الرئيسية / أبحاث / أين أنا من الشعر المقاوم ؟ ( شهادة وقصائد)

أين أنا من الشعر المقاوم ؟ ( شهادة وقصائد)

الشاعر محمد شمس الدين

أين أنا من الشعر المقاوم ؟
( شهادة وقصائد)
د. محمد علي شمس الدين
(1)
روح الشعر كروح الموسيقى قابلة للانتقال من مكان لآخر ومن زمان لآخر . والشعر طاقة إبداعية خاصة باللغة وهو كالدين جرح قديم من جروح الغيب .
أهمية الشعر هو أنه يخاطب الوعي واللاوعي البشريين ، وهو قادر بهذه الصفة الناعمة على مخاطبة ما هو لنا في الآخر . ذلك أنه ليس في العالم خصومة صافية ومفروزة بالسنتيمتر . في قلب كل قاتل شيء من القتيل وفي داخل كل ضد ضده . أهميّة الشاعر هي في أنه ، في صراع الهويات والأضداد ، أو بين الإنساني والمتوحش، أو على الثروة أو في الصراع على المعنى … والأرض والدين ..ألخ ، يستطيع أن يحتلّ الشعرُ الآخر (الخصم) من داخله ، من حيث لا يدري هذا الخصم . أعطي مثالين سريعين على ذلك : في ذروة الصراع بين الجمهورية الإسلامية في إيران بعد اندلاع الثورة وأميركا، كان كثير من طلاب الجامعات الأميركية ، ومن الهبيين الداعين للعودة للطبيعة، يتداولون فيما بينهم في بطاقات الأعياد ومناسبات الحب ، مقاطع من غزليات حافظ الشيرازي وأشعار الحب التي تركها جلال الدين الرومي .
ونحن في لبنان ، في أوج الخصومة بيننا كمقاومة وبين أميركا والصهيونية والغرب الملحق بهما .. كانت تقرأ قصائد جبران خليل جبران في كتابه ”النبي“ في المحافل والكنائس الأميركية وكان تمثاله النصفي يحتل مكاناً في حديقة البيت الأبيض .
(2)
في هذا المفهوم للشعر المحكوم بأساليبه الجمالية واللغوية ، ومن أيام الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته التي يقول فيها : ألا هبي بصحنكِ فاصبحينا / ولا تدعي خمور الأندرينا .. إلى أن يقول : حديا الناس كلهمُ جميعاً / مقارعة بنيهم عن بنينا . حُدَيّا على صيغة التصغير وهي بمعنى التحدي .. إلى أيامنا هذه ، لا يخرج شعر المقاومة من أن يكون منتسباً إما
ـ للإقامة في المكان
ـ أو للإقامة في الغربة والرحيل
ـ وأرفع مستوى للشعر المقاوم هو شعر الإقامة في اللغة .
إن شعري ينتمي إلى هذه المستويات الثلاثة ، لكنه أكثر ميلاً لكي لا يكون شعراً سياسياً أو أيديولوجياً .. فأنا أقرب للشعر العرفاني مني للشعر الأدبي .

رابعاً : نوقشت في العام الماضي 2014 ومطلع العام الراهن ثلاث أطروحات دكتوراه متنوّعة في ثلاث جامعات هي على التوالي الجامعة الإسلامية في بيروت والجامعة اللبنانية (كلية الآداب) وجامعة طهران في الجمهورية الإسلامية في إيران، حول المقاومة في شعري .. مقارنة مع شعراء آخرين معاصرين : علي معلم الدامغاني (الإيراني) ومحمود درويش (الفلسطيني) وكمال خير بك (اللبناني) . وقد أشرف على إحدى هذه الأطروحات الدكتورة دلال عباس الضليعة بالعربية والفارسية . أعدت الأطروحة الطالبة ليلى حسين زرشكن عابد ، وأعدت أطروحة جامعة طهران الطالبة ليلي ركن آبادي (شقيقة سفير الجمهورية الإسلامية السابق في لبنان) وأعدّ الثالثة المقارنة مع كل من درويش وخير بك ، غسان تويني … وقد تمّ التركيز على ما تسميه الباحثة الإيرانية ”محبوبة زماني“ «أدب الحرب وشعر الدفاع المقدّس» ، وأعدّ الثالثة الموازنة مع درويش وخير بك ، غسّان التويني . إنها وجهات نظر على كل حال . في حين أرى أنّ شعري هو أقرب لمفهومي للشعر من خلال النقاط الثلاث التي أوردتها . وأنه في جوهره ليس شعراً أدبياً أو سياسياً أو أيديولوجياً أنا أقرب للشعر العرفاني مني للشعر الأدبي .
وهنا أخيراً 3 نماذج مختصرة من هذا الشعر للبيان . وهي من فترات متباعدة بما يقرب من 35 عاماً من كتابتي الشعرية .
أولاً:
مقطع من قصيدة ”أناديك يا ملكي وحبيبي“ مكتوبة في العام 1978 من ديوان ”أناديك يا ملكي وحبيبي“ وهي إلى جبران . الذي يصف في كتابه النبي ، وقوف النبي المصطفى الحبيب، على تلة مشرفة على البحر من مدينته أورفليس بانتظار سفينته الآتية من بعيد :
«كان يجالسني فوق العشب على أكتاف مدينته
ويجاذبني أطراف الحلم وأطراف العالم
ينظر آناً للبحر وآونةً ينظر في بحر كآبته / فتهاجر من جفنيه حمامة وعد بعد الطوفان / ويقول بأنّ الله تكلّم في حنجرة العصفور وحنجرة الوادي / وترنّم في حنجرة الإنسانْ / لا بأسَ قريب منك الله إذن / وصلاتُكَ أعمق من هذا البحر وأبعد من تلك الشطآن / فاغرف من نفسك حتى تعرف نفسك يا ملكي وحبيبي» .

القصيدة الثانية بعنوان ”الصخرة“ مكتوبة في العام 1978 وهي من الديوان نفسه
«في فوضى هذا العمل الخلاّب / حيث الشعر يوحّد بين الأسماءْ / يحلو أن أتقدّم للصخرة / أسألُها : هل أنتِ أنا ؟… / أتخيّل أن الصخرة واقفة / في أسفل جفن الطفل الباكي / في مجرى الدمع / فأحرّكها … أتخيّل أن الصخرة وقت أعمى ينهض فوق الأشياءْ
في فوضى هذا العمل الخلاّبْ / في اليوم السادس بعد الطوفانْ / فوق حطام النورس والإنسانْ / أشرب نخبك أيتها الصخرة » .

القصيدة الثالثة وهي أخيرة بعنوان ”القبلة“ مكتوبة في العام 2013 من ديوان ”النازلون على الريح“ 2014
«كان أبي يعبث أحياناً بالكلمات فيسألني مثلاً عن معنى القبلة كيف تكونْ ؟ فأقول له : القبلة سرّ معقود بين الشفتين وجسر لا يعبره إلاّ الغاوونْ / يعجب من نزقي ويعدّل من جلسته ويقول : أنت أضعت الفكرة يا ولدي ونسيت العبرة / فالقبلة حيث توجه وجهك نحو الله / كانت ما بين اثنين يضمّهما شعف الحب وما زالت حتى لو ذهبت نحو جهاتٍ أخرى / قلت إذن : أنت تصلّي / حين تصلّي / بين المابين / بين القبلة والقبلة / قال نعم واعلمْ وتعلّمْ أنّ القبلة أجمل ما في المعبود / سيّانِ أكنتَ القاصد فيها أم كنت المقصود» .

من الكلمات التي ألقيت في المؤتمر السنوي لأدب المقاومة ومواجهة التطبيع

2/5/2015

شاهد أيضاً

مؤتمر المحقق الكركي 9 تموز 2023

شارك الملتقى الثقافي الجامعي بشخص رئيسه البروفيسور علي زيتون وعدد من الأعضاء في المؤتمر الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *