الرئيسية / أبحاث / عناصر القصة فی “صورة شاکیرا” لمحمود شقیر

عناصر القصة فی “صورة شاکیرا” لمحمود شقیر

مؤتمر المقاومة13

عناصر القصة فی “صورة شاکیرا” لمحمود شقیر
الدکتورة رقیة رستم پور ملکی  – فاطمه مرادی

لا شک في أن الادب بأنواعه من المظاهر العظیمة التی تستنهض همم الشعب ضد ارادة الطغاة الذین لا یعرفون الا الکبت و القمع، فمن الامة من صنع بأدبه فی واقع الحیاة خطوطا تنتهی الی الکرامة والشرف السامی لمن أراد أن یعیش عزیزا وطلیقا فی ارض الله ،ومن هذا التراث الانسانی نشأ ادب المقاومة فهو ادب الصرخة الشجاعة بوجه الظالم وصیحة المظلوم بوجه الغاصب المستبد. بعد احتلال المناطق الفلسطينية الباقية سنة 1967 ظهر الكثير من الأسماء والأقلام الأدبية الملتزمة الواعية ، التي أغنت الساحة الفلسطينية بابداعاتها المختلفة،من هذه الاسماء القاص والناقد محمود شقیر الذی مارس الکتابة الابداعیة و النقدیة وله فی مجال النقد ، الکثیر من المقالات والمتابعات و المعالجات النقدیة، التی تناولت اعمالا أدبیة ،قصصیة و روائیة لکتاب فلسطینیین ،و احتل مکانة مرقومة فی القصة القصیرة.
“صورة شاکیرا” عنوان أحدی مجموعاته القصصیة وقد صدرت عام 2003م و هی من القصص التی یعالج فیها شقیر الواقع الفلسطینی إذ کتبها شقیر باسلوب مغایر مع مجموعاته الأولی و قد أقربها مرارا فی المقابلات التی أجریت معه،إن هذه القصة تصور البیئة التی نشأ فیها القاص و هی مدینة القدس و قراها المحیطة .
تتمیز هذه المجموعة و مجموعة “ابنة خالتی کوندالیزا” عن مجموعات شقیر السابقة کلها فی جانب جدید و هوجانب السخریة و التهکم، کما ثمة جانب آخر أیضا یمیز هاتین المجموعتین و هو أنهما تضمان إلی جانب الشخصیات المنتزعة من البیئة المحلیة ،شخصیات عالمیة معروفة مثل شاکیرا.
يذهب شقير إلى أن فكرة قصصه الجديدة تعود إلى العام 1982، وتحديدا إلی مرحلة  كانت فيها مدينة بيروت محاصرة من الإسرائيليين، وتدك برا وبحرا وجوا، فيما كان أكثر المواطنين العرب، في العالم العربي، يتابعون مباريات كأس العالم،(کما هي الحال فی هذه الایام) ويتظاهرون ضد حكم لم يكن منصفا، فيما لم يتظاهر إلا قلیلون لما يجري في بيروت. لقد رأى في الأمر مفارقة تدعو إلى التأمل، وتبعث الحزن، وتثير السخرية، فقرر أن يكتب قصصا تقوم على عنصر المفارقة:
“آنذاك، خطر ببالي أن أكتب قصصا قصيرة، تنبني على المفارقة الصارخة التي أنتجتها الوقائع: فثمة حصار، ودم، ودمار من جهة، وركض حر في الملاعب، وجماهير هائجة مشدودة إلى الكرة من جهة أخرى”. (الكرمل، 2005، ع83، ص199).
إنه فی قصصه الجدیدة یبرز الجانب السیاسی للفت الانتباه و تحقيق متعة القراءة و ابراز المفارقة فی حیاة الانسان الفلسطینی ویکسر نمط الکتابة .کما یقول :
“لم أعد معنيا بتكريس القصة القصيرة لأداء مهمة سياسية مباشرة، استجابة لذلك الفهم السطحي لوظيفة الأدب، باعتباره عنصرا فاعلا في المعركة، ولم أعد معنيا بسرد معضلات الواقع المباشرة التي يمكن أن ينهض بها تقرير صحافي، أو جولة لكاميرا التلفزيون.
أصبحت أكثر اهتماما برصد الأثر الداخلي الذي تتركه مشكلات الواقع على النفس البشرية، دون أن أحرم القارئ من إشارات غير ثقيلة وغير مملة لبعض جوانب هذه المشكلات، وفي الوقت نفسه تحقيق قدر عال من متعة القراءة التي يوفرها عنصر السخرية”. (الكرمل، 2005، ع83، ص202).
یلتزم  الکاتب بواقعیة الاسماء وما تنتمی إلیها ،عندما یضعها داخل مجتمعه المقدسی الذی یهرسه الاحتلال بکل جبروته ،ولکنه یخلط بین الواقع البعید و الفانتازیا الکابوسیة المعاشة حتی یعبر عما یفعله الاحتلال ،بشکل یبدو واضحا للعیان ،لأنه مباشر ،أو بشکل خفیّ ،یحول حیاة الانسان إلی جحیم،من دون أن یرتعش فی العالم عصب غاضب.
ویبدو أن “شاکیرا” هی التی أضاءت الفتیل الأول فی هذا الاتجاه ، من خلال التلاعب بتشابه الاسمین ، وتطویع شهرة المطربة العالمیة للتخفیف من الأسی المحلی أمام حاجز الداخلیة ،و هْمٌ ما یحدث مرة و لایتکرر،لان الاحتلال لا یعنیه العالم،لا شهرة،و لاتاثیرا.لکن هذا الفتیل ،بذکاء الکاتب ،صار شعلة تضیء الممر الجدید ،ولم یعد بحاجة إلی تشابه أسماء حتی یجد مادة قصته ،لأنه صار یجدها فی الحیاة الیومیة فیربط الاهتمامات الصغیرة بما یجری فی العالم الکبیر ،لتکون المحصلة هروبا من الکابوس ،والربط بحد ذاته یثیر المتعة.
وهنا یقتحم الکاتب الجانب الآخر من حیاة الفلسطینیین بوصفهم شعبا  یختفی –غالبا-وراء حکایات المواجهة مع الاحتلال وأدواته القمعیة :إنه الجانب المتعلق بأشکال التخلف الاجتماعی ،و أیضا بالتناقضات المجتمعیة التی تجعل المواجهة مع المحتل ناقصة و تفتقد إلی الکثیر من عوامل فاعلیتهاو نجاحها.
فهناک البیئة المکانیة ، القدس، و البیئة الاجتماعیة التي تعکس لنا المشاکل و الأزمات التی ترکها الإحتلال الصهیونی علی المجتمع.
فتأتی القصة علی ما یقوم به المحتل من ممارسات قاهرة نحو المواطنین العرب،ممارسات فیها ضرب من الإذلال و السادیة ،إذ یعانی مواطنو القدس فی حیاتهم،و هم یلجأون إلی المؤسسات الاسرائیلیة الرسمیة لاستصدار تصاریح أو جوازات سفر.
وما یجب أن یقال هو أن هذه القصة لاترکز علی المکان، بل تأتی علی ما یعانیه مواطنوه ،فهی لا تصف الشوارع أو أماکن أخری ،ولا تأتی علی التغیرات المعماریة فیها.
الشخصية ترتبط بالحدث ارتباطاً وثيقاً، و للشخصية أبعادها المتعددة: الجسمية و النفسية و الفكرية والاجتماعية ولكن القصة القصيرة لا تحتمل الإطالة في هذه الأبعاد، بل يتركز فيها الضوء على بعد أو أكثر وفقاً لنوع الانطباع الذي يرمي إليه؛ كما أن الحديث عن الشخصيات الرئيسة يدخل في باب الحديث عن الرواية و ليس في باب القصة القصيرة؛ لأنها تنهض أساسا على عدد قليل من الشخصيات.
تظهر في القصة عدة أنواع من الشخصيات، تختلف أدوارها بحسب ما أراده القاص لها، وأهم هذه الشخصيات هي: ١- الشخصية الرئيسة ٢- الشخصية المساعدة ٣- الشخصية المعارضة و ٤- الشخصيات الفرعية.
طلحة یبین ویمثل سمات الشاب الفلسطینی فی مجتمعه ومن اهم سماته فی هذه القصة، التغرب،والرؤیة السطحیة ، والتوسل بالاوساط، و الحیاة فی عالم الاحلام.
هذا الشاب یحرص علی شراء الأغاني و الاستماع الیها فی حین یزحف الاحتلال فی بیوت الناس وهو لا یهتم بهذه القضیة ابدا بل کان یبحث عن صورة منشورة لشاکیرا فی احدی الصحف ،فیاخذ إلی المصور ویطلب منه أن یکبرها ، ثم یعلقها علی جدران منزله.
شقیر من خلال شخصیة طلحة  یشیر الی الرویة السطحیة بین الشباب لانه لا یرید ان یحل الازمة بصورة جذریة بل یکتفی بحلها بصورة سطحیة .و حینما یجد الصعوبة للدخول فی مکتب الداخلیة الاسرائیلیة ،یلجأ الی المصادقة مع العدو الاسرائیلی وشراء اشرطة شاکیرا له ،فی حین لا نتوقع من الشاب الفلسطینی أن یصادق  عدوه و ینسی الظلم و التعسف الذی ارتكبه هذا العدو فی وطنه.
یقول :(سأهدیک بعض أغانیها التی ارسلتها لی من قبل أسابیع.)
کما یقول القاص فی هذه القصة (ابن عمی بنی آمالا عریضة علی تلک العلاقة ،فهو محتاج الی خدمات مکتب الداخلیة وافراد آخرون من العائلة محتاجون لخدمات المکتب ایضا).
وهو ایضا فی مکان اخر یقول:(لابن عمی علاقات کثیرة من هذا الطراز وهو مقنع بأنها ستعود علیه ذات یوم بالنفع العمیم. مثلا حینما راج الخبر حول علاقة الحب التی ترتبط شاکیرا بابن رئیس الارجنتین،لم یعلق هذا الخبر بذهنی سوی لحظة واحدة، أما إبن عمی ،فقد راح یوظفه فی شبکة استعدادته للمستقبل،قال لی سأوثق علاقتی بالارجنتین انطلاقا من هذا الخبر،سأسعی لکی اصبح وکیلا لبعض الشرکات الارجنتینیة،قد اصبح ذات یوم قنصلا فخریا فی الشرق العربی کله).
فی الواقع یعتقد القاص بأن کل انسان ذي براعة وذکاء یستطیع ان یشغل أذهان الناس بالامور التافهة و هم لا یحسون هذا الامر کما یفعل الغرب و العدو الاسرائیلی فی مجتمعنا حالیا ولایدري بعض الناس انهم یریدون أن یخرجوهم من طریق المقاومة و ويضعفوا صمودهم امام العدو.
وما یلفت الانظار فی هذه القصة التسويغات التی تستفیدها الشخصیات فی اعمالها .علی سبیل المثال (وحینما یکون لابن عمی،علاقة غیرمشبوهة مع احد الحراس،نعم علاقة غیر مشبوهة! وهذا الامر یصر علیه ابن عمی ،لانه لایحب ان یقال عنه انه مرتبط بعلاقة مشبوهة مع سلطات الاحتلال).
طلحة فی هذه القصة هو الشخصیة الرئیسیة ولکن القاص لایستفید منه الا مرات قلیلة بل دائما یقول إبن عمی ،ربما تکون كلمة( ابن عم) رمزا للدول العربیة لدی القاص و هو یکشف عن نوع العلاقات السیئة فیما بین الدول.
واخیرا یذهب طلحة مع ابیه الی مکتب الداخلیة الاسرائیلیة وهما متأکدان بأن رونی سیسمح لهما بالدخول، ولکن بعد وصولهما لم ینتبه رونی الیهما فی حین یستفیدان من اللغات المختلفة (العربیة،العبریةوالانجلیزیة) للفت نظر رونی ولکن من دون جدوی و هذه هی نتیجة الثقة بالعدو .
مع ذلک فإن طلحةلا یعتبر ولایتنبه من هذه القضیة لان الراوی یقول :(اما ابن عمی فقد اخبرنی بانه سیذهب الی الحارس رونی مرة اخری و معه مجموعة من اغانی ابنة العائلة شاکیرا المحبوبة، حفظها الله).
“عمّي الکبیر” هو الشخصیة المساعدة فی هذه القصة .وهو یبدو رجلا نفعیا  لا یحب ان تکون شاکیرا من عائلته لعریها ولکنه یغض النظر عن بعض سلوکاتها التي یتحدث عنها الناس ،اذا کان فی قرابتها مایقدم له خدمات.
النفاق من الخصانص البارزة للعم الکبیر،لانه یعتقد بشی ولکنه ینجز شیئا آخرو هو یفضل نفعه الشخصی علی عقیدته الدینیة.
فی بدایة دخول هذه الشخصیة فی القصة نلاحظ عندما یخبر والده بحقیقة ان ثمة واحدة من بنات العائلة تمارس الغناء، العم الکبیر یظهر استیاءه الفوری من هذا الخبر،لانه لا یطیق أن یمس احد سمعة العائلة بکلام لایلیق ،فمع هذا العمل یصوره  انسانا متعصبا تجاه عائلته. ولکن لم يمض إلا دقائق حتی یشم رائحة المصالح تفوح من الخبر الذی سمعه،فیتغیر سلوکه ویحاول لانتساب هذه المطربة الی عائلته و هو یوکد علی هذه العلاقة باقواله:
(بعد تمحیص سریع اکد عمی الکبیر لمن یرتادون مضافته، أن جد شاکیرا الاول ینتمی الی عائلة شاکیرات وانه رحمة الله علیه اختلف مع اخوته علی تقسیم الارث الذی ترکه والدهم، فاختار الهجرة الی لبنان….).
لعل شخصیة العم الکبیر تلقی فی اذهاننا شخصیة بعض حکام العرب الذین یاخذون المواقف المتناقضة تجاه الأحداث حسب مصالحهم، ذلک أن القاص کرر(عمّي الکبیر) مرات عدیدة فی حین کان یستطیع أن یستخدم الضمیر بدل عمی الکبیر .ربما یجعله رمزا لحکام العرب أو یرید أن یوکد بان بعض الاعمال لیست متوقعة من کبیر السن (ونحن لا نعلم أن قصده من الکبیر یکون کبیر السن او العم الاول فی العائلة)،العم الذی لا یقطع فرضا،یصلی الصلوات الخمس فی اوقاتها، کیف یسمح لابنه أن ینسب المطربة العاریة الی عائلته و یلصق صورتها علی الجدران؟
والأكثر إثارة في ذلک انه یتکلم عليها فی الحی و ینادیها باسم (ابنتنا)(اعتاد عمی الکبیر أن یتفشخر امام الناس ،فیقول علی نحو مثیر للفضول :ساذهب الی اسبانیا لزیارة ابنتنا). فی حین کان العم حین یصغی الی اقوال تشکک فی سلوک شاکیرا ،کان یشتمه(حینما یخلو عمی الکبیر الی نفسه ،یمیل الی تصدیق کلام اهل الحی،لولا انهم شاهدوها ترقص عاریة لما تحدثوا عن ذلک. کان یفاتح ابنه بهواجسه هذه و فی بعض الاحیان کان یشتم شاکیرا بالفاظ نابیة….)
کان الرقص و الغناء یحسبان عارا عند العم لکنهما یصبحان  موضع فخر عندما یشم رائحة المصالح و یوقن انه سیحصل علی بطاقة هویة جدیدة و سیذهب الی عمان ….سیذهب الی اسبانیا لقضاء عدة اسابیع هناک.
فهذا الامل الصغیر جعل العم الکبیر  ینسی قیمه الاخلاقیة و الاجتماعیة کما یفعل بعض الحکام و هم یستصغرون انفسهم امام الاعداء وینجزون ما لا یعتقدون به للوصول الی هدف صغیر فارغ و هم یبیعون شعوبهم،وأوطانهم و قیمهم الانسانیة و الدینیة تجاه مثقال ذرة من النفع الشخصی.
فی القصة بوْن شاسع بین شخصیة ابن العم و شخصیة العم الکبیر ،لان ابن العم یقضی اکثر اوقاته فی الانترنت و الفضائیات ولکن العم الکبیر حتی لایشاهد التلفاز (عمی الکبیر لایصدق ان شاکیرا تظهر شبه عاریه علی التلفاز،هولا یشاهد التلفاز لکن اناسا کثیرین رووا لعمی انهم شاهدوا شاکیرا علی شاشة التلفاز ).
مع هذا الخلاف فی الرؤیة دخل العم الکبیر مع ابنه فی رهان واحد و کان یتوقع منه أن یمنع ابنه من هذه الاعمال ولکنه حینما شمّ رائحة المصالح دخل معه فی هذا الرهان، واستصغر نفسه امام الحارس الاسرائیلی.
مکانة العم الکبیر لم تکن مکانة ایجابیة فی القصة؛ لان السارد یکشف عن الذنوب التی ارتکبها عمه فی شبابه و یقول(کانت لعمی طریقة بارعة فی الغش فی حین یرید أن یذهب لأداء فریضة الحج کی یغفر الله له الذنوب) .
فهو یرید أن یسافر إلی الحجاز لکی یستغفر عن الذنوب التی ارتکبها فی شبابه ولکنه حالیا لم یمنع نفسه عن ارتکاب الذنوب فی سن الشیخوخة ولمصالحه ینشر اکاذیب حول شاکیرا و عائلته.
وهکذا یبین شقیر واقع الشعب الفلسطینی فی حیاتهم الیومیه فهم مشغولون بانجاز الامور الفارغة  في  حین  یزحف الاعداء فی وطنهم اکثر من الماضی و هم یقعدون و لا یواجهونهم.
الحارس الاسرائیلی(رونی)هو الشخصیة المعارضة فیها. لا نعرف عنه الکثیر ،لا نعرف عن طفولته وأسرته و نشأته. إنه جندی یحرس مؤسسة إسرائیلیة ویکون تعاملة مع العرب عابرا. قد یحادثهم أحیانا،وقد یهملهم أحیانا کثیرة ، متلذذا بعذاباتهم. وهذه الصورة لمثل هذا الجندی تکثر فی قصص کتاب الضفة والقطاع.
والطریف فی لغة محمود فی قصصه هو العلاقة بین لغة الشخصیة و الحدث بما يجعل لغة القصّ تتسق مع الشخصیات و موقعها داخل شبکة الحدث و الأحداث،فصحی و عامیة ،وابتعاد عن زخرف اللغة وتنمیق المفردات. وینسجم هذا الاستخدام للغة واللهجات مع طبیعة القصص حیث الواقعیة هی تربة الخیال الفنی عند محمود شقیر.
عندما یقرا القاریء قصته یلاحظ سهولة المفردات و وضوح المعنی و العبارات المنسجمة و الإیقاع المنفصل و الوحدة العضویة و الخیال البسیط .
السارد فی هذه القصة یکون السارد العلیم و هو السارد الذی یمتلک حریة الحرکة والتنقل فی کل مکان و زمان من نصه وفی عوالم شخصیاته الفنیة ،ویمتلک معرفة ظاهر و شخصیاته وباطنهم،فیستطیع أن یحدد مصائرها ویتلاعب بمجری السرد،بموجب سیطرته و هیمنته المعرفیة وهو دائم التدخل والتعلیق والتحلیل لأحداث النص السردی.
السارد العلیم فی القصة یکون إبن عم الشخصیة الرئیسیة وهو دائم الحضور فی القصة وکانه ظل لایترک طلحه ابدا و یعلم ظاهر إبن عمه وعمه الکبیر وباطنهما، و یطلع علی احوالهم و اعمالهم فی الحاضر و الماضی بصورة کاملة .
سرده من حیث الزمن هو السرد المنحنی؛ لان الاحداث تبدأ من نقطة فی الحاضر متجهة الی المستقبل مع العودة الی الماضی باسالیب مختلفة.
السرد له دور مهمّ فی هذه القصة؛ لأن أکثر أحداث القصة یسرد بلسان السارد العلیم ولکن إلی جانب السرد یستفید شقیر من الحوار الداخلی و الخارجی فی قصته.
ومن نماذج الحوار الخارجی فیها:
(صاح الحارس من خلف شبک الحدید ،طلحة شاکیرات،رد إبن عمی فی الحال، نعم،نعم،أنا طلحة شاکیرات، فتح الحارس  الباب لإبن عمی الذی اجتاز الباب باعتداد وسط حسد الحشد المنتظر منذ ساعات . حدق الحارس فی إبن عمی لحظة ،ثم سأله:شاکیرات ،هل تعرف شاکیرا،لم یتأخر إبن عمی عن الإجابة لحظة واحدة،طبعا،انها واحدة من بنات العائلة .)
والمونولوج دائما یرتبط بالحال النفسیة الراهنة للشخصیة،وما یشغلها من هموم الحیاة وما یعتریها من تفاؤل وأمل،أو من إحباط و یأس، ولکن المونولوج یفقد من خصوصیته إذا وصل الأمر بالشخصیة إلی مناجاة الذات بصوت مسموع . ومن نماذجه فی القصة:
(حینما یخلو عمی الکبیر إلی نفسه،یمیل إلی تصدیق کلام أهل الحی: لولا أنهم شاهدوها ترقص عاریة لما تحدثوا عن ذلک. کان یفاتح ابنه بهواجسه هذه،وفی بعض الأحیان کان یشتم شاکیرا بألفاظ نابیة).
هذا المونولوج یدل علی هموم إبی طلحة،لأنه یکره شاکیرا و انتسابها الی عائلته ولکنه للدخول إلی  مکتب الداخلیة الاسرائیلیة لتجدید وثیقته یحتاج أن یفعل کذا،وهذا یظهر لنا ضغوط الاحتلال علی الفلسطینیین و دفعهم إلی الاعمال التی لایحبونها.
تتمیز صورة شاکرا بخط الواقعیة الساخرة ،إلی جانب الهم الفردی الإنسانی.
ولعل زمن صدورها على علاقه بالزمن الفلسطینی العام “انتفاضة الأقصی” هو ما یجعل من قدرة الإبداع الساخر أمرا استثنائیا إذا ما قیس بزمن المعاناة الذی یشکل السمة الیومیة لحیاة الشعب تحت الاحتلال،وفی أشد درجة من بطش و قسوة یتعرض لها الناس فی مدن الضفة الغربیة وقطاع غزة.
وکأن شقیر فی”صورة شاکیرا”یشحذ سلاح السخریة من الجلاد لیسدد ضربة له من دون أن یعلن ذلک .
یفسر شقیر لجوءه إلی السخریة فیقول:”إن النزعة التهکمیة الساخرة التی تظهر فی قصصی هی نتاج الواقع المر الذی یعیشه الفلسطینیون تحت الاحتلال،وهی أسلوب فی الکتابة التی تتعالی علی جراح الواقع،لیس لجهة الهروب من مواجهته،وإنما لجهة ترکیز الانتباه علی ما یشتمل علیه هذا الواقع من انحراف عن أبسط معاییر حقوق الإنسان والکرامة البشریة،ولتحقیق هذا الترکیز ،لابد من وضع الآخر –الجلاد-تحت مجهر الفن و فضحه،ولتبیان خطر تصرفاته،وللسخریة منه فی الوقت نفسه،والاستهانة به وبکل إجراءاته القمعیة”(الکرمل ،2005،ع83،ص202).
فقصة” صورة شاکیرا”هی غایة فی السخریة حیث یدخل الکاتب لقبه العائلی”شقیر”فی لعبة التمازج اللفظی بین العربیة و العبریة فتصبح کلمة شقیر العربیة تعنی “شاکیرات”باللغة العبریة. ولیظهرالکاتب معاناة أبناء القدس الشرقیة مع وزارة الداخلیة الإسرائیلیة فی أمر وثائقهم الثبوتیة التی تساعدهم علی التنقل والسفر وغیرهما.
کلمة أخیرة :يشير عنوان القصة  الی  ما تطرحه العولمة الأمیرکیة من  اشارات إلى ثقافة استهلا کیة مسطحة تتخذ من بعض رموز الغناء والرقص وسیلة لصرف أجیال الشباب عن الاهتمام بالقضایا الحقیقیة لهولاء الشباب انفسهم والوطن والناس.
یوحی عنوان القصة إذن بأن ثمة تعاطیا مع ثقافة العولمة من خلال توظیف إشاراتها و رموزها.
أما من الناحیة الفنیة فقد جاء استخدام محمود شقیر العناصر القصصیة ناجحا، الحبکة المتماسکة المفتوحة ،المضمون الإجتماعی السیاسی ،الأزمة الطریفة والصراع البدیع، الاستعانة بعارف الکل لاسلوب العرض ،الحوار المباشر و السرد التصویری قد جعلت من هذه القصة مثالا کبیرا فی مجال الابداع الفنی فی القصة القصیرة الفلسطینیة.
کما أن القاص قد أجاد استخدام الاسلوب الساخر لحبک فکرة القصة فی أذهان القراء بشکل مباشر.

شاهد أيضاً

ندوة “عاشوراء نبضة الألم ونهضة الأمل” في معهد المعارف الحكمية

شارك الملتقى الثقافي الجامعي في ندوة أقامها عصر يوم الإثنين في 11 أيلول 2023 معهد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *