الرئيسية / أبحاث / الدكتورة هبة العوطة: دراسة حول رواية “والهة على درب زينب”

الدكتورة هبة العوطة: دراسة حول رواية “والهة على درب زينب”

دراسة حول رواية “والهة على درب زينب”

الدكتورة هبة العوطة*

بسم الله الرحمن الرحيم ،والحمدُ لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءه العادّون ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين .

أصحاب السماحة والفضيلة ، القامات الأدبية والعلمية ، الاعلام ، الحضور الكريم على مختلف السمات والتسميات ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

إنه لشرف كبير أن يوكل إليّ البروفيسور الدكتور “علي زيتون” مهمّة المشاركة في  دراسة رواية” والهة على درب زينب (ع)” للسيدة ماجدة ريا  فكان حصاد زرعه هذا العمل المتواضع ،  الذي أتلوه على مسامعكم ، فلكم مني كل الاحترام ، وألتمس من جانبكم العذر إن أطلت .

 

*إن دراسة النص الأدبي في ظل معرفه الأديب وسيرته، والظروف العامة والخاصة التي أثرت عليه ،تعد عاملا مساعدا في  تحليله وتفسيره، وذلك من خلال إبراز الظروف التاريخية والاجتماعية التي أُنتج فيها.

 لهذا فإن السيرة الشخصية للروائي هي من الروافد والمنابع الاساسية لتشكيل التجربه الفنية للمبدع . قد تُشكل الاتجاهات الروحانية والوجدانية لديه بمعنى ان المبدع يبني اولا من واقعه ،ثم ينطلق منه ثانيا .

*لقد قمت بمحادثة الكاتبة عبر الهاتف وتحدثنا حول نشأتها

فقالت  إنها ولدت في تمنين التحتا ،وتزوجت من الاعلامي

 “محمود ريا “رحمه الله

وتركت التدريس بإيعاز من زوجها، وهي حاصلة على اجازة في الحقوق ،وماستر في اللغة العربية وآدابها ، ولديها الكثير من المقالات: فقد كتبت في  قلم رصاص، ونادي الادب للمقاومة،اضافة الى رسالات،كذلك صدى الجراح وكانت قيّمة على الناحية الاعلامية في موقع الملتقى الثقافي الجامعي.

*من هنا كان لزاما عليها أن تمتشق قلمها ،وتـُسهم في تأريخ مرحلة مجيدة من أيام أمتنا.  فكل عمل أدبيّ لا يقل قيمةً ،ولا أهميةً ،ولا شجاعة ،عن عمل مقاوم سهر الليالي الباردة، ليزرعَ عبوة تُحيل المحتل أشلاءً.

وهذا ما يؤكد ما ذهبنا اليه آنفًا حول دور البيئة وتأثيرها على الكاتب ،في أنها تحمل وجهة نظره في مجتمعه، وفي الواقع الانساني العام ، ناهيك عن أن “الأديب الحقيقي يهجس دائما بفكرة الخلود، بقدرة نصّه على فاعليّة مستمرّة تؤثّر في كل جيل من أجيال القراء  ويسهم في تشكيل ثقافتهم . “[1]

*ومما يجدر ذكره في هذا المقام أنّ  الرواية تُعدّ  نسيجا سرديا حيويا،  ورؤية جماليه واعية، وعملية ذهنية عميقة، وتجربة وجدانية ثرية، يمتزج فيها الواقع بالخيال ،والفني بالقيمي ،انها عالم تخييلي ونسق متكامل، تتضافر بداخله عناصر بنية المبنى الحكائي الفنية والجماليه مع مكونات المتن الحكائي الابداعية والفكرية ،ومن ثم ينشأ عالم الرواية في وحدة عضوية لا يُلغي فيه المضمون اهمية بنية الحَبكة، ولا يمكن قراءة النص سرديا بمعزل عن مضامينه ومعانيه، وهي منطلقات جوهرية تفضي بلا شك الى استجلاء اسرار النص واضاءة مكامنه وفك شفراته.

*لا ريب أن التعاطي مع الرواية بهذه الرؤية الشاملة يُطلق ما فيها من قدرات جمالية ،وطاقات ابداعية. من هنا كانت البداية والمنطلق اذ بات من المؤكد اثبات ان التعمق في فهم القوانين السردية المنظمة لبنية عالم النص الروائي وادراك اجراءاتها الفنية المتعلقة بتقنيات عمل هيئه السرد.

أتناول في هذه الدراسة :        

سيمائية عنوان رواية ” والهة على درب زينب(ع) بدءاً  بموقع  الرواي،

مرورا بالمنظور الايديولوجي، وصولا الى كلمة أخيرة .

 

يبدأ التشويق السردي في  الرواية   مبكرا  من العنوان والهة على درب زينب “الذي أثارني لذا رحت أضع فرضيات متنوعة لتفسير معناه، وكلها تؤكد انه محمّل بشحنة هائلة من التأويلات تستدعي تضافر العناصر الفنية والموضوعية من اجل ادراكها ، وكأنما تضع الكاتبة امام المتلقي لغزا مثيرا ، كي يجذب فضوله للبحث والتنقيب داخل متن الرواية ومبناها ،عن إجابة لفك شفرات هذا العنوان ،وهو عينُ ما تسعى الدراسة الى استكشافه عبر المنظور الروائي من منطلق ان العنوان “علامة لغوية فارقة، ومصطلح اجرائي ناجح في مقاربة النص الادبي،ومفتاح اساس للولوج الى اغوار النص العميقة ،قصد استنطاقها وتأويها”[2].

 والعنوان من أهم الأسس التي يرتكز عليها الابداع الادبي، اذ تساعدنا على الدخول الى النص من خلال علاقته بالسياقات النصية في بنياته العميقة، كما يشكل العنوان اول اتصال نوعي بين المرسِل والمتلقي.وهكذا فإن “اول عقبة يطؤها الباحث السيمولوجي هو استنطاق العنوان واستقراؤه أفقيا وعموديّا ” [3]

والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا  هل  نستطيع بوصفنا قراء أن نصل  الى دلالات وقصديّة رواية”والهة على درب زينب(ع)”من خلال عنوانها قبل قراءتها ؟وما صلة العنوان بالنص؟بل كيف استثمرت “ماجدة ريا ” الدرب  في تشكيل عالم روايتها، هذا العالم الذي يجب أن يحمل هموم الكاتبة سواء أكانت آنية ؟أم استراتيجيّة ؟

أولا نحاول أن نشير إلى معنى والهة : اشتد حزنها حتى كاد يذهب عقلها ، ولمْ تستخدمْ الكاتبة كلمة زينب عبثا بل كان توظيفُها لها بذكاء :

 

ولِمَ زينب ؟

 ألأنها امرأة قوية بقوة الله، فقيهة بكلام الله، عالمة بمعرفة الله، سيدة بيت رسول الله؟  أم لأنها  سُبيت لإعلاء كلمة الله، وقُيدت تحريرا لعباد الله؟

فالسلامُ على فخرِ المخدَّراتِ،والصلواتُ التاماتُ على عقيلةِ بني هاشمٍ ، سادةِ الساداتِ وخيرِ الكائناتِ.

 

ولعل الاجابة تتكشّف  مع ما قدمته لنا الراوية من قناعات سلوى ” نحن الآن في معركة كربلائية ، وكل واحدة منا عليها أن تستعد لتكون زينب ، لا مكان للخوف ولا للتقهقر ، سنمضي قدما ، ونعتز بشهدائنا فخر هذه الأمة ” .[4]

يشير التمثل بزينب هنا الى كيفية التعامل مع الحدث بروية وعلم ومعرفة ودراية، دون  الاكتراث لمظاهر الظلم، وأنواع العنف ،وإدارة المعركة بصلابة وتحد وإصرار  لرفع كلمة الله ودحض كلمة الباطل.   والاعتزاز بالشهداء ليست كلمة عابرة في خطاب ماجدة . هي كلمة مفتاحية تعطي سائر الكلمات ابعادها الدلالية . فالبعد التفاؤلي واضح فيما تحمله هذه الكلمة من دلالة في موروثنا الديني والثقافي . الشهادة طريق الانتصار [5].

وفي موضع آخرما منّت به نفسها  : ” أن تكون كالسيدة زينب في ايمانها ويقينها وثباتها وعفتها وتقاها وشجاعتها “[6]

يعبّر هذا المقبوس عن ما سطرته السيدة زينب في كربلاء من صفحات خالدة تحت لواء سيد الشهداء في ملاحم بطولية ،تجلت في أصدق آيات الإيمان، حيث  ضربت (عليها السلام) أمثلة عظيمة لمعاني الصبر على المصائب، والثقة بالله في مواطن البلاء. 

العنوان قد يكسر أفق انتظار القارئ أو قد يوافق توقعاته ، ويدعم ويثبت ما تحمله الرواية ،يحدونا هذا إلى القول  إن الأديبة ماجدة ريا قد وُفقت لأبعد حدود في اختيار العنوان ،فبعد قراءة الرواية نجد العنوان يعبر عنها لأقصى حد ، فنلاحظ تطابق العنوان مع المتن الروائي ومحتواه بعد تحليله وتدعيمه بالشواهد من النص .

اولا :الراوي وموقعه بين الروائي والشخصية :

الرّاوي في “والهة على درب زينب ” هو راو يقع خارج أحداثها، فهو ليس شخصية مشاركة من شخصيات الرّواية، وليس شاهدًا يتتبّع الأحداث، ولكنّه حاضر في الرّواية حضورًا مهيمنًا يتمثّل في أدائه المتفرّد في عملية القصّ. وهو ينتمي إلى فئة الرّاوي أكبر من الشّخصيّة “الرؤية من خلف”، فهو الرّاوي الكلّيّ المعرفة، العالم بكلّ شيء، وبكل ما يحدث في الخارج، وما يدور في داخل الشّخصيّات وفي أيّ مكان ، يؤدّي ذلك مضمّنًا أداءه قول الشّخصيّة، أحيانًا كأنه يستشهد به، ويتيح لها أن تظهر في بعض الحالات، من دون أن يتخلّى عن موقع “الصانع” الحاضر دائمًا.

يعرف الرّاوي ما يحدث يؤدي ما يعرفه مستخدما ضمير الغائب ، فنراه ينقل الينا بدقة ما حدث  في الجلسة أثناء تناول  طعام الافطار في شهر رمضان

” وهم في جلستهم تلك سمعوا دوي انفجار قوي وقريب استتبع بسقوط الواجهة الزجاجية من قوة الانفجار .بهت الجميع ، التفتوا الى بعضهم البعض ، وابتعدوا مسرعين نحو الداخل ، في حين نهض علي مسرعا” [7] ،

 وفي موضع آخر نراه ينقل الينا مشاعر سلوى حين اشتد القصف :” بدأ القصف على البلدة ، واخذ يشتدّ، فلجأت إلى أحد البيوت الموجودة على الطريق وهي تشعر برعب شديد ونبضات قلبها تتزايد ” [8] ،

وما شعرت به سلوى  في قرارة نفسها :

” أسرعت في الركض باتجاه منزلها ، لكنها شعرت في قرارة نفسها أن الاستمرار في متابعة الطريق أصبح مستحيلا ” [9] ،

ثمّ يسرد الحدث، عارفًا بما يزعجها : ” ما ازعجها أكثر أنه تضايق من تأخرها ، ولم يقدر ظرفها ، ولا معاناتها ، فبدا وجهه عابسا لا يكلمها ، ولا هي بادرته بالحديث عن معاناتها ” [10]  

إنّ النص بمجمله مثالٌ ناطقٌ على ذلك، ومنها ما يدور في ذهن “سلوى ” من أفكار وخواطر:“خطر في بالها سلسلة من الشباب الذين تقدموا لخطبتها  ومن بينهم أقارب ، ورفضتهم جميعا ، لحجّة أنها  ترغب بمتابعة علومها” [11]

وفي كثير من الاحيان يصغي القارئ الى صوت الراوي = الشخصية

( الرؤية مع ) فيشعر أن الراوية هي من تتحدث من خلال قول سلوى عن متابعة الدرب : “قرّ عينا يا علي ، سيكون مجاهدا بإذن الله ، وسيتابع دربك ودرب الشهداء حتى تحرير كامل الأرض من دنس العدو الصهيوني الغاصب” [12].

ولا يلجأ الراوي الى هذه الرؤى فحسب ولكنه يلجأ الى المسرحة ايضا :

” اقتربت منه وقد اخذتها العاطفة ، ولم تنتبه لوجود الرجال ، فالموقف جلل،  وخوفها عليه دفعها لاحتضانه وتقبيله على خديه وهي تقول له : مبارك لك بي الشهيد ، وكأن الله ببركة الشهادة قد ربط على قلبه ، فبدا هادئا يتقبل التبريكات ” [13]. يقوم هذا المشهد البصري على مكوّن لا يستطيع خطاب الشخصية المكتوب أن يقدمه ،فخوف سلوى على زوجها المريض من وقع خبر استشهاد ابنه دافعا لها لتحتضنه وتقبله ،غير منتبهة لوجود الرجال  فما كان منه إلا أن هدأ وبدأ يتقبل التبريكات بالشهادة .

وهكذا كما نرى عند الراوية قد أفادت من هذا التعدد المختلف من حيث المنظور الروائي ، يمثّل تجريبا يسعى إلى تقديم العالم الموضوعي من وجهات نظر متباينة ، تحثّ القارئ على اكتناه الدلالة ، وبذلك تتكامل المشاهد وتوهم بواقعيّتها  .

 

ثانيًا:  المنظور الايديولوجي:

ويثير تعريف المنظور الايديولوجي التقويمي عدة اسئلة منها :

من صاحب المنظور الذي يدرك العالم الروائي ايديولوجيا ؟

ومم يتكون المنظور الايديولوجي؟

وما الرساله الايديولوجيه التي تحملها الروايه؟

إن المنظور الايديولوجي “هو منظومة القيم العامّة لرؤية العالم ذهنيًّا، فهو يتخلّل كل أجزاء العمل الأدبي[14] ويحاول الرّاوي اللّجوء إلى أساليب أكثر مهارة لإيصال هذه القيم إلى القارئ. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه القيم يمكن أن تكون مغايرة لمنظومة قيم المؤلّف. لذلك من الضروري النّظر إلى العمل الأدبي كوحدة مستقلّة بذاتها عن مؤلّفها. ولنصل إلى مزيد من الوضوح نقول  إنّ  البناء الروائيّ في سرد “والهة على درب زينب “تشكّل  من منظور الرّاوي الذي هو أكبر من الشّخصيّة، ويبدو المنظور الأيديولوجيّ واضحًا في معالجة القضايا  الآتية:

كل أديب لديه تصورات وقناعات ينظر بها للعالم، وهي مزيج من معتقداته الموروثة، وقيمه الأخلاقية، وفكره السياسي، وتحيزاته الخاصة. فلا يوجد أديب يكتب في المطلق، وبدون قضايا وأسس وقيم، وإلا كانت كتابته أقرب إلى العبث، فالمجتمعات الإنسانية كانت – وستظل – تمتلك مرجعياتها الفكرية والأخلاقية التي تحكم حياة البشر فيها، وتجعلهم يتفقون على أفعال مشتركة.

   وفي منظومة الثقافة العربية الإسلامية، تكون المرجعية الفكرية المترسخة في وعي الأديب وهو يصوغها في إبداعاته، هي الإسلام الذي يؤكد على التوسط في كل الأمور والرؤى والأفعال، دون إفراط أو تفريط، وأن الدين مبني على السماحة واليسـر.

والأديبة ماجدة ريا  لها صوتها  الهادر بالثورية ، والمحتضن بين جوانحه وتلافيف روحه همًّ أمتها وقضاياها ، حاضرها ومستقبلها ، وهي فى سبيل ذلك كانت أكثر انغماسًا فى الواقع ، مستوعبة لطبيعة الصراع الدائر فى هذا الواقع على كافة الصُّعُد السياسية والاجتماعية ، وطبيعة التحديات المصيرية التى تواجه هذه الأمة ، ومن ثم فهي تعرف مبدئيًّا أين يقع واجبها الأدبي ، وتعرف قيمة هذا الانغماس فى الواقع ، فَهِمت الصراعات الدائرة فيه ، ودورها فى توجيه الرؤى الإبداعية ، ومن ثم بدت الكاتبة صاحبة منهج فى الحياة ، خاضعة بدورها لأيديولوجيا عروبية إسلامية خالصة ، تعتد بها الأديبة وتعتز ، ومن ثم أتت التجربة فعليًّا خاضعة لهذه الأيديولوجيا ، منتمية بشدة لها ؛ فرأينا مثلأً الإعلاء من قيمة الجهاد:

” وقد اختار علي لنفسه كنية جهاد لكثرة حبّه للجهاد والعمل في سبيل الله ، وهوالذي نذر وقته وروحه لهذا العمل ، للمقاومة ، وبدأ يؤسس لمجموعة من المجاهدين هناك ” [15]

والتضحية بعروض العمل من الخارج : ” فليذهب غيري لكسب المال …….. أما أنا فأريد أن أكون جنديا من جنودها ” [16]

فالاستشهاد الوسيلة الوحيدة لتخليص الوطن والأمة من هيمنة القوى الاستعمارية ،  ومن ثم ـ أيضًا ـ كانت الأديبة  تُلفت إلى الماضى على طول الطريق ، الماضى بأمجاده وبطولاته وانتصاراته ؛ ليشد الماضى من سرَّته إلى قلب المشهد الحاضر المؤسف ليكبته ، وليعرِّيه أمام نفسه ؛ وليحثه ويحمسه إلى الإقتداء بالأجداد ، والى الإخلاص لمنهجهم الذى تسيَّدوا به على سائر الأمم:

“بات يعشق أي شيء يتعلق بعاشوراء …حتى باتت هذه المناسبة جزءا من روحه ، وبنى من خلالها علاقة مميزة مع الامام الحسين (ع) ، وأخته السيدة زينب (ع) بطلة كربلاء ، وكان يترجم هذا العشق بكلّ تصرفاته “[17].

ولم تغمض الرواية عينها عن أن الاسلام دين انفتاح ولا ينفي الآخر :

” تعرفت سلوى… على صديقة درزية … وكانتا متفاهمتين ومتفقتين في كثير من الأمور ، أدركت سلوى أن الانسانية يمكن أن تجمع قلوب الناس على المحبة بعيدا عن التعصب الديني … ويمكن لأبناء البلد الواحد أن يعيشوا في وئام ومحبة ” [18].

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الاسلام في تعامله مع الأسرى يصل الى أرقى المجالات في مجال حفظ الكرامة الانسانية للأسير وعدم الاعتداء عليها:

” تمهل لا يحق لك أن تجهز على أسير جريح ” [19]
وغير ذلك كانت الأديبة مهمومة  بتفنيد علاَّت الواقع وإلقاء تبعة تدهوره على الحكام الجبناء ، وأولت الأمر الخانعين وعلى كافة النًّخب المهادنة والمتاجرة بقضايا هذه الأمة ومقدراتها :” الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان مستمرة ، قسم كبير من الجنوب اللبناني كان محتلا ويعاني من صلافة العملاء وجلافة العدو الصهيوني ، القصف من قبل العدو الاسرائيلي ومواقع العملاء لا يتوقف على القرى والبلدات الجنوبية “[20]،

 وعليه أمكننا ان نصف هذه التجربة بأنها تسعى إلى تحميل الأدب رسالة ، ومضامين فوق شخصية تعزز من قيم الانتماء  للإسلام :” امنيتي ان يكون عندي اثنا عشر ولدا لأسميهم بعدد الأئمة المعصومين (ع) ، ونكون كلنا في خدمة الاسلام ” [21].

وهى تتوجه إلى الضمير الجمعى بغية تعزيز الوعى بالواقع ، وقضاياه وطبيعة الصراع الدائر فيه ، وبوضعنا الحقيقى وسط العالم المتصارع ،

 ولكل ذلك فهى تجربة تسعى إلى زيادة حساسيتنا تجاه الحياة والواقع والمستقبل :” هو يرغب أن يصبح الجميع شبانا وشابات بموضع المسؤولية من أجل بناء مجتمع مقاوم سليم ” [22]، وتلك سمات فى جلِّها تجعل التجربة منتمية بشدة إلى ما يسمى بأدب الالتزام ، أو إلى تطبيق مبدأ الالتزام فى الأدب ، بمعنى التزام الأديب بقضايا الإنسان فى مجتمعه ، مقدمًا حلولاً لهذه الإشكاليات التى تفرض نفسها ، ومنبهًا إليها ، من خلال إطار أيديولوجى معين .

 

ثالثا: كلمة أخيرة :

ما يلفت القارئ في رواية ” والهة على درب زينب (ع) ” عبقها من ألفها إلى يائها بروح تفاؤلية مفادها أن الاستشهاد طريق الانتصار ، ولا ضير في ذلك فهو موروثنا الثقافي وعقيدتنا الاسلامية التي تشجع على الجهاد ، وحرمة تركه ، وتفضيل المجاهدين على القاعدين ، بل تفضيل المجاهدين بالنفس على المجاهدين بالمال ، كما تعرّضت للأجر والثواب الكبيرين لكل من له صلة في الجهاد بدءا من ممارسته فعليا ، وحتى مستوى تجهيز المجاهد ، أو حتى مجرد التفكير بالجهاد والسير فيه عندما يحين ظرفه أو أوانه .

ومما لا شك فيه أن وجوب الجهاد في الإسلام من البديهيات التي لا تحتاج إلى الكثير من الاستدلال والبرهان، بل يكفي الرجوع إلى القرآن الكريم  في الدلالة على عظمة الجهاد، وهو إن وصل إلى درجة الشهادة من خلال الجهاد كان حياً عند الله عز وجل كما قال سبحانه ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وكذلك الحديث الوارد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله “فوق كل بِر بِر حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتِل في سبيل الله فلا بِرَّ فوقه”. ولعظمة ورفعة مكانة الشهادة في الإسلام كانت دائماً هدفاً لكل سائر في الخط الإلهي من الأنبياء عليهم السلام إلى الأولياء والأصفياء والصالحين والمجاهدين، ولذا نجد أن علياً أمير المؤمنين‏ عليه السلام نطق بكلمة “فزتُ وربّ الكعبة”، إلى هنا والكلام لا غبار عليه ولهذا السبب نفسه تثير الرواية ثقافة الحسين (ع) ففكر الثورة الحسينية هو الطريقة المثلى ، والفكرة النيّرة لمواجهة الكيان الصهيوني وكل مظاهر الإرهاب ، ورفع شعار لا صوت إلا صوت المواجهة ، فتحرير الأرض يتطلب التضحية بدماء زكية طاهرة ،لأنه كلما كان النصر عظيما والمعركة مصيرية يحتاج إلى قربان عظيم.

ونصل في هذا السياق إلى أنّهم رجال الله ، بريق أسمائهم يهزّ أوتار القلوب ، فتلمع محبتهم كنقش مثبت في الأعماق ، يُقدمون على الموت بخطى ثابتة مطمئنة ، يريدون بها إعلاء كلمة الله ، وفي سبيل الله دفاعا عن المحرومين ، ونصرة للمظلومين ، وردعا للمعتدين . سيرتهم لن تنطفئ ، خالدة بخلود الزمن فالشهداء عند ربهم أحياء يرزقون .

من هنا أدعوكم جميعا اليوم وغدا أن تكونوا ماجدة ريا،  لأننا إن  لم نؤرخ لهذا التاريخ المجيد، نضع رقابَنا ومستقبلَ أوطاننا وأبنائنا تحت مقصلة من يريد أن تحيا الأمةُ  دون تاريخ، لتبقى الحجةُ والشعارُ أنّ العين لا تستطيع أن تقاوم مخرز الصهاينة ومجتمع الدول الظالمة.

                                              وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

المصادر

[1] – د. علي مهدي زيتون ، أدبية الرواية ، دار المواسم ، الطبعة الأولى ، 2016، ص 93

[2] -ينظر، نزار قبيلات ،تمثلات فرديه ،دراسات في السرد والقصه القصيره جدا والشعر ،دار كنوز المعرفه العلميه للنشر والتوزيع ،عمان، 2017، ص 16.

[3] – جميل حمداوي ، السيموطوقيا والعنونة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، مجلة الفكر / مج 25 ، العدد 3 ، ص 96.

[4] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 2023، ص 192.

[5] – د. علي مهدي زيتون ، أدبية الرواية ، دار المواسم ، الطبعة الأولى ، 2016، ص 174.

 

[6] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان، 2023 ص 202.

[7] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الاولى ، 2023، ص 61.

[8] -م.ن  ، ص61.

 

[9] – م.ن ،ص 68.

[10] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الاولى ، 2023، ص 88.

[11] – م.ن ، ص 55.

[12] – م.ن،137.

[13] – م.ن، ص 201.

[14] – د. سيزا قاسم، بناء الرّواية، القاهرة: الهيئة المصرية العامة، 1984، ص135.

[15] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الاولى ، 2023، ص 103.

[16] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الاولى ، 2023،ص 159.

[17] -م.ن،ص 185.

[18] -م.ن ، ص 39

[19] -م.ن ص 176.

[20] – ماجدة ريا ، والهة على درب زينب ، دار الولاء ، الطبعة الاولى ، 2023 ، ص 49.

[21] – م.ن ،ص 144.

[22] -م.ن ، ص 161.

د.هبة العوطة*: هبة العوطة من مواليد بعلبك ٢٢ تموز ١٩٧٨ متزوجة من حسن مظلوم ،أم لنبيل ،نالت شهادتيْ الماجستير والدكتوراه من الجامعة اللبنانية بتقدير جيد جدا .
مارست مهنة التعليم والإشراف لمدة لا تقل عن ٢٥ عاما .وحاليا هي أستاذة في الجامعة الإسلامية في فرعيْ بعلبك وخلدة .
لها مجموعة قصصية للأطفال، وقصة قصيرة بعنوان (ضحيتكم).ناهيك عن الكتيبات في مجال عملها ونذكر منها : التأهيل اللغوي. صرف ونحو.تقنيات التعبير الكتابي .

شاهد أيضاً

ندوة “عاشوراء نبضة الألم ونهضة الأمل” في معهد المعارف الحكمية

شارك الملتقى الثقافي الجامعي في ندوة أقامها عصر يوم الإثنين في 11 أيلول 2023 معهد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *