتملأ البلاد من جديد

بشجر الحرية.

وسوف يبقى موعد اللقاء يا حسين

في “غزةٍ” و”القدس” و”الجنوب”

وفي ثرى “سَيْناءَ” و”الجولان”

حيث بلادي خلعت عن جرحها التقية

وحمل المظلومُ بندقية

*****

حسين يا حسين

ما زلت قرب النهر

طيراً يسيلُ الدمُ من جناحهِ

سيفاً بلا يدين

والغمد يا حسين

تجمّعَ الحكامُ تحت ظلـِّه،

وقرّروا الحكم على السيف بألف عام

وربما يـُمَدَّدُ الحكمُ إلى ألفيْن

يُسجَنُ في الغمدِ إلى ألفين

هوادج النساء من يحرسها؟

ومن يُناخينا ومن يُرجـِّبُ النخيل

ومن يؤمُّ الناسَ للصلاة ،

ويجبر الظلمَ على الرحيل

*****

أبحثُ في المآذن الحمراء والقباب

عن جسدٍ، يقالُ: إن جرحهُ

يشبهه المحراب

حتى أصلي خلفه في زمن الإياب

والسيفُ قد سُلَّ من القِراب

*****

تقدّم الشهيد واستلّ يداً مقطوعةً

ووصلَ العراقَ بالسماء خلف رايةٍ نظيفةٍ

يحملها عمُّكَ من “مؤتةَ” للعراق

تلمع من “زاخو” إلى “الفاو”، ومن قبرك ياحسينْ

إلى يد “الفلوجة” الحمراء

و”النجف الأشرف”  و”الكرخ” و”سامراء”

*****

 

 

 

ــ 2 ــ

وها أنت والجرحُ تستفسران عن الغيم

هل مرّ فوق تراب العراق؟!!

وماذا عن “الجسرِ” ماذا عن “الكاظمية” و”الأعظمية”

ومن أيِّ نهرٍ توضّأتَ يا سيّدَ الشهداء؟

إلى الآنَ نهرُ الفراتِ يضنُّ على الشهداء بقطرةِ ماء

أفي كل يومٍ على النهر “شِمْرٌ” جديد؟

*****

تزيلُ التحاريقَ عن مصرَ،

هل رأسكَ الآن فيها؟

وفي المسجد الأمويّ؟

وهل أنت متـَّهمٌ بالحضور، ومتـَّهمٌ بالغياب؟

وإنْ تـَشْكُ سَيْناءُ من سامريٍّ جديد

فمن أيِّ عصفٍ تجيءُ لميقاتِ ربك ، من أيِّ باب!!!

حضورك لا بدَّ منه

وما الفرقُ ما بين هجرة جدِّكَ من “مكـّةٍ” والرحيل

إذا لم تكن مثلَ ناقتهِ الخيلُ مأمورةً بالإيابْ؟

*****

أجيءُ إليك، وأعرفُ ظلمَ الطريق

وحقدَ السيوفِ التي قتلتـْك

وأعرف يا سيدي كم تآمرَ دمعٌ عليك

وأعرف أن الدموع، وإنْ خـَدعتْ

لا تؤدّي إليك

فنحن برغم الدموع وأنهارِها

أمةٌ لا تجيد البكاء

*****

وكنتُ أريد من الفجر أن أحمل الجرحَ عنك،

فأدركتُ عجزي،

لأنّ الجراحَ الكبيرة تحتاج روحاً كبيرة.

*****

وما أظلمَ النهرَ حين يحاصره الرمل،

والماء لا يستطيع الوصولَ إلى شفةٍ

والمدينة مشغولةٌ بالبكاء

ومشغولةٌ بالولاء الجديد

وكم يتمنى المسجّى على الرمل لو بـُلَّ من ظمئكْ،

فأنت الغمام لكل العطاش

ولو منعوك من الماء يا سيدَ الشهداء،

وأنت فتى الأكرمين

إلى اليومِ ما زال ذاك التراب

يقيم المآذنَ من حَمَئِكْ .

وما زال في الأرض ألفُ “مُسَيْلمةٍ”

وما زال قومٌ يدلـّون “أبرهةً” أين مكة

والكوفةُ اليومَ تـُولِمُ لـ”ابن زياد”

فهذا زمانٌ يُباعُ به الأنبياءُ ببرميل نفط،

و”بوشُ” يقيم العشاء على صدر بغدادَ مذبوحة

وينفـِّذ أمر السماء

ألم يملأوا الطائراتِ لكي يقصفوا غزة والعراق

بنفط العربْ !!

ألم يدخلوا من بلاد العرب!!

ألم يقتلوا ألف مئذنة في العراق!!!

أما راح يرقص بالسيف بوشُ بأرض العربْ

وبغدادُ مذبوحةٌ،

وغائصةٌ في دمٍ للرُكَبْ

و”غزةً” مقبرةٌ، ومحاصرة بالعربْ

وأحذيةِ القاتلين الغزاة

فقمْ، آهِ من جرحك الهاشميِّ الذي لايقوم،

وكم نحن ياسيدي اليوم نحتاجه،

قتلتـْنا الفتاوى التي لا تسمّي العدوَّ عدوّاً،

تثقـِّفنا، وتحلـِّلُ أكلَ الجراد

وقد أكلَ الأمريكانُ البلاد.

*****

تقومُ، ومن جرحك الهاشميِّ نقوم

وسوف نلمّ جماجمَ أطفالنا،

ونحاربهم

جماجمُ أطفالنا ورصاصُ الغزاة

*****

تسير بقافلة من حمولتها الأرضُ موصولةً بالسماء

وحملك كان ثقيلا.

فيا للمدى أيُّ قافلةٍ بين ماءٍ وماء

ويسألك الناسُ: أين الطريقُ إلى كربلاء؟

وأنت تقول لهم جسدي،

هكذا يعرف الشهداء زمانَ اقتراب الكواكب من دمهم،

واشتعال المياه

تقدَّمَ نخلُ الفرات إليك بأحزانه، ليصلـّي عليك

ويمسحَ رملاً عن الجبهة النبويـّةْ

ومرّتْ على الرمل ذاك المساء

ملائكةٌ ذاتُ أجنحةٍ كي تندِّي ثراك

وتنقل للشهداء تعازي السماء

لقد شرب الرملُ من دمهِ

والبلاد التي تلدُ الشهداءَ

تظلُّ على الدهرِ مرفوعةَ الرأسِ

رغمَ السواد الذي لم يزلْ

في بلاد السوادْ

*****

وسوف تظلُّ جراحُك للثائرين دليلا

تقولُ لهم: من دمي ابتدِئوا،

عانِقوا المستحيلا

لك الفجرُ كان الوشاحَ وكان الضمادُ النخيلا

وكنت إذا فاوضوك على الجرح قلتَ: الفراتُ سيأتي

وفيه دمي .

فلا تسهروا فوق حزن الفرات

ولا تشربوا من دمي ،

فالذين سيأتون، أصلابُهمْ لن تكونَ وسائدَكم.

كلُّ جرحٍ سيأتي

ستظهرُ “غزةُ” فيه، و”بحرُ البقرْ”

و”نجعُ حمادي” و”قانا الجليل”

وبغدادُ دار الردى والسلام

*****

ونهربُ منك إليك ،

لأنك أكبرُ منا جميعاً،

وتتعبنا في الوصول إليك

وفي الأرض أكثرُ من “كوفةٍ”

إذن سوف نحتاجُ أكثر من كربلاء

****

دعي الحزنَ يا شجرات النخيل

دعي صفحة النهر تعكسُ حزني وحزنـَك،

إني أفتـِّشُ من ألف عام عن السيف والزند،

هل يظهران معاً؟

وهل”ملجأُ العامريةِ” يثأر من قاتليه؟

ومن برَّرَ الموتَ فيه[iii]؟

دعي صُوَرَ الشهداءعلى صمتِ جدرانهِ،

فإنـّا سنرسمها في دفاتر أطفالنا كي يروا

أيَّ خيلٍ تجيءُ إذا الدم ثارعلى النهر حين

تخلـّتْ مشاربـُه عن فتى الأكرمين

سيلمع تحت حوافر هذي الخيولِ الزمان

ويعلن بدءَ المكان

   ــ 3 ــ

يا موحِشَ هذا الرمل تلألأْ،

إن صحابك عطشى في بلدِ الأنهار المسبيّة

فمتى يتصالحُ هذا الماءُ ونار الحرية!!!

يا هذا الموغلُ في الصحراء

سَوِّ سرابَ الدرب بصبرك ماءْ

يا غيمُ تعال، ورطِّبْ منقار الطير المذبوح

بقطرة ماء،

لكنّ الغيمةَ تهطلُ في حلق الأفعى

والكوفة تفرك عينيها بالرمل

وتزعم أن الدمع وفاء،

وعجافٌ إثرَ عجاف

والنخلُ له طبعُ الإنسان يجفُّ إذا لم يشربْ

من أنهارٍ محميـّةْ

يا غيمُ تعال وحدِّثْ

عن حكمة هذا الشجر المذبوحِ،

وحدِّثـْنا عن رأس ينمو ثانيةً

يُقطـَعُ، يُسحَقُ، لكنْ يبقى رأساً

أقوى من مقصلةٍ

أقوى من مشنقةٍ

يبقى فيه التصميمُ وتبقى فيه الحرية

*****

هل صوتكَ مات؟

وأنا أتجمّعُ تحت ردائك في الأخدود

وأقضي عمري في تدريب الصمت

على الكلماتْ

*****

وإذا لم يظهرْ حدُّ السيف ويقتل غيبتـَه،

فمتى يظهر؟

من قبلك كانت تنمو الكوفة في إخوة يوسف

يا يوسف أعرضْ عن هذا

فالصبر جميلٌ لكنْ

لا تشربْهُ من أي إناء

******

يا أغلى الشهداء:

وشعارُ المرحلة الكبرى

حزن وإباء

حزن وفداء

في أقصى الحزن أعود إليك لأفرح أنك فينا موجود

حتى أقصى الجرح

لم يبق لنا إلا دمنا

لا بد فراتٌ آخر ينبع من جبل الشهداء

*****

هل كنت خديج الثورة، أم أن الصحراء هي الصحراء

تعارض كلَّ غمام يأتيها من

من أرض “الطفِّ” لـ”غار حراء”،

ولماذا حاربك النهر،

ولماذا النهرُ يجفُّ إذا سال الطغيان؟

هل أنت ونهر الرؤيا ضدّان؟

هل زاغ النهر عن الرؤيا وغوى،

أم أنت ونهر الدنيا ضدان؟

*****

هل تزجي عاصفةً أم رملاً بين الكوفة والصحراء؟!

والكوفة تعني:

إخوةُ يوسفَ في كل زمان.

إخوةُ يوسفَ في كل مكان

يا يوسفُ هل في الجُبِّ أمان؟

يا يوسفُ هل في السجن أمان؟

يا يوسفُ أعرضْ عن هذا

فالذئبُ أعفُّ فماً في هذي الأرض من الإنسان

هل تعرفك الصحراء،

وهل يتقدَّمُ هذا الرملُ ويعلنُ موت الماء

وهل من بعد الهجرة ندخل في الصحراء

وينتبه الموتى من فرط حضورك فيهم والأحياء؟

إنك متهمٌ بصفات الجمرْ

ومتهم بصفات الماء

*****

تتقدم من ماء لا تشربه

بل يشربك الماءُ، اعشوشبْ

فدماؤك صارت نبتَ الله على الغبراء

وبصدرك متسع لعبير الوقت

وتفسير الرؤيا

ما بين النار وبين الماء

ما بين الرمل وعاشوراء

في كل زمان يوجد شمرٌ

وطريقك أبعد مما بين مدينة جدك والكوفة

من أين سنجلبُ ماءً للقطعان البلهاء

وسنابلنا في أهراءات الحاكم باسم الله

وسبعٌ يابسةٌ، يتلوها سبعٌ يابسة ، ما شاء الله.

لا غالبَ إلا الله،

وأجهزةُ الأمن الموثوقة، والحُكّامُ وأبناءُ الحكام

C  ــ I ــ A      وذوو القربى، عملاء الـ

ووجود الرمل بدربك لا يكفي حتى

تتراجع في زمن الأخطاء

لا بد بدربك من توفير الزاد وقمصان خضراء

لا بد من الدنيا، والأسئلة الحمراء

وعليك الأجوبة الخضراء

لا بد بدربك أن تتكاثر أسئلة الشهداء

ماذا بعد؟

لكن النخل سيثمر، والأيام ستطهو الحزن

ليصبح فاكهةً

يتناولها الآباء عن الأبناء

وطعام الجنة ليس يمرُّ بغير الحزن

على الشهداء

*****

نتمدد تحت سرير الموت الأعمى

حين يداهمنا الزمن المكسور

ويهطل فينا غيم الخوف

ونكون بجوف السجن وخارجه

يا هذا المنذور لتفسير الرؤيا

لا تتركنا في الليل وأنت بتأويل الأحلام عليم

أبكي في يومك يا   والدمع عنيد

*****

في القرن الواحد والعشرين

في زحمة ما يتراكمُ في الإنسان من الأحداث،

وقضايا العلم

وملايين القتلى وجنون الآلة والصورةْ

وذهول الصورة مما أنجزه الحلمْ وما تمحوه

ورغم الفقر ورغم الجوع وأمطار المرض الأعمى

والنوم على الطرقات، ورغم الأحلام المطمورة

وقيودِ شعوبٍ مقهورة

سيظلُّ حضورك فينا مكتملاً

تتكلم فينا كالرؤيا

وكبدرٍ أرسلَ في غسقٍ نورَهْ

حتى لكأنك إنسانٌ آخرُ فينا

ستظلُّ جراحُك بالشمس وبالرؤيا مغمورة

في هجرتك الجرح النازف والرؤيا والحلم المذبوح

تعد الصحراءَ بماءٍ ليس يبايع حكـَّاماً

لتبتدئَ الثورةْ

في “الطَفِّ” آراك

في “غزّةَ” و”القدس” المصلوبِ عليها …..

في “الموصلِ” في “النجف الأشرف”

في قلب دمشقَ الأمويـّةْ

في مسجدها يلثم رأسَك، يغسِلـُهُ

من رمل “الكوفة”، في بغدادَ المقهورةْ

في قبر صلاح الدين أراك،

وأراك مع الفاروق تسير إلى الأقصى

وتقيم صلاة القائم فيه،

وصخرتـُه ستقوم حجارتـُها.

حجرٌ ترفعه أنت، ويأخذه منك الطفلُ المنذورُ

           محمدُ دُرَّتـِها

           وهناك سترفع راية عمّك في “مؤتةْ”[iv]

وستلغي “الربذةَ”، إن الهجرة تـُلغى

حين تكون إلى الصحراء

*****

وإجيء إليك وعندي ما يكفيني من

شجر الحلمِ، وزادِ الحزن

*****

  ــ 4 ــ

فصِرْ غيمةً واشتعلْ

إننا ظامئون

وحين تصير الدروب سيوفاً

يُعابُ عليها امتشاقُ يزيد

وهذي البلاد التي لا نبات بها غير أحقادنا

آهِ من دمنا صار زيتاً لسيارة الحاكم العربيّ

هبوطاً إلى بنته ومعالي الوزير

*****

وأيُّ دم لا يقيم العلاقة بين الرمال وبين النخيل

دمٌ كذِبٌ

وأقسم أن الفرات تآمر في صمته يا فتى الأكرمين عليك

إلى الآن يبدو على ضفتيه القتيل

لمن يا فرات تقدِّمُ هذا المسيل؟

لبوشَ الذي أمرته السماء بذبح العراق!!![v]

*****

وأسألهم كم تآمر سيف عليك

وحين تصير الدروب سيوفاً

يعابُ عليها امتشاق يزيد

*****

إذا ضاع صوتي تسلـَّلْتُ منه إلى زمنٍ

ليس فيه احتمال سوى أن أكون

ولا أختفي في الظلام

لأني تعلـّمتُ كيف بأحشائه تتوالدُ كل السجون

وكيف بأغنيةٍ أتسلَّق خوفي

وجدرانه العاليات

وكيف أكون كيوسفَ، أو لا أكون

أنا مازنيت

أنا كنت تلميذ مدرسةٍ

كان فيها الحسين يعلمني،

كيف تغدو السيوف كأغمادها

حين يستلها الظلم والقاسطون

*****

مخطئٌ من يظنُّ بأن الحسين بثورته

كان مقصده أن يموت

كان يريد بثورته أن يعيش

ليمشي مع الفقراء إلى حيث لا يأكلون الحرام

مع الحاكم المستبدِّ بقوةِ عدلـِهْ

مع الذاهبين إلى الحرب من أجل صنع السلام

ولم يطلب الموت في موته

كان يحصي الجراح بثورته كي يكون

مع الذاهبين إلى كوفةٍ

لا تبايع عند الصباح

وتنقض بيعتها في المساء

بشوق مضى مطمئناً إلى موته كي يعيش

كان يشعل إيمانه فتسودُّ تلك السيوف التي قتلتـْهُ

*****

ربما لا تصلْ

غير أنك رغم الرمال ورغم يزيد وصلت

وها شجرُ النهر يسأل عنك

وبض السؤال اشتياق.

*****

ولم تكُ تحمل يوم سقطتَ شهيداً ــ وأعني علوتَ ــ

سوى جرحك الهاشميّ وما فيه من لمعان

وغيرك نال الهبات على غدره واستقال من

من الناس، وهو يسير برأسك منحدراً

خطوةً ،خطوةً للزوال

وقد كان خبز ونهر على الدرب ـ لو شئت ـ

وكل الهبات، وأنعام أهل الجنوب وأهل الشمال

ولكن دربك أبعد مما يرون

                           ــ 5 ــ

الآنَ أعود إليك

لأكتبَ شيئاً عن وطنٍ

يتجوَّلُ فيه “الشِمْرُ” بكاملِ سوْءتِهِ

ويحدِّثنا عن أهل البيت ويبكيهم

ويقيمُ عزاءْ

ويوزِّعُ بين “المقتلِ” و”المقتل” أصنافَ دعاء[vi]

لكنْ حين تحدِّقُ فيه مليـّاً تبصرُ في يده المجذومة

كأسَ دماء

في كلِّ مذاهبنا يوجد “شِمْرٌ”

في كلِّ مواقعنا يوجد “شِمْرٌ”

يقتلُ مأجوراً، يبكي مأجوراً

هو “وحشيٌّ[vii] آخر يقتلُ حمزة ،

لكن لا يعرف أسباب القتل

يقتله بدلاً عن ضائعْ

“شمرٌ” يذهبُ شمرٌ يأتي

لا، لا نخلو أبداً من “شمرٍ”

يدخل بيتَ الله ليحرسَ بيتَ الشيطان

لكنـّكَ وحدَك يا ابنَ أبي التقوى

تقدر أن تمنعَهم من إلباسِ “الشمر”

عباءةَ ذي الإيمان

*****

هل يأثم ماء النهر؟

نعم يأثمْ

مادام يصفّقُ دون نخيلٍ يعرفه السابحُ عرضاً بالاسمْ

ويعرف نوعَ الجسمْ

وهل كفّاهُ بعرض النهر عطاء

*****

سيذوب رصاص الظلمِ بنار جماجمنا

لن يهزمنا جيش الظلم

سنمزقه إرباً إرَباً

وسنرفع أيدينا في وجه الغيم الأسود

مهما زادت في الجو كثافته

وسنعلن مملكة الفقراء

لأن الشجر العاري حين يجيء الغيم

يغسِّله بالنار

وهناك يحدِّثنا الشجر العربيُّ

ونحن بـ”برنامٍ” أخرى يمشي فيها الشجر العربي

ليقتل من قتلوه

وتعيش جماجمنا بين الأشجار كأن الموت حياة

ويحدث عن قمر لا يلبس أقنعةً

لا حاجة لابن زريق بأي قناع

تعرفه بغداد، وتعرفه أحياء الكرخ

قمر من فلك الأزرار يجيء

ومن فلك الثوار يجيء

لن نتأبط أذرع موتانا حتى نعبر هذا الموت

 

 

 ــ الحر بن يزيد الرياحي انتصر للحسين وانضم إلى صحبه بعدما كان مكلفاً بمنعه من دخول الكوفة.[i]

 ــ السلماس: نبات صحراوي ينمو متحدياً الجفاف[ii]

 ــ قصف الأمريكان ملجأ العامرية في بغداد، وقتلوا فيه أكثر من ألف طفل وشيخ وامرأة[iii]

، وقد برّر حسني مبارك للأمركان فعلتهم بزعمه أن إشارات لرادار كانت تخرج من الملجأ

ومن الطبيعي أن الأمريكان لم يكونوا بحاجة لمبرر ولكن شهادة مبارك كانت تشير بوضوح إلى

مقدار عمالته التي أوصلته إلى ما آلى إليه.

 ـ إشارة إلى جعفر بن أبي طالب ،جعفر الطيـّار الذي قطعت يداه في مؤتة وهو يرفع الراية.

 ــ كان بوش يدعي أن السماء أمرته باحتلال العراق وإقامة دولة للفلسطينيين، ويبدو أنه أطاع

السماء في الأولى ولم يطعها في الثانية.

 ــ كلمة “المقتل” عند العراقيين تعنيآخر يوم من عاشوراء حيث استشهد الإمام الحسين

 وحشي: كان عبداً ووعدته هند بنت عتبة بتحريره إذا قتل حمزة بن عبد المطلب في أحد

 

شاهد أيضاً

قراءة (بنيويّة ــ سيمائيّة) لقصيدة ” الحصان ما زال وحيداً”

القسم الثاني من البحث للكتور غسان التويني سيميائية العنوان : “الحصان ما زال وحيدا” يحيلك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *