الرئيسية / أبحاث / البحث عن الحرية …رؤية نقدية لرواية ” طيور إيلول ” اميلي نصر الله

البحث عن الحرية …رؤية نقدية لرواية ” طيور إيلول ” اميلي نصر الله

بقلم الأستاذة علا آغا

المقدمة :

تعتبر الحركة النسائية المعاصرة نتيجة طبيعية لأُسلوب تعاطي المجتمع مع المرأة في الحقب الماضية، ومن البديهي أن تختلف التجربة الثقافية في المشرق العربي عنها في العالم الغربي، وبالتالي تختلف النتائج المتمخضة عن كلتا التجربتين.

من هذا المنطلق، فإنّه عند معالجة القضايا الشرقية لم تؤخذ هواجس المرأة الغربية وهمومها بعين الاعتبار، وذلك لاختلاف ذهنية المرأة الشرقية وقضاياها المستوحاة من أعماق الثقافة المشرقية. ولا شكّ أنّ الأديبة اللبنانية استطاعت بقلمها البارع أن ترسم ملامح هذه الذهنية إيجازاً وتفصيلاً عبر كتاباتها ، مستلهمة خصوصياتها من الواقع المعاش.وبالتالي كان يزخر بالكثير من مفاهيم الغرور والغيرة والاستئثار ومشاعر التحدّي، والنزعة التشريفاتية، والعزوبية، ومكر النساء، والعلاقات الزوجية، ومسؤوليات الأُمّ، والإيمان بالله، والنجاحات العلمية وفكرة التفوق للتخلص من نير التبعية المطلقة  , بالإضافة إلى رصد الإحتلالات والتي لطالما بينت مدى انهماكها في المعارك الأساسية ضد القمع والتمييز , وأثرها المباشر على المجتمع

ككل . فهن لم يعشن على هامش الحياة السياسية والإجتماعية , وبالتالي كانت كتاباتهن صورٌصادقة عن مجتمعها

و أميلي نصر الله  من أهم الكاتبات اللواتي تميزت بإيمانها الكبير بالعمل الدؤوب على حلحلت التعقيدات الاجتماعية والمشاكل , التي كانت السبب الأول في اغتراب المرأة عن مجتمعها , فمساحة الكلمة عندها لا تحدها أية حدود , فهي تستشف الحياة في صورتها الحقيقية , وتنقلها عبر كلمات شفافة منسجمة مع الأهداف التي طالما عملت من أجلها ,  فهي  نبع أدبي لا ينضب ، و يبلغ ذروته في روايتها  الأشهر عالمياً “طيور أيلول”. فإلى جانب روعة صورها الفنية ، وإلى جانب ثراءها التعبيري ,  والبلاغي, والتصويري , واللغوي , هي  تمثل دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية التي تحدثت عنها ، فهي “تمسّ وببراعة علم النفس الإنسانية  , بكل طموحاتها المؤجلة , والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة أملي، هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية , وبعد ترميم الحقائق وإصلاحها يمكن القيام بتحليلها، وبذلك نتعرّف على زوايا نظر الكاتب “[1]  ,

. ويسمح  هذا الأُسلوب للكاتب ” بتسليط الضوء على طبيعة شخصيات القصة وأفكارهم ومواصفاتهم الأخلاقية، بل وحتى مواصفاتهم البدنية الظاهرية، أو يقوم بتغيير مكان الحدث مصطحباً القارئ معه، ليكسبه مرونة في الحركة والتنقّل، الأمر الذي يضفي على القصة قدرة أكبر في وصف عناصرها أو تحليل التداخل بين أحداثها ومشاهدها “[2]

فالشقاء هو المرافق الدائم لكلمة أنثى في المجتمعات العربية مع الجهل والتخلف , والفساد ,الذي عم في أرجاء المجتمع العربي كله ، هذا العدو المرهق للإنسانية، والمرأة بشكل خاص، التي غاصت في عمق التقاليد والإستلاب لحقوقها بشكل مرعب ، فما كان منها إلا التخبط مع ذاتها, بحثاً عن وجودها الإنساني، حيث أخذ ت تعمل بجهد وصبر تارة، وتمرد تارة أخرى، للوصول إلى اللحظة المناسبة والوقت المناسب لإثبات ذاتها الضائعة، أمام ذاتها و الرجل  و المجتمع.

وبالتالي عملت وبشكل ملح على تأكيد ذاتها, ووجودها, عن طريق هدم كافة الحواجز كلها , انطلاقاً من تغيير القالب الإجتماعي الذي ولطالما فرض عليهم تحركاتهم، مقيداً حركتهم منذ زمن بعيد.

فها هي تنطلق نحو ضوء مازال بعيداً عن نفسها التائهة المتخبطة، فالمرء لايولد من رحم البؤس تلقائياً، بل هو زمن طويل غائر في تلافيف الزمن الماضي الممتد، حيث يولد محبط، ومتألم ومصدوم من محيط غير سوي , يجعله يغوص في أعماق الموت بدلاً من الحياة , “فالطفل حين يحرم من الحياة لابد من أن يصب عدوانيته على مصدر الحياة بصفتها المسؤولة عن الجحيم الذي يعانيه”[3]، وهي تحمل الكثير من صفات العبودية, في مقابل صفات السعادة التي تنطوي على القوة , والثقة ,  والأمل , والسعادة, وما أزمتها هذه إلا مرتبطة بالشرق الذي نشأت به…

وسأبدأ بحثي هذا بالحديث عن تقنية الرواية وأهم عناصرها , وأتوسع بالحديث عن وجوه المرأة في رواية طيور إيلول لمالها من أهمية في تحريك مسار أحداث الرواية  ,  بالإضافة إلى الزمان والمكان من أجل مقاربة أشكال اشتغال الرواية, ومعرفة المستوى الفنّي الذي بلغته في هذا المجال. وذلك عبر توظيفه فنيّا ودلاليا, مما يعزّز تجربته ويدفع بمغامرته الإبداعية إلى أوسع مدى. ومدى أهميتها في الكشف عن مسارات الرواية .

 

1 : تقنية الرواية  وعناصرها :

الرواية سرد نثري طويل, يصف شخصيات خيالية أو واقعية، وأحداث قصة حيث تعتمد على السرد بما فيها من أحداث ,ووصف, وحوار, وصراع ما بين الشخصيات, وما ينطوي عليه ذلك، من تأزم وجدل وتقنية للأحداث، والشخصية هي المعتمد عليها بإدارة أحداث الرواية من خلال تفاعلاتها مع ملامح الرواية وعناصرها، حيث تتكوَّن بها الأحداثُ فهي المحرك الأساسي والخفي لأهداف الكاتب وما يريد بثه للمتلقي مما لها من تأثير مباشر وغير مباشر على تحريك دفة الرواية، لذا على الروائيّ أن ينتقيَ شخوصَ روايته بحكمة , ودراية , بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب.

كأن يكون ملماً بالأحوال الإجتماعية، والسياسة، وبشكل مفصل , حتى تتوافر المصداقية في الرواية، خاصةً وأنه يتناول الأحداث وكأنها حقيقية ومعاشة، وبالتالي يتطلب منه الدراسة المعمقة لكافة الأنماط الحياتية المحيطة به من بيئة , ولغة,وعادات , وإيجابيات,  وسلبيات مجتمع معاش به , حتى يتمكن من طرحها بشكل موضوعي.

يقول “محمد غنيمي هلال “في هذا الصدد: “الأشخاص في القصة مدار المعاني الإنسانية ومحور الأفكار و الآراء العامة… الأشخاص كذلك مصدرهم الواقع” [4] .

“إن الشخصية وحدة دلالية”[5]  . وفي نص آخر يجعلها إنسانا تؤدي دورا اجتماعيا في الحياة. حيث يقول: “ركيزة السرد مستندة عادة على الشخصيات المؤنسنة”[6]  .

ونتيجة هذا النقاش ظهرت مفاهيم مختلفة للشخصية. ” فبعدما كان التصور التـقليدي، يعتمد أساسا على الصفات، مما جعله يخلط بين الشخصية الروائية، والشخصية في الواقع الحياتي” [7] ، ظل التركيز عليها كونها  ”  كائناً إنساناً مليئاً بالحياة , وعلى تجاهل للقصدية وراء خلقها وتشكيلها. وبناء الشخصية يحكمه المفهوم المثالي القائم على مقولة الإلهام”[8]  .

وأهم ما يميز الاتجاه الجديد في نقد الشخصية، هو الانتقال من داخل الشخصية إلى خارجها أي إلى وظيفتها، والأدوار التي تقوم بها، والاستعمالات المختلفة التي تكون موضوعا لها.

“إن ما هو مهم في دراسة الحكاية هو التساؤل عما تقوم به الشخصيات، أما من فعل هذا الشيء، أو ذاك، وكيف فعله. فهي أسئلة لا يمكن طرحها إلا باعتبارها توابع لا غير” [9] .

مفهوم الشخصية عند “بروب”[10] :

هو التقليل من أهميتها وأوصافها. إن الأساس هو الدور الذي تقوم به. وهكذا لم تعد الشخصية تحدد بصفتها، وخصائصها الداخلية بل بالأعمال التي توظف من أجلها، ونوعية هذه الأعمال.

ومما لا شك فيه هو أن عملية تقديم الشخصية، عبر الفضاء النصي، تعد من البحوث المهمة التي شغلت الدراسات النقدية الحديثة، ذلك أن الشخصية، تشغل موقعا إستراتيجيا في بناء الرواية. لعل هذه الأهمية هي التي دفـعت “فيليب هامون” أن يخصص محورًا بتقديم الشخصية.

” يتم تقديم الشخصية عنده من خلال دال غير متواصل. بمجموعة متفرقات من الإشارات التي يمكن تسميتها ب “سمة ” وخصائصها العامة، تحدد في جزء مهم منها، بالاختيارات الجمالية للكاتب، فقد يقتصر على الحوار الباطني الغنائي أو السيرة الذاتية. فهنا عادة إشارات التعريف بالشخصية هي ضمير المتكلم”[11]  . فالسمة الدلالية للدال، فقد يركز على اختيار اسم العلم، وفي هذه الحالة من المستحسن على الكاتب أن يختار اسم العلم الذي يكون مؤشرًا واضحًا للعلاقة بين الدال والمدلول، وأن تسم هذه السمة بالاتساع إلى حد ما، مع ثباتها، حتى تستقر في ذهن القارئُ من بداية الرواية إلى نهايتها.

فالكتابة بشكل عام و القصة والرواية بشكل خاص , نوع من أنواع  التعبير عن رغبة المرأة الملحة في فتح حوار صريح حول قضاياها داخل المجتمع العربي , ومدى سعيها للتغيير الاجتماعي, وفق أطر إجتماعية سليمة. كما تهدف الى مخاطبة الآخر المتمثل في القرّاء المؤيدين لنضالها في مجتمعاتها. “كانت الروايات خير صورة صادقة , استطاعت أن تنقل لنا الحياة الإجتماعية , والسياسية بكل رؤى ثاقبة وواضحة “[12]

وكانت الدعوة واضحة من حيث التفكير بكيانها كإمرأة , وبمشكلات واقعها, بطريقة أكثر منهجية , وأكثر تحرراً

فالكتابة نظرة إلى العالم وطريقة حضور الأفراد فيه  .

واختيار اميلي نصر الله للكتابة يعني رغبتها في أن تكون موجودة ، وأن تحضر وسط هذا كتاباتهاا, التي كانت خير مثال لصورة المجتمع ,عبر تناولها قضاياه بشكل معمق .

 

 2: وجوه المرأة في رواية ” طيور إيلول ” :

هي وجوه سعت نحو حرية لازال طيفها بعيداً , وبذلك تكون اميلي  قد حرصت على الربط بين تجسيد الوعي الداخلي للشخصية النسائية وقضايا مجتمعها ، فكان عليها  أن تبذل قصارى جهدها كي تقدم إلى قرائها بشكل عام, والمرأة بشكل خاص، رأيها ووجهة نظرها الخاصة بالرجل والمجتمع ، بناءً على تجارب طويلة وثقافة واسعة، وعميقة، وماهية رأيها إزاء هذه الشخصيات و العمل على الدفع بها نحو الأمام في مسيرة الحياة.

تقوم منى إحدى فتيات هذه القرية دور الراوي لهذه الرواية، هي فتاة مرهفة الحس، رقيقة الشعور، حيث من خلالها نتعرف إلى باقي وجوه الرواية وشخصياتها.

هاهي تعود بذاكرتها إلى أيام طوتها الذاكرة بين ثناياها

“”أفكر في أولئك الأحباء الذين عاشوا معي فترة من العمر”[13]

“وتعودني وجوههم، تتزحلق بكل العواطف والالام التي عشناها[14]” أذكر مرسال “تلك الصديقة اللطيفة الودودة تحب الحياة وتحمل الربيع أينما حلت، ذات ضحكة مشرقة وجميلة، وراجي ذلك الطيف الذي عاش في قلب مرسال”[15]. في هذه الاجواء الهادئة والذي يسير الزمن فيها بشكل بطيء، حيث يعيش الافراد حالة من الإحباط الثقافي، و الرضوخ لعادات وتقاليد بالية وتجاوب بطيئ لكل ما يدور من حولهم من تطورات حديثة فكانت الاحلام الوسيلة الوحيدة للهروب من اسوار عالية من الجهل والتخلف، ضربت حول القرية وسكانها، حيث وجدت منى بهذه الاحلام اجمل أوقات حياتها، ففيها تستطيع ان تطير وتحلق عاليا وتحقق ما تريد ولطالما اصطنعت النوم كي لا تستيقظ من احلامها ففيها أطير من قفصي الأرضي، وأحلق في أجواء دنيا بعيدة “فقد كانت آفاق القرية تحد أحلامي وأفكاري”[16]، وتقاليدها القاسية تضرب أسواراً منيعة حول أفعالي، فأسير كما يشاؤون، وأفعل ما يريدون”[17].

“وتحسست ثورة عتية تجتاح كياني”[18]. فها هي تسعى جاهدة لتحقيق احلامها إلى من خيال إلى واقع حيث بدأت بالسعي جاهدة لتحقيق أحلامها وذاتها، فهي حرمت من حقوقها بالتعليم في ظل ظروف حياتية قاهرة , اتصفت بالفقر والجهل، فالعلم كان من نصيب الذكور الذين يذهبون إلى مدارسهم، في حين هو حلم بعيد للفتاة. إذ كانت الفكرة السائدة في أجواء تلك القرية “علموها بتخسروها”[19]. فها هي تتحدث عن أخيها بتحسر “لماذ سمحوا له بأن يطير هكذا؟ ومن دون سؤال”.[20]

ولطالما همست في أذنه “ليتني معك يا أخي”[21]

وكان لنظرتها الإيجابية في الحياة، ورؤيتها التحررية للذات، جعلها عنصراً مساعداً وإيجابياً في محيطها, فهاهي تساعد صديقتها مرسال بتغير نظرتها إلى الحياة، تعلمها عن الثورة، القوة، و التحررمن التقاليد وجهل المجتمع و أناسه.

“أشعر بحاجة إلى العناء والجهد لأعيد إليها حرارة الحياة مثلي”[22].

فقد كنت مجدة، مثابرة، غير مترددة، احب قراءة الكتب اعتمد على ذاتي في سبيل تحقيق حريتي ونظرتي المتفهمة لكافة الامور فقد كان حبي الكبير للعلم والمعرفة، مصدر قوتي في تحقيق أحلامي، وكسر القيود التي تكبل معصمي، “”كان الحب مصدر قوتي التي تعجبك… إنما كنا نختلف في اسلوب الحب يا مرسال، “فحبي لحريتي ووجودي وانطلاقي نحو المستقبل هو الحب الذي اسعى إليه”[23].

وكان لعائلتها المتفهمة والحانية خير دور في انطلاقتها بمفاهيمها نحو الحرية “أمي الطيبة الحلوة” والتي لاتزال تعطيني دروساًفي الحب والحياة “إنها مرصوفة طبقات طبقات لتؤلف هذا الكيان، هذه الأنا”[24]،

وأبي “نظراته القاسية، المستقرة، إلى الوجود والإنسان وإلى ابنته بنوع خاص”[25]، فهو مثقف ومتعلم “عاد إلى نظرياته وقوانينه وفلسفته في المجتمع، والتربية، وعلاقة الفتاة بالشاب ودور كل منهما بالحياة”[26]. سوية، وذلك من “خلال النماذج السلوكية التي تقدمها لأفرادها، فأنماط السلوك والتفاعلات التي تدور داخل الأسرة هي النماذج التي تؤثر سلبا أو إيجابا في تربية أبنائها”[27].

ولم تتوقف الشخصيات من إثراء الرواية مفاهيم، وأبعاداً جديدة، فهي تنقلنا عبر الزمن الى أيام عاشها المجتمع اللبناني تحت وطأة الجهل والتخلف، ف لمريم قصة جديدة من القصص التي عايشها سكان القرية ,وتسلوّا بها لعدة اشهر “فواز يحب مريم…”[28]، “مريم بتحبو… حب؟… كلب متل هاد بيعرف يحب كل عمروا عايش بالزقاقات … كيف بيسترجي يرفع بيرفع بصروا لوجه مريم ؟ “[29]. إذ عاش فواز متشرداً فقد كانت الوحدة التي عايشها مريرة وقاسية, وأمام رفض الاهل لوجوده في حياة ابنتهم، كانت رصاصة واحدة كافية لتستقر في جسد مريم، “ماتت مريم، قتلها فواز”[30]. كما قتلتها من قبله عادات بالية. كلمات قليلة كانت الخاتمة لحكاية حب جميلة وبريئة .

ولم تنسى منى الحديث عن “نجلا” تلك الجميلة التي تفتح الحب البريء الطاهر، في صدرها، كما تتفتح البراعم على الغصون الخضراء، حيث اختار كمال صديق أخيها ليشاركها، قصة حب، مفعمة بالحب والشقاء. كيف لا وهي لاتستطيع البوج به، “فقد أوقعها القدر في براثنه، في أ بغض المحرمات في مفهوم القرية. كيف يتحمل أهلها الفضيحة ,  ” ابنتهم تحب شاباً من غير مذهبها”[31]. فنجلا الضعيفة, الخاضعة, تحت السلطة الأبوية والدينية لن تستطيع أن تقاوم او تتمرد أو حتى تتحرك، حيث رأت نفسها تستسلم بلا إرادة، و كأنها ريشة في وسط عاصفة هوجاء. فها هو مصيرها يحاك على يدي أمها ,وأم سليم ,و اللواتي قررن تزويجها من سليم، على الرغم من عدة محاولات  بائسة منها, فالسبب في رفض الحبيب لم يكن منطقياً, “كان أفكاراً جامدة , متحدرة , بقايا الأجيال الماضية “[32] ,” بقدر تحول أخوها المحب , ذو النظرات الحانية , إلى إنسان آخر في نظراته قسوة أجيال بعيدة ” [33] ،سوف تنسحب كالطيف من درب حبيبها إرضاءاً للجميع إلا ذاتها و كيانها , حتى أمها ” ثارت ممزقة ًثيابها نابشةً شعرها حتى تملك الفتاة رعب قاتل… مرددة كما تشاؤون يا أمي. ما تعودت أن أخرج على خاطركم”[34].

وكان لموت الجدة الكثير من الحزن، الذي لف كياني، فمع غيابها غاب الحب الدافئ، والحنان الذي ارتفع مع طائر وحيد، لتحط معه على شراع ابيض يعبر الآفاق البعيدة.

“حيث اندحرت الحياة، وبسط الموت أجنحته القوية”. [35]

فها هي مريم تموت، والجدة تموت، ويخيم الحزن على أجواء القرية، حيث كانت نعيمة الندابة” تنقل عينيها ببراعة وخبرة، بين النساء، تنتقي منهن العاطفيات وتندب موتاهن، فتقضي بذلك على رتابة الجو”[36].

هذه اللوحة مازالت تعيش وبكل تفاصيلها، في كيان منى “حتى الساعة تعود أصداء النوح تزمجر في أذني، مخترقة جدران الصمت  الزمني الرهيب”[37]. وزاد الحزن على مرسال بهجر الحبيب الديار حيث كان صوته يتلكأ: “مرسال، إن حدود القرية تضغط على أعصابي، تكاد تقتلني… أوصيك بالشجاعة. إن الحياة تدعوك لتتقدمي، وتغرفي من كنوزها الكبيرة”[38].

وكانت صفة التعاون والحب تسود أجواء القرية فهم كأسرة كبيرة تتعاون، تحب، تكره، دائماً معا في الأجواء. أما منى فكانت تحلق عالياً “إلى عالم خلقته، وبيدي بنيت جدرانه، وأقمت فيه جنة سعادتي”[39]، “حيث عيناي شاردتان  إلى آفاق بعيدة عن حدود القرية”[40].

غادر الشبان القرية بحثاً عن مستقبل، عاشت الفتيات احلامًا وردية، فمنهن العاشقة، والمنتظرة، والمستسلمة، لمصيرها، والأمهات الحانيات، المجدات بأعمالهن داخل البيت وخارجه، اما الرجال فكانو يعملون بجد مع الأرض التي يسقونها حبًا وعطاء حتى وكأنهم يصلون شرايينهم بعروق تربتها الخيرة. لقد كان حب الارض عندهم فطرياً قوياً، صامداً في وجه العواصف وهاهو أبو راجي يعتبر هجرة ابنه نوعًا من الخيانة لأرض طالما أحبته وأسعدته بخيراتها، لكنه ومع الكثيرين من جيله، تجرأوا على قطع حبال الوصل, ومارسوا التحلق عالياً ولربما الكاتبة ارادت أن تطرح مشكلة الهجرة أمام المجتمع، علها تكون اللبنة الأولى نحو تطوير المجتمع الذي مازال يعيش في غياهب الجهل والظلمات. فالإنسان يعيش مغلوباً على أمره في صراع الحياة، ضمن الإطار الضيق بين ذرات التراب المحترق، يدفعه ضيق العيش ليشق سبله إلى العلياء.

وهذا ما شعرت به منى، عندما قررت ترك الضيعة والإنتقال إلى المدينة، التي طالما حلمت بها، فها هي تصفها بعد أن عايشتها عن قرب مطلقة عليها صفات لطالما صدمت فيها , “بدت المدينة كالحوت الجائع، يفتح فمه ويغلقه، وبين الفتح و الإغلاق، يدخل الناس ويخرجون، وقد علت وجوههم أمارات الذعر”[41].

“وكنت ألمح من حين لأخر أشلاء بقاياهم وقد غارت تحت قناع كثيف…”[42].

“الوحدة تنهش قلبي… شرعت الباب وخرجت إلى العاصفة… أجل يا أبي كنت أبحث عن الغد”[43].

يظهر لنا واضحاً وجهة نظرها للمدينة بعد أن وطئتها قدماها. فقد كانت حلماً للتحرر من قرية تهالكت، من رضوخها لعادات وتقاليد بالية، حيث العلاقات الإجتماعية، والتناقضات التصادمية، والممارسات التعسفية، بحق المرأة وحقوقها وتوقها للحرية، جعل المدينة وحياتها، تزحف إلى أعماقها شيئاً فشيئاً، حتى باتت تسلبها كل ذاتها وكيانها، ها هي وحيدة تلمح الخوف والمجهول وسط مدينة كبيرة، طوقتها بأسوار الأسى، والنقمة.

ماذا حدث؟ أليست هذه هي الحياة التي تشدوها، ام أن الحنين إلى الأهل الارض بات تلاحقها أينما حلت.

لقد ظهرت المدينة بوجه غير الذي كانت تحلم به، “الوحدة تنهش قلبي”[44].

“اللحظات تموت في المدينة”[45].

لقد اصبحت المدينة بالنسبة إلى منى كالحجرة المظلمة، وهي كالنقطة السوداء الضائعة.

وكان العلم هو الدافع الوحيد، للهروب من القرية،” أجل يا أبي , كنت أبحث عن الغد , بحثت عنه دائماً , بقلق, وحيرة , وكان ذلك دافعي لأخرج إلى العاصفة   , لعلها ترفعني في ذروة عنفها , وتحلق بي إلى البعيد ” [46] ومع كل ما اغترفته من علم، ونجاحات متتالية إلا أنها مازالت تود، ان تنام بين ذراعيين حانيين عليها,و لو أنها تعود إلى لحظة من لحظات الطفولة لتستشعر الدفء والإستكانة في حضن أمها ، أو أن  تسير فوق التراب الدافئ في حقل يجاور بيتها , إنه الشوق أو الحنين الذي يرافق كل من ابتعد عن الأرض والأحبة ,

“فسرعان ما أصبح الكتاب رفيقاً خاملاً، مات الإشراق في عيني”[47]. حتى أن الغد كان كسحابة تائهة في سماء حياتها.

“وبت كرة طائرة بين مدينة تمسخني، وقرية تنكرني”[48].

فبعدها عن قريتها وناسها، جعل منها أسمًا منسيًّا، من سجلات قرية بعيدة وادعة، كحذفها لكثير من أسماء أناس غادروها، متناسيين أمًّا ثكلى اغدقت عليهم الكثير والكثير ليحيوا، كمرسال وراجي وكمال وسواهم.

هذه هي البيوت التي عاشت في قلب منى، وتغذت في أضلعها.

 

ثمة تبادلية تحكم إيقاع الرواية، تتمظهر في ثنائيات لاحقة، الرجل والمرأة، الموت والحياة، الحب والكراهية، القرية في مقابل المدينة، اندحار الحياة ليبسط الموت أجنحته القوية. هي رواية الشرق حينما يستسلم للعاطفة ويدور في محرابها ناسياً كيانه ومنطقه وتفكيره.

وهذا ما يجعلها تنطوي وفق تلك المقتربات على استعادة لحظات هاربة وتسجيل ذكريات وصور حلوة، لكأنها تستبطن سرداً ذاتياً مقنعاً، فمنى «الساردة» هي إملي: «أنا منى في هذه القصة ولدت وعشت صباي في قرية صغيرة، تنفست حياة القرية نسمة، نسمة،»  ثمة ما يماهي بين اللعبة الروائية، والجهر بشهادة على زمن ما، منى الباحثة عن الغد تستظهر دفاع الأنثى عن ذاتها، هل هي لغة الضعف؟! لتتوق إلى الحرية وتتحسّس وجودها المستقل إلى الانفلات مع ذاتها المنفصلة عن الجميع، ولتدفع الصراع إلى ذروته «المدينة تمسخني والقرية تنكرني»  فالغد أكبر من الحاضر والحلم أعظم من الواقع، ولهذا تمتلك طيور أيلول حساسيتها وخصوصيتها، ليس لجهة الأسلوب واللغة والرهان على جماليات المكان «القرية» فحسب، وإنما لجهة نزوعها الرومانسي، وأبعاد واقعيتها الفنية، وأمثولتها لمشهد عربي معاصر، وإثارتها لقضية الحدود التي يمكن أن تقوم بين فن الرواية وفن السيرة أو المذكرات، ومدى ما يستفيده الروائي – الروائية من استعارة الأحداث الواقعية وحياة بشر حقيقيين. في محراب النقد.

 

3: الزمان والمكان في”طيور أيلول” :

 

 

المقدمة :

  إنّ الرواية غالبا ما ُتعنى بتحديد زمن متنها, سواء أكان ذلك تصريحا أم تلميحا, بغرض تأطير أحداثها من جهة, والإيهام بواقعيتها من جهة ثانية, وإحداث أثر نفسي وجمالي ولا سيّما في الروايات التي يشكّل فيها الزمن وانعكاساته وإحالاته الاجتماعية والسياسية ثيمة رئيسة.
ويمكن تصنيف رواية ” طيور إيلول ”  ودراستها زمنيّاً تبعا لنسقها الزمني الصاعد, أو نسقها الزمني المتقطّع, أو نسقها الزمني الهابط

ـ النسق الزمني الصّاعد:
حيث يعرض لنا هذا النسق بداية زمن الحكاية, ثم تتتابع الأحداث فيه تتابعا زمنيا (كرونولوجياً) كما تتتابع الجمل على الورق,

أما النسق الزمني المتقطّع:
يهتم بعرض فترة ما من زمن الحكاية الراهن, ثم تتوالى الأحداث فيه متقطّعة بتقطّع أزمنتها عبر سيرها الهابط من الحاضر إلى الماضي, أو الصاعد من الحاضر إلى المستقبل. ونجد أمثلته حاضرة في طيور إيلول

ويتم تخطيب هذا الزمن عبر تقنية الاسترجاع في المقام الأول, التي تقوم على التذكّر والتداعيات و الانتقال من اللحظة الراهنة إلى الماضي. وتسهم هذه التقنية في إضاءة الشخصيّة من الداخل وملء الفجوات التي تثريها وتعمّق دلالتها, كما تشدّ الانتباه وتكسر رتابة السرد.
فيما يبدو الاسترجاع تقنية أثيرة لدى الراوي في استعادة صور الماضي سواء أكانت ذكريات, أم أحداثا, أم شخصيات .

إن ذكر سنوات بعينها لم يأت اعتباطا, إنما جاء ليشير إلى مفصليتها وأهميتها في حياة الراوي, وحياة مجتمعه وجيله. وهي سنوات ارتبطت بالهزائم والخيبات والأحلام أيضا. وهذا ما يجعل من زمن الرواية زمنا دراميا يخفي في طياته أشكالا متعدّدة من الصراع في الداخل والخارج , تنعكس على أبطال الرواية عبر مواجهتهم لأنفسهم وشروط حياتهم القاسية في مجتمع متحوّل تتناهبه آمال ومصالح وتيارات عدّة.
ووجود الإنسان في المكان لطالما  أدى إلى تعضيد العلاقة بينهما، تلك العلاقة التي أخذت في التنامي ,”أي العلاقات المكانية المختلفة كعلاقة الجزء بالكل، وعلاقات الإندماج والانفصال والاتصال، التي تعطينا الشكل الثابت للمكان، الذي لا يتغير بتغير المسافات والمساحات والأحجام“[49].

الزمان والمكان في طيور إيلول :

هذه الرواية، و إلى جانب روعة صورها الفنية، و ثراءها التعبيري, والبلاغي والتصويري, واللغوي، هي  تمثل و في إحدى جوانبها دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية، فهي تمسّ وببراعة عالم النفس الإنسانية بكل طموحاتها المؤجلة والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة أملي، هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية:

“في تلك الصبيحة الهادئة لبثت في فراشي “[50]

“كنت اصطنع النوم كيلا توقظني أمي من أحلامي، هذه اللحظات المختصرة هي أسعد أوقات نهاري، ففيها أطير من قفصي الأرضي، وأحلق في أجواء دنيا بعيدة… . . كانت آفاق القرية تحد من أحلامي وأفكاري”[51]

لماذا سمحوا لأخي بأن يطير”[52]

” لماذا أبقى أنا بين هذه الجدران الضيقة؟ أدوس أحلامي…” [53]

تعرض لنا إميلي مشهداً كاملاً بين الزمان والمكان، مع صورة واضحة لما يجول في أغوار النفس البشرية. حيث تهدف في ذلك إلى تهدئة الحركة السردية الصاخبة في النص.

و”التخفيف من حدة الأحداث القهرية من خلال بث صورة بصرية تتسم بالرومانيسية… . ما إن تقع العين عليها حتى تستشعر الهدوء والسكينة”[54]

وما استخدامها للطير إلا دلالة بالسعي نحو الحرية، والتحليق عالياً بعيداً عن  القيود. حيث استطاعت البطله الإنتقال عبر الأحلام إلى أماكن تبغيها الذات، فبالأحلام لا وجود للمستحيلات.

فالطيران نحو مكان بعيد صعب المنال , هو دليل على اللا محدودية للمكان التي تسعى إليها، حيث تتحرك كيفما تشاء من دون الإصطدام بحواجز وعقبات , ناتجة من الوسط الخارجي، التي من الصعب على الفرد أن يقهرها في العالم الواقعي.

وما قولها ” أطير من قفصي الأرضي ” [55] إلا ثورة عميقة تجتاحها بكل كيانها. فحركة الطير، تصور لنا البعد المسافي للمكان، اتساعاً، وارتفاعاً، وتحليقاً، وما التحليق إلا رمز الحرية، والأنا الأعلى بما تنضوي عليه من مثالية , وأهداف نبيلة، حيث السفر إلى السماء مقر الآلهة.

تدور أحداث هذه الرواية في قرية من قرى لبنان الجنوبية، والتي هي صورة حية، ومطابقة لأغلب القرى الفقيرة الموجودة في لبنان. التي عانت، ولا تزال تعاني من القيود الإجتماعية , والجهل , والحروب المتتالية، وآثارها الواضحة على الفرد والمكان.

“تتطلع صوب الكروم”[56]

“علقت عيناها بالدوالي المجاورة”[57]

“وتابعت العبث بالعناقيد الدانية… وارتفعت حرارة الشمس تصلي وجودي وتزيد تشبثي بالتربة الحارة “[58] نلاحظ دلالة الصورة المستوحاة من المكان, فالسياق المكاني والوصفي له الدور الكبير في تحليل لشخصية البطلة. فالكلمات “تتطلع، علقت، تابعت…” تدلنا على مدى الإرتباط الوثيق بين البطلة والأرض الخيرة  على الزمن المستمر المتتابع منذ وجود الشمس التي تزيد التشبث بالأرض من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل.

ولكن “يبقى طعم الهجر على ألسنة السكان “[59] ,  وأرادت الكاتبة أن توضح بكلمة يبقى أن الهجرة عن هذه القرية الوادعة مازالت قائمة منذ القدم حتى اللحظة التي ستستمر أيضاً صوب المستقبل حيث ” يصبون النقمة على القرية الصغيرة الوادعة”[60].

فالأزمان في هذه القرية رتيبة غير مجدية,  والأماكن ثابتة غير متحركة، هذه العبارات وضعتنا أمام الحدث المراد إعلانه ألا وهو رغم حب الأرض والتعلق بها مازال الإنسان يبحث عن المستقبل، والسير نحو الأمام. والهجرة صوب الأفضل.

وفي عبارة ” صفقت قدماي فوق أرصفة الإسفلت المائع، في شوارع المدينة، يزداد قرع الطبول في أذني… طبول غربتي الدائمة… وأمضي في ترنحي، أبحث عن وجه من الماضي، يشق سبيله في أمواج الوجوه المتدفقة بين المساكن الكبيرة الضيقة، حيث تصغر الأحجام البشرية”[61].

إن عبارة طبول غربتي الدائمة هي استمرار الزمن من الماضي إلى الحاضر والمستقبل. وما الطبول إلا رمز الثورة الدائمة. ثورة على مجتمع تعايشه, مليئ منذ الماضي بعادات بالية تحد من طموح الأفراد, فتقيد حركتهم ,ووجودهم,حتى وكلامهم فالأشياء لا تزال كما هي فالقرية ” لا تحفل كثيراً بمرور الأيام. إن الزمن ينزلق على صخورها الصلدة…”[62].

ومع هذا الحنين إلى الماضي كان يلازم مريم، ربما تبحث عن بساطة العيش والطيبة في وجوه أفرادها, هذا الحنين جعلها تعيد زمن الماضي بالحاضر المعاش، علها تحظى لو بقليل من الإطمئنان والراحة ” بقيت أقود خطاي نحو تلك النيران، أكومها بيدي، أحترق بألسنتها، على صور وجه أليف ينير عالمي الموحش”[63].

وتظهر لنا الصورة الفنية بوصفنا متلقيين حدود الرؤيا للمكان بعناصرها الفيزيائية، إلى المشاركة الوجدانية، وهو ما يؤكد لنا “أن الصورة الفنية لا تثير في ذهن المتلقي صوراً بصرية فحسب، بل تثير صوراً لها صلة بكل الإحساسات الممكنة التي يتكون منها نسيج الإدراك الإنساني ذاته”[64].

وهنا تكمن عبقرية اللغة الروائية، حيث تعطينا أبعاداً حسية في اللا وعي عند الأفراد ” كنا نعيش الحياة كلها، بكل وجه من وجوهها، وكانت المشاركة أبرز تلك الوجوه”[65]، ” إن حزني يتكاثف ويرغي كلما انطلق الناس في عقال الصمت، يرنمون أناشيد الحياة، ويهللون متجاهلين الزمان المتربص بهم…”[66]. كانت مريم تقف خلف النافذة، تسمع وقع خطاه فأطلت تبحث عن مصدر الصوت. فانقض عليها بقبلة نارية من فوهة مسدسه… بقيت الجثة وقتاً طويلاً ممددة في الزقاق الضيق تستحم بالدماء الحارة”[67]. وهنا يظهر التناقض بين الصفات لإبراز مدى فداحة الموقف. قبلة | مسدس قاتل، تستحم | الدماء، حب |جثة، فاطلت | فانقض. فمريم العاشقة تطل من النافذ والتي ترمز إالى الخرية في الأفق البعيد، لكنها تلقت رصاصة غادرة من الحبيب الذي طالما اعتقدت أنه مصدر الحياة والحب والحرية. وهاهي تموت بالزقاق الضيق، الذي بشير إلى الموت والغموض والعدم وهذه جميعا دلالات على تجسيد الرؤيا للرواية وبالتالي توقف الزمن والوصول إلى الفناء. ولدى توقف الزمان والمكان في الرواية نجد أن الأشخاص يقومون بالدور عينه وذلك عن طريق وصول الذات إلى النهاية. فالزمان والمكان والشخصية، تعمل باجتماعها على تكوين الصورة.

ذلك أن البيئة تحتوي الإنسان بكل تفاصيله، فهو يدخل معها في علاقة متينة ,وعند قراءة الحدث تكون الصورة الحقيقية لما أراد الراوي أن تنعكس في أذهاننا. “جمدت مكاني، جمدت أناملي فوق القميص الدافئ ولبثت أحدق إلى وجهه وقد تكون وجودي في عينيه”[68]. “بقي هو جامداً في الزاوية، ونظراته تخرق ظهري وعنقي”[69].

وللحرب والوضع الإجتماعي الدور الكبير في توجيه أشخاص هذه الرواية فهم يبحثون عن حياة أفضل، في مكان آخر مع كل المساوئ التي يخلفها لدى أفراد العائلة جميعًا ” أنا مسافر يا مرسال، إن هجري سيحطم قلب أبي، ولكن الواجب ينسينا العاطفة”[70]

“طويلة كانت أيام غربتنا”[71]

لقد أدخلت اميلي صفة الطول على اليوم وهو صفة دلالية على الحنين والشوق إلى الجذور فهي تتكلم على الطول مجازياً نفسياً وليس واقعياً فالزمن يسير بالغربة بشكل بطيء. بينما يكون طبيعياً أومسرعاً حسب الصورة، والحالة النفسية المراد نقلها إلى المتلقي.

“بدت المدينة كالحوت الجائع، يفتح فمه ويغلقه، وبين الفتح و الإغلاق، يدخل الناس ويخرجون، وقد علت وجوههم أمارات الذعر”[72]

هنا يظهر لدينا أن الزمن يمشي بتراتبية, منذ الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، ضمن مكان واحد وهو المدينة. التي حملت صفة الحوت الجائع.

 

فالأزمان في هذه القرية رتيبة غير مجدية , والأماكن ثابتة غير متحركة، هذه العبارات وضعتنا أمام الحدث المراد إعلانه, ألا وهو رغم حب الأرض , والتعلق بها ,مازال الإنسان يبحث عن المستقبل، والسير نحو الأمام. والهجرة صوب الأفضل.

 

“كنت أبحث عن المستقبل”[73] بحثت عنه دائماً بقلق وحيرة، وكان ذلك دافعي لأخرج إلى العاصفة، لعلها ترفعني في ذروة عنفها، وتحلق بي إلى البعيد”[74]

” ورفعت ساعدي في محاولة للطيران”[75]

” وراحت الألوان تنعكس على صفحتها في تجدد مستمر” [76]

فحنان تبحث دائماً عن مكان مفتوح حاملة معها دلالة الحرية، والتي هي المحور الأساسي في الرواية، فهي تبحث عن المستقبل والحياة المليئة بالشغف والتطور. وبحديث الكاتبة عن الألوان وفي غير مرة ما هي إلا دلالة على البحث الدائم عن الطمأنينة والحياة في المستقبل المجهول لأن الزمن الحاضر والماضي بات واضحاً أمامها فهو وليد الحروب والجهل والتشرذم.

فهي تحب الحياة لذلك ستبقى دائمة البحث عنها الآن وغدا. وهي كناية عن الإستمرارية.

” أحب أن أعيش يا أمي”[77]

هربت من البيت… كنت أقوم بالمحاولة الأولى للإستقلال” [78]

” أن أغلق باب الدار خلفي” [79]

يظهر لنا واضحاً أن المكان يعكس الأحاسيس للشخصية بل إنه أكثر من ذلك فمن الممكن “أن يقوم بدور الشخصية ذاتها، وذلك باعتباره تصويراً لغوياً يشكل معادلاً حسياً ومعنوياً للمجال الشعوري الذهني للشخصية”[80].

كما يمكن أن “يمثل المكان رمزاً من رموز الإنتماء بالنسبة إلى الشخصية لاسيما إذا كان هذا المكان أليفاً في علاقته بالشخصية بحيث يحقق لديها إحساساً بالغربة، بل ينمي الإحساس بالإمتلاك”[81].

وننتقل إلى اللعب بالأزمنة وفق حاجات الكاتبة لنقل الصورة المرادة للمتلقي وبشكل فني سلس،

” كانت القرية كم تركتها” [82]

وجوههم أكدت لي الرفض أكثر من القبول” [83]

هذه البيوت عاشت في قلبي، تغذت من أضلعي، نحّتها من المرمر والرخام، وها أنا أراها غبراء ودكناء، ترتدي ثوباً من الغبار والدهان، وقد طليت جدران بعضها بالزبل والسواد”[84]، حيث يتعانق الزمان والمكان فتارة يتوقف الزمان عند ” القرية ” لكنه يستمر بالمسير في ” اضلعي ” ضمن فترة زمنية واحدة

” وهرعت إلى السيارة… أهرب، وأعود…”[85]

” وبت كرة طائرة بين مدينة تمسخني وقرية تنكرني…”[86]

” وبطلة خائرة في حلبة الصراع” [87]

عمدت نصرالله التلاعب بالأزمنة والأمكنة، مرمر ورخام | غبراء دكناء، هرعت | واعود، فالحالة النفسية للأشخاص تنعكس من خلال نظرتها للامكنة التي تغيرت بتوقف الزمن عندها فالعلاقة الثلاثية بين الزمان والمكان يتغير تبعاً للحالة النفسية والإيدولوجية ” فضلاً عن أن الدلالات النابعة من هذه الفروق يمكن أن تعبر عن رؤية شخوص الرواية للعالم وموقفهم منه، كما وقد تكشف الوضع النفسي للشخوص وحياتهم اللا شعورية، بحيث يصير للمكان بعد نفسي يسبر اغوار النفس البشرية عاكساً ما يثيره المكان من انفعال سلبي أو إيجابي في نفس الحال فيه”[88].

 

4: الخاتمة :

فقد عملت اميلي نصرالله على نقل صور واضحة عن المرأة التقليدية، والتي هي صور نمطية ينظر إليها كما هي تنظر إلى نفسها بإنها غير مجدية وغير مهمة في مسيرة الحياة البشرية، إنها ضحية لمجتمع وتقاليد يعيش واقعًا من الإختناق الفكري والإجتماعي والذي لابد من أن يتحرر ككل وأن يقف أفراده جميعهم في وجه السلبية التي اتسمت فيها مجتمعاتنا العربية.

” ولا ريب في أنّ تقييم مستوى نجاح الأديبة في إيصال المفاهيم التي تؤمن بها إلى قلب الرأي العام, عبر تقييم مستوى دقتها  في توظيف المفردات والرموز ، وكذلك  عبر أسلوبها المميّز في تبيين الموضوعات، بهدف الخروج بفهم مشترك أكثر وضوحاً وانسجاماً ” [89],  وبديهي أنّ مثل هذا الفهم لا يتيسّر إلاّ من خلال تبيين معاني المصطلحات الخاصة بالموضوع، وضمن

هذا السياق ,  و قد كان  الطابع العام لهذه الأعمال هو القدرة الفائقة للكاتبة على معالجة موضوعات المرأة , وسبر أعماق عالمها الخاص .

فقد شنت الروائية أميلي نصرالله الهجوم العنيف في أغلب أعمالها، عبر استعراضها لمظاهر التسلّط الذي تفرضه بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، وبأسلوب أدبي شيّق تستثير مشاعر الغضب المكنونة في أعماق القارئ ضدّ تلك التقاليد، كما تشير اميلي نصر الله إلى ذلك ‘إذ تطرّقت في بعض أعمالها إلى موضوع الحرب الداخلية اللبنانية وما خلّفته من مآسٍ، إذ حاولت تصوير مشاهد الصراع والعنف التي انتهت إلى حالة النزاع الاجتماعي والاقتتال الداخلي، لتعبّر بذلك عن أجلى صورها المتمثّلة في رمزية التسلّط والقهر التي ميّزت الرجل في لبنان عبر التاريخ الطويل لهذا البلد.

فهذه الدراسة طمحت إلى الكشف عن ملامح الكتابة النسائية , وتتبع مسارها , وإبراز علاماتها , واستخلاص خصوصيتها , والكشف عن دلالات ملامحها , سيما و أنها تعكس رؤى أصحابها , فهي تضع البطلة كدليل قوي لطبيعة الحياة الإجتماعية , والهموم الواقعة التي تحاصرها كإمرأة , كاشفة عن عدة صور عبر تنوع الإشكاليات , والصور التي عايشتها , وعملت الكاتبة جاهدة لبث روح الأمل عبر تفاعل الشخصيات مع الأحداث وعناصر الرواية .

وذلك كله ضمن لغة فيها الكثير من الحيوية , والجمال , بعيداً عن الرتابة , حيث قدمت همومها عبر لغة الواقع مرتبطة ومتغلغلة في الواقع الإجتماعي , والسياسي , والذاتي . والخوض في الكثير من القضايا متناولة همومها , وفقرها , وغربتها , ووطنها , وتمردها ,  وثورتها, وجسدها .

وبالتالي لا بد للشمس من أن تشرق من جديد ,حاملة في ثناياها الكثير من المعرفة ,والإختبارات الحياتية الجديدة ,والرائعة, والعمل على تطوير الذات ,والقدرات وتحسين شروط الحياة , لنخرج من سجون الماضي , معانقين الحياة والأمل .

 

المصادر والمراجع :

  • : إميلي نصر الله :طيور إيلول ,دار نوفل , الطبعة الرابعة عشرة ,2012,بيروت.
  • : بثينة شعبان , 100 عام في الرواية النسوية , دار الآداب .
  • : بدري عثمان:بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ,ط1,بيروت ,دار الحداثة و الطباعة والنشر 1998.
  • : جان نعوم انطونيوس , صورة المومس في الأدب العربي , دار المنهل اللبناني, بيروت .
  • : جابرعصفور , الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، القاهرة، دار المعارف،
  • : حسن بحراوي ، ـ بنية الشكل الروائى، المركز الثقافى العربى، بيروت، الدار البيضاء، 1990.
  • : حميد لحمداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط. 3، 2000.
  • : الرشدي، فن القصة القصيرة: 97؛ عبدالسلام ، فاتح، الحوارالقصصي تقنياته وعلاقاته السردية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1999م .

9: صالح محمد أبوجادو,2002,سيكولوجيةالتنشئةالاجتماعية0عمان دار الميسرة للنشر والتوزيع .

10: صبحي البستاني ، الأدب اللبناني الحي، بيروت، دارالنهار للنشر، 1988

11 فيصل دراج ، نظرية الرواية العربية، بيروت المركز الثقافي العربي،الطبعة الثانية،2002م.

12 : محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، ط. 1، 1982.

13:   مصطفى   الضبع  ، استراتيجية المكان , القاهرة , الهيئة العامه لقصور الثقافة , اكتوبر1998.

14: يمنى طريف الخولي.  إشكالية الزمان في الفلسفة والعلم، ” ألف ” مجلة البلاغة المقارنة، القاهرة، الجامعة الأمريكية، ع9، 1989م .

 

المصادر المترجمة :

1: يوري لوتمان :مشكلة المكان الفني ,ترجمة سيزا قاسم دراز “ألف” مجلة البلاغة المقارنة, القاهرة ,الجامعة الأميركية .

المصادر الأجنبية :

: Hamon Philippe « pour un statut sémiologique du personnage poétique du récit EDT Seuil 1977 .

[1] : البستاني، الأدب اللبناني الحي:ص 86-87.

[2]: الرشدي، فن القصة القصيرة: 97؛ عبدالسلام ، فاتح، الحوارالقصصي تقنياته وعلاقاته السردية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1999م: 14،68-69؛ درّاج، فيصل، نظرية الرواية العربية، بيروت المركز الثقافي العربي،الطبعة الثانية،2002م: 68-72.

[3] : جان نعوم انطونيوس , صورة المومس في الأدب العربي , دار المنهل اللبناني .  ص132.

[4]    : محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، ط. 1، 1982.  ص. 571

5:  Hamon (Philippe) ,pour un statut sémiologique du personnageص125

6: م,س,ص161-162

حميد لحمداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط. 3، 2000., ص45

[7] : حميد لحمداني، بنية النص السردي، من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط. 3، 2000., ص45

2:حسن بحراوي، م , س ، ص. 211

3 :حميد لحمداني، م , س ، ص: 23 .  24

4: يعد ” فلادميربروب” أحد أعلام الاتجاه الجديد في النقد الأدبي

[11] : Hamon Philippe « pour un statut sémiologique du personnage poétique du récit EDT Seuil 1977 p142-143

[12] : بثينة شعبان , 100 عام في الرواية النسوية , دار الآداب , ص141.

[13] :اميلي نصر الله , طيور أيلول , نوفل , بيروت , الطبعة 14 , ص 11

[14] : م, ن , ص 14

[15] : م, ن , ص15

[16] : م, ن , ص 17

[17]: م  , ن , ص ، 17

[18]  : م , ن , ص17

[19]: م, ن , ص 19

[20]  : م, ن , ص17

[21]  : م, ن , ص 20

[22] : اميلي نصر الله م, س , ص 22

[23] :م, ن , ص24

:[24] م, ن  : ص29

[25] م , ن , ص27:

[26] م, ن , ص  27

[27] صالح محمد أبوجادو,2002,سيكولوجيةالتنشئةالاجتماعية0عمان دار الميسرة للنشر والتوزيع,ص:0217

[28]:اميلي نصر الله , م, س , ص 32

[29] : م, ن , ص 33

[30] :اميلي نصر الله , , م, س , ص37

[31] : م, ن , ص, 130

[32] : م, ن, ص 131

[33] م, ن , ص131

[34] : م, ن , ص, 135

[35] : م, ن ,ص 39

[36] :اميلي نصر الله , , م, س , ص 42

[37]  : م, ن , ص 43

[38] : م, ن , ص45

[39] : م, ن , ص 45

[40] : م, ن  , ص56

[41] :اميلي نصر الله , م, س , ص83

[42] : م, ن , ص 84

[43] : م, ن , ص 85

[44] : م, ن ص 84

[45] : م, ن , ص 84

[46] : م, ن , ص 85

[47] : اميلي نصر الله , , م, س , ص 204

[48] : م, ن , ص 204

[49] )  يمنى طريف الخولي.  إشكالية الزمان في الفلسفة والعلم، ” ألف ” مجلة البلاغة المقارنة، القاهرة، الجامعة الأمريكية، ع9، 1989م، ص13.

[50] -إميلي نصر الله :طيور إيلول ,دار نوفل , الطبعة الرابعة عشرة ,2012,بيروت,ص17.

[51] -إميلي نصر الله :م,س, ص17.

[52]:م  ,س ,ص17.

[53]  : م,س , ص18.

[54] : -مصطفى الضبع :م,س, ص119.

[55] -إميلي نصر الله: م,س,ص17.

[56] -م, ن ,ص20.

[57] -إميلي نصرالله:م,ن ,  ص21.

[58] -م,ن   , ص 24.

[59] -: اميلي نصر الله , م, س ,ص9.

[60] : م,ن ,  ص10.

[61] : م,ن ,  ص25.

[62] -م, ن , ص25

63: 5- م,ن ص25.

64  : جابر عصفور:م,س,ص314.

65:اميلي نصر الله : م ,س  ,ص32.

66: : م ,ن ,ص36.

 

67:م, ن, ص

 

[68] اميلي نصر الله:م,س,ص44.

[69]  :م,ن ,ص45

[70] : -م,ن   , ص45.

[71]   :م,ن  , ص82

[72] : -م,ن:ص83.

[73]  : م,ن ,  :ص85.

74  : م  ,ن ,  ص85.

75: م ,ن   , ص140.

76 : م ,ن  , ص140.

77 اميلي نصر الله , م,س:ص136.

78: -م,ن:137.

79: -م,ن:137.

80: -بدري عثمان:بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ,ط1,بيروت ,دار الحداثة ااطباعة والنشر والنشر 1998,ص132

81  : -يوري لوتمان :مشكلة المكان الفني ,ترجمة سيزا قاسم دراز “ألف” مجلة البلاغة المقارنة, القاهرة ,الجامعة الأميركية ,1986,ص81-82.

 

[82] -اميلي نصر الله :م,س,ص203.

[83]-م,ن , ص203.

84- اميلي نصر الله ,م,س:ص203.

85  : م ,ن  , ص204.

86: م , ن  , ص204.

87: م,ن ,  ص204.

88: مصطفى الضبع:م,  س,  ص109.

[89] :البستاني، صبحي، الأدب اللبناني الحي، بيروت، دارالنهار للنشر، 1988 ص 38 .

شاهد أيضاً

الدكتورة هبة العوطة: دراسة حول رواية “والهة على درب زينب”

دراسة حول رواية “والهة على درب زينب” الدكتورة هبة العوطة* بسم الله الرحمن الرحيم ،والحمدُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *