الرئيسية / أبحاث / المرأة في أدب درويش المقاوم 1982

المرأة في أدب درويش المقاوم 1982

المرأة في أدب درويش المقاوم 1982

  الأستاذة سامية سلوم

كانت مرحلة اجتياح بيروت من أهم المراحل في تاريخ القضية الفلسطينية، على أرض لبنان خاصّة، غيّرت تاريخ المنطقة وأبرزت اصطفافات الناس الأخيرة بين مؤيّد للعدو ومؤيّد لمقاومته، في آواخر مشاهد للعنف الجماعي قبل هزيمة الفلسطينيين أمام العدو الإسرائيلي وخروجهم من بيروت…

وكان محمود درويش من أهمّ الشعراء الناطقين باسم المقاومة، وقد ارتبط اسمه بتأريخ مسيرة المقاومة على مسافة تزيد على أربعة عقود، فكيف انعكس حدث الاجتياح في أدب درويش 1982، وهو من كتب “ذاكرة للنسيان” على أنها سيرة الحصار في يومٍ طويل من شهر آب، وكتب “مديح الظل العالي” قصيدة تسجيليّة لأحداث الحصار وتداعياتها… وقد بدت في نصوص درويش مواقفه من قضايا الحياة الاجتماعية منها قضية المرأة، وهل كان موقفه دليل عافية أم دليل مرضٍ في الفكر المقاوم؟ وهل كان طرحه ثوريّاً، في عمقه، أو تقليديّاً على أنّه مشروع ثورة؟ ومن الجماعة التي يخدمها أو يمثّلها خطاب درويش في أدب الحصار؟ فذات الخطاب لا تستطيع بناء موقف نقدي ذاتي, إلاَّ عن طريق التفكير قي مصالح جماعة, ويقول بيير زيما إنّ “ذات الخطاب ليست هي الشخص الكاتب / المتكلم, إنما هي المجرى الخطابي, الذي يبين نفسه بخطابية متنامية”([1])

سنحاول في بحثنا تسليط الضوء على صور المرأة من خلال مقاربة صورها مع صور تقابلها ورموز أخرى في النصّ الدرويشي توضح أبعادها ما أمكننا ذلك… وسنرى ذلك من خلال عرض موجز لإطار الصراعات القائمة لإبراز موقف درويش من قضايا الحياة المندرجة ضمن هذه الإطارات، مستفيضين بقضية المرأة كما برزت في أدبه في الاجتياح، وخاصة في “ذاكرة للنسيان”، وقد نظرنا في وضع المرأة لأن المقاومة لها مشروعها الحياتي الاجتماعي الذي تطرحه في قيمها، ويُعَدّ بديلاً للسائد…

شهدت مرحلة الثمانينات الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي وسيادة قيم كلّ منهما. وقد كان درويش اللسان الناطق باسم المقاومة الفلسطينية يتبنّى قيم الاشتراكية في الظاهر، فهو ينتمي إلى محور المقاومة المدعوم من الاتحاد السوفييتي في مواجهة إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يرفع شعارات باسم المظلومين المنسيين([2])، فهل كان يتبنّى عكس هذه الشعارات، فهو لا ينتمي إلى هؤلاء المظلومين الذين يعيشون في المخيم، وهو في النص، لا يعيش مع هؤلاء المنسيين، وليس فقط، مكتبه مطل على صخرة الروشة([3])، بل كان يعيش، في بيروت، في شقته المطلة على البحر أيضاً([4]) ويتنقّل بين باريس ولندن([5])، وكان مقرباً من القائد([6])، ولم يكن مشاركاً فعلياً في القتال أو المساعدات للمقاتلين أو لسكان المخيم الذين يصرخ باسمهم ليذكّر العالم بهم لأنهم منسيون([7])، ولم يكن لشعره النضالي قيمة في وقته لتشجيع المقاتلين والناس على الصمود، بل كان سلبياً يكتب صمته، ينتقد الشعراء الذين يرون لهم دوراً في المعركة([8])، فكان شاهداً وصّافاً. وبالنسبة إلى قضية المرأة، سوف نرى معاً، هل كان درويش فعلياً ينتقد صورة المرأة الحاملة قيم الرأسماليّة في جعل المرأة سلعة من سلع الرأسمالية القائمة على السوق والتسليع من الربح والدجل… أو كان يتبنّى قيماً ثوريّة تليق بمقاومةٍ أن تحملها وتواجه بها عدوّها؟ سنرى ذلك في شيء من التفصيل…

بداية لا بدّ لنا من وضع الصور في إطارها العام المندرج تحت عنواني “ذاكرة للنسيان” و”مديح الظل العالي”([9]):

–        ذاكرة للنسيان وانتصار الهزيمة:

 

–         ذاكرة للنسيان بين الموت والموت:

 ترمز الذاكرة إلى الحياة بينما يرمز نقيضها النسيان إلى الموت؛ وبديهيّ أنّه عندما تبدأ الذاكرة ينتهي النسيان، كما أنّه عندما يبدأ النسيان تنتهي الذاكرة، لأنهما نقيضان عدوّان يلغي أحدهما الآخر… وإذا كان الواقع يدوّنه الموت، فإنّ الخواطر الشعريّة تمثّل حياةً تدوّن ذاكرتها البديلة عن الذاكرة التي تصنعها القوة… لكنّهما في قد انصهرا عند الشاعر فصارت الذاكرة ذاكرة للنسيان انعكاساً لعالمٍ تحكمه الحرب…

وقد تمثّلت مواجهة النسيان/ الموت بأشكال عدّة، غير مجدية، من محاولات دعم الذاكرة التي تحفظها الحياة، بالولادات أداة للحياة في الاستمرار، وبالحروب وما ينتج عنها أداة للموت من أجل السيطرة والبقاء (“… قلاع وحصون هي محاولات لحماية اسم لا يثق بخلوده من النسيان. حجارة مضادة للنسيان، حروب عكس النسيان. لا أحد يريد أن يَنْسى. وبشكل أدق: لا أحد يريد أن يُنْسى. وبشكل سلمي: ينجبون الأطفال ليحملوا أسماءهم، ليحملوا عنهم عبء الاسم أو مجده. إنه تاريخ طويل من عملية البحث عن توقيع على زمان أو مكان، ومن حلِّ عقدة الاسم في مواجهة قوافل النسيان الطويلة”)([10])

وإذا كان النسيان مرتبطاً بالموت فإنّ الذاكرة مرتبطة، هنا بالحرب، أي بالموت أي بالنسيان، تلك الذاكرة جعلت من هيروشيما رمزاً للوضع الفلسطيني، حيث بقي اسم هيروشيما حيّاً دون جسد المدينة الذي أخذه الموت، وكان يكفي أن يبكي الطيار الذي أمات المدينة حتى تستمر الحياة بشكل عاديّ([11])

وقد ارتبط النسيان أيضاً أو تمثّل بالحلم بالخروج من الواقع نحو الآتي (“ونسيتك. وقبل قليل تذكرت. تذكرت أني نسيتُكِ. كنتُ أحلم”([12])، “… لا ذكرى لا حلم”([13])، “حديقة للماضي وحديقة للحلم”([14]).

وهكذا ارتبط كلّ من الذاكرة والنسيان بالموت، ليوازي المعطى الشعريّ المعطى الحياتيّ في جوّ اليأس الذي عاشه الشاعر في بيروت، والذي أدى في نهاية الحصار إلى تصفية آخر أمل للمقاومة بالمواجهة المسلّحة؛ وانتهى الموضوع بخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. والشاعر إذ يكتب ذاكرة للنسيان فإنه يذكر مواقف حياتيّة متعددة من موضوع الحرب وطرائق التفكير والعيش في مواجهة الموت الهاجم، ويعرض مواجهته الفاشلة للحرب بالحبّ الذي لا يفضي إلى نهاية مرجوّة، بل يبقى في إطار الحلم ويستيقظ منه لينهيه بسبب الواقع، لينتصر الموت على الحياة في كافة الصور المأخوذة من الحدث ومعالجته، وهزيمة المقاومة، أمام عدوّها، حتميّة وفي كل الحالات([15])

 و”ذاكرة للنسيان” سيرةُ يوم من أيام آب في بيروت([16])، وهذا اليوم لا يمثّل فقط الحصار، بل يمثّل ثلاثة عشر عاماً، ويلتقي مع الحدث الإجرامي الشهير حيث أحرق يهودي إرهابي أسترالي المسجد الأقصى في آب 1969 الذي هدفه هدم المسجد الممثل لحضارة الآخر، وبناء هيكل سليمان ممثّلاً لحضارة اليهود الأصوليين في فلسطين([17])، ويختصر هذا اليوم مسيرة القضية الفلسطينية وطرق مواجهة الموت والنسيان، سواء عن طريق المواجهة المسلّحة غير المتأثرة بالأحداث والانكسارات، أو مسيرة منظمة التحرير بقيادة عرفات منذ 1969، في التعامل مع الآخر العدو بتواصل هدفه الوصول إلى حلّ، والوصول في الحالين إلى الهزيمة المحققة.

 فكيف بدت حالة العدو في إلغائه الآخر؟ وكيف كانت المواجهة عند كلّ من الفريقين الذين اختارا طريقين مختلفين؟

 

-صورة العدو الإلغائية:

يبني درويش نصّه في مكان هو بيروت ومن زمان هو يوم من شهر آب تحديداً، ذلك الشهر الذي يحتفل به اليهود، منطلقين من الخرافة في تدمير المسجد لإعادة بناء هيكل سليمان، وهم يبكون على حائط المبكى([18])، وحاكِمُهم الذي يمثّلهم في إبادة من يقاومه وتغييبه ليشترط حضوره هو (“لا يستطيع أن يصدق أن البشر هم الذين يحولون دون تحول الخرافة إلى محكمة مطلقة لمحاكمة كل القيم وكل البشر، في كل زمان وفي كل مكان، محكمة مطلقة وأبدية. لذلك أحال طبيعة من يقاومه إلى طبيعة غير بشرية، إلى طبيعة حيوانية، بعدما أغلقت عليه خرافته جميع منافذ سؤال ممكن: من الحيوان؟ لقد انقضت على حلمه، وعلى حلم يقظته، أشباح من أبادهم في دير ياسين، وغيّبهم عن المكان والزمان، غيّبهم ليشترط حضوره، في المكان والزمان، بذلك الغياب”)([19]). ولكن الاستعانة بفصول التوراة لا تجديه أمام واقع المقاتلين الذين باتوا أشباحاً “تحاصره في بيروت وقد استعادت لحمها وعظمها وروحها استعادة بطولية. عاد الشبح من الضحية إلى البطل. وبين الشبح والبطل حُوصر نبي الكذب بهوس أقعده عن الاستعانة بفصول من التوراة كانت قادرة على أن تكتب، وحدها، تاريخ البشر. “([20])

وهنا جدير بالذكر ما ورد من تقديس للإجرام في ثقافة بيغن، وأنّ التقديس المتوارث ثقافياً يدعمه في الحاضر ما يتمّ اختياره من أعمالٍ تحمل ثقافة الموت وتكرّسها في الذاكرة…

فقد قدّس بيغن وجماعته أعمالهم العنفيّة استناداً إلى أنّ الرب قد أعطى شعبه المدينة وأمرهم بالأعمال الإجرامية في حق كل من يخالفهم، حتى ذبح الطفل والشيخ والبقر والغنم والحمير. وحتى حرق المدينة بما فيها وتبقى الزانية راحاب ومن معها لأنها خبأت الجاسوسين اليهوديين([21]). ولا تنظر قداسة اليهود إلى راحاب على أنّها زانية تخالف الوصايا العشر، بل على العكس، فقد غُفرت خطاياها وبقيت حتى الآن هي وذووها في حماية اليهود بعدما خانت وطنها خيانة عظمى، مهّدت لإحراقه، من أجلهم، فهم الأساس، ولا أوطان سواهم، وهم للذاكرة والحياة في مقابل التضحية للموت والنسيان بسواهم ليأخذوا مكانه على الأرض وفي التاريخ…

ويتابع الشاعر مع التاريخ اليهودي ليوضح الصورة الإلغائية للآخر في ثقافة اليهود، هذه الصورة ترسّخ دخول الآخر في عالم النسيان وتكريس الذات بديلاً حضاريّاً مقدّساً بقوّة الاعتقاد بالخرافة وبقوّة السلاح المميت… وإنّ بيغن الخارج من التوراة قد احتفظ منها، في ذاكرته، بما يتوافق مع مصالحه وأطماعه، ونسي الأعمال الحضارية المهمة في عهد الملك سليمان، العهد الذهبي في التاريخ اليهودي العابر على أرض فلسطين، وبيغن يحمل من ثقافته، فقط، ما ارتبط بالموت، وهو “لا يعيش في زماننا، ولا يتكلم لغتنا. إنه شبح قادم من عهد الملك سليمان، وهو “يتقمص سليمان، يتخلى عن مزايا سليمان، عن حكمته وأناشيده ومصادره الثقافية، ولا يأخذ منه غير العصر الذهبي المرفوع على دبابة. لا يتعلم منه عبرة سقوط المملكة حيث ازداد الفقراء فقراً. وازداد الأغنياء غنى. لا يعنيه منه غير البحث عن ملك صور لتوقيع معاهدة سلام. “([22])

وبيغن يعيش الحاضر ليسكب فيه الماضي الممثل للموت، ويلغي ثقافة الحياة فيه لصالح تحقيق أحلام الماضي اللاغية للحكمة والأناشيد في مقدّساتها والمكرّسة لسلطة الموت، على أنّها هي أحلام الحاضر فيتساءل (بيغن) “أين ملك صور؟ أين ملك الأشرفية؟ بيغن يُجمّد التاريخ عند هذه اللحظة ولا يصل إلى نهاية الهيكل الذي لم يبق منه سوى حائط للدموع، حائط لا يدل علم التنقيب عن الآثار على أنه أحد أبنية سليمان”([23])

وفي المقابل حين ينفي الشاعر علاقته بالماضي لصالح حاضره الملغى ويتساءل (“ولكن، ما لنا ولتاريخ ما خرج من التاريخ؟”)([24]) يثبت جمود الزمن عند خرافةٍ تستعيد ذاتها من خلال عنف الحاضر، “فكُل شيء بقي على حاله في وعي ملك الخرافة.. ومنذ ذلك الوقت لم يفعل التاريخ شيئاً في فلسطين، وعلى شواطىء البحر المتوسط الشرقية غير انتظار ملك الخرافة الجديد: مناحيم ابن سارة ابن بيغن الذي سيحمي الهيكل الثالث من الغضب الداخلي ومن الغضب الخارجي، بالتحالف مع ملك الأشرفية بشير، ابن بيير، ابن جميل…”([25])

–         صور مواجهة الفلسطيني للإلغاء:

تعددت صور الفلسطينيين المواجهين لإلغائهم ونسيانهم وموتهم، وقد مثّلتها الجماعة المدنية بالمواجهة بالولادات الزائدة ولو دون هوية([26])، ومثّلها المقاتلون بالمواجهة المسلّحة رغم كل الظروف([27]). ومثّل البطل “كمال” المدني الفلسطيني المقاوم الآخر، غير ابن منظمة التحرير، وكان رمز من تابع نضاله نحو هدفه الحلم. وهو الذي بقي في السابعة والعشرين يحلم بحيفا الحمامة، وذهب إليها مستشهداً فكان كأنّه حالمٌ “قد استطاع أن يصحو في اللحظة المناسبة، وأن يُسجِّل حلمه كاملاً على ورقة”([28])… “وكمال ينطوي على سرِّه، يلتف بذكريات صارت أحلاماً”([29])، وحقق حلمه دون دخوله في فترة الثلاثة عشر عاماً ما قبل الأربعين. ومثّل محمود رمزاً مدنياً في مسيرة المنظمة، يتعامل مع العدو المدنيّ متمثّلاً بفتاة يهوديّة، يجمعهما حلم وحبّ، ولا يثمر هذا الحبّ ولا يُفضي إلاّ إلى مواجهة الحرب بلذة الجنس من السر إلى العلن دون التفكير بالارتباط، بل تصل الأمور إلى طريق مسدود بسبب الأحداث وفرضها البعد واستحالة الاستمرار في علاقة حبّ، ولو كان الحبيبان يحاولان صياغة ذاكرة هاربة ومواجهة لذاكرة الموت موجودة في الحلم الموازي لنسيان ما يجري… ؛ ذلك حين يذكر أنّ الحبيبين التقيا منذ ثلاثة عشر عاماً، وهي ليلة واحدة([30]) وهذه الليلة نقلته من عمر السابعة والعشرين وحتى الأربعين الذي سمّاه وما بعده عمر اليأس([31])، وهو يحلم في عمر اليأس، ولا يحقق حلمه.

فالفارق بين محمود (في النص) وبين كمال هو الفارق بين رمز الفلسطيني ابن منظمة التحرير الذي حاول مقاربة الحدث بما تفرضه معطيات الواقع، ولم يصل إلى نتيجة إيجابية، من خلال مواجهته للعدو في سلسلة من الانهيارات أوصلته إلى اليأس، ورمز الفلسطيني الذي اختار نسيان كل الأحداث وتذكر أنّ حيفا هي هدفه ومات مقتولاً بهدفه ولم يعش اليأس.

وكل المواجهات كانت مفضية إلى الموت، فالموت منتصرٌ على الحياة في بنية نص ذاكرة للنسيان.

والآن نرى كيف بدت صورة المرأة في مواجهات الحرب في ذاكرة للنسيان:

–         صورة المرأة في ذاكرة للنسيان:

إذا كان العنف الحاكم للعدو قد خرج من كتب التاريخ ومن سفر يشوع وكرّس حاضر الموت، فإنّ الشاعر يتبنّى الحب الذي يحلم به هو وحبيبته اليهوديّة الخارجة من كتب الحكمة وتحديداً من سفر “نشيد الأناشيد”، ليواجه حرب التوراة بسلام التوراة وحاضر الموت الحربي بحاضر الحب المسالم الجامع بين الشاعر (في النص) والفتاة اليهودية.

لعلّ الصورة الأبرز للمرأة، في أدب درويش 1982، هي صورة الفتاة اليهوديّة/الإسرائيليّة، وهي الصورة الأوسع انتشاراً والأكثر تعقيداً من الصور الأخرى للمرأة في في كلا عمليه الأدبيين “ذاكرة للنسيان” و”مديح الظلّ العالي”، تلك المرأة من خواطره الشعرية، وهي تمثّل رمزاً للعلاقة البديلة للعداوة… يبدو فيها الشاعر مواجهاً العامّ بالشخصيّ، والحرب بالحبّ، الذكرى الحربية بالحلم، ويرى في الحلم حياةً (“ما دمت أحلم فأنا حيّ، لأنّ الموتى لا يحلمون”)([32])، وانطلاقاً من الحلم يبني علاقته بالفتاة اليهودية وغيرها من الشخصيات، كما سنرى، ويفتتح النص بالحلم ويختتمه به أيضاً، في شبه تكرار للمشهد. ويأخذ الحبّ رمزاً من التوراة، من سفر نشيد الأناشيد، فتخرج فتاته من التراث الديني الحيّ في الذاكرة، ويعيشان معاً في حاضرٍ يحكمه الموت ويصوغ ذاكرة أخرى (“أتذكر من هيروشيما المحاولة الأميركية لدفع هيروشيما إلى نسيان اسمها… قلت: وفي وسعي أن أحبّ امرأة من سدوم، لأحبّ، أو لألعب. في وسعي أن أحبّ جسداً يقتلني حُرّاسه خلف النافذة. قالت: لا أفهم. قلت: هي خواطر شعرية…”)([33])… والحبّ يجمع الشاعر الذكر الفلسطيني ومعشوقته الأنثى الإسرائيليّة في أصعب الأوقات، حيث يتقاتل الطرفان (“وكلانا يقتل الآخر تحت النافذة”([34]) وكلانا يقتل الآخر خلف النافذة…([35]))… فكيف تدرّجت علاقة الحب نحو النهاية؟ وكيف بدت صورة المرأة فيها؟

يبدأ درويش نص “ذاكرة للنسيان” بمشهد مستوحى من الحاضر الحربي ومن سفر “نشيد الأناشيد”، ففي أناشيد سليمان ورد أنّ الحبيبة كانت نائمة في الليل حين أتى الحبيب وأيقظها فأنّت له أحشاؤها([36]) وفي منام محمود الحاضر، في أثناء الحرب يتابع المشهد بمنام يخرج من منام يتابع المشهد التراثي من أحشاء الحبيبة “من المنام يخرج منامٌ آخر: هل أنتَ في خير، أعني هل أنتَ حيّ؟.

-كيف عرفتِ أنني كنتُ أضع الآن رأسي على ركبتيك وأنام؟.

-لأنكَ أيقظتني حين تحرّكْت في بطني. أدركتُ أني تابوتك.

-هل أنتَ حيّ؟ هل تسمعني جيداً؟”([37])

وقد ورد في سفر نشيد الأناشيد أنّ الحبيب حين طلب من حبيبته أن تقوم كان المطر قد وقف وزال([38])، أمّا في ذاكرة للنسيان فقد ارتبط اللقاء بالمطر في بداياته في الماضي، وبالمطر الحربي في الحاضر (“-هل التقينا كثيراً؟

-مرتين: مرة تحت المطر، ومرةً تحت المطر، وفي المرة الثالثة لم نلتقِ. سافرت. ونسيتكِ. وقبل قليل تذكرت. تذكرت أني نسيتُكِ. كنتُ أحلم.

-وهذا ما يحدث لي… “([39])

وبقي التعامل مع الفتاة على أنها الطالعة من التوراة (“مَن هذِه الطَّالِعَةُ مِنَ البَرِّيَّة كأَعمِدَةٍ مِن دُخانً مُعَطَّرٍ بِالمُرِّ والبَخور وبِجَميعِ مَساحيقِ التَّاجر؟ 7 هوَذا سَريرُ سُلَيمان حَولَه سِتُّونَ جباراً مِن جبابرة إِسْرائيل. 8 كلّهم قابِضونَ سيوفاً ومُتعلّمونَ الحَرْب. كلٌّ رجلٍ سَيفُه على فَخِذِه من هول اللَّيلِ”)([40]) وحبها يواجه الحرب، في تفاصيل اليوميات العادية، وصارت خاضعة للتساؤل عن جدوى حبها في إيقاف العنف (“… جالسا في ركن قصيّ، قصيّ عن الآخرين وعن نفسي، أفكر فيما يرد علي من منام يخرج من منام:هل أنت حي؟

متى حدث ذلك؟ هل تحميني الذاكرة من هذا التهديد؟

هل تستطيع سوسنة الماضي أن تكسر هذا السيف المرصع بالقذائف؟ ولماذا هي… لماذا هي؟ لماذا طلعت السوسنة من نشيد الأناشيد([41]) وقد أوقِفَتِ الشمسُ والقمر على أسوار أريحا ليمتد زمن القتل؟”)([42])

وورد في نشيد الأناشيد وصف جسد الحبيبة بحذائها، من قدميها صعوداً نحو الثديين (“ما أَجمَل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم! دوائر فخذيكِ مثل الحلي صُنعة يَدي صناع. سُرتكِ كأسٌ مُدَوَّرَة لا يَعوزها شراب ممزوج. بَطنُكِ صبرةُ حِنطَةٍ مسيجة بالسّوسَن، ثَدْياكِ كخشفتي توأمي ظبية، عنقك كبرج من عاج”)([43])

وتحوّل وصف الكعب في “ذاكرة للنسيان” إلى مشهد من أطول مشاهد النص الوصفية، يقتصر الحب فيه على العنف في الحب الغريزي وحبّ الجسد الأنثوي وجماله في مواجهة العنف الواقع([44]).

وهذا الحب الجسدي كان ممزوجاً بالخوف، وكانت المواجهة لعواء الحديد بالسخرية منه بعواء الجسد (“ما أجمل أن نتغلب على الحرب فينا بهذا الخوف الذي يوحد الجسدين. وما أجمل أن نُودِّع أيامنا على انتفاح وردة عرق وتشهق وتتمزق من احتكاك الندى والملح، تحت قصف جوي وبري وبحري نسوس فيه مسار اللذة المستقيم صعوداً، ساخرين من عواء الحديد بعواء اللحم، والدم والعصب المشدود”)([45]).

ويمكن اختصار الحب بين محمود وبين هذه المرأة بالجسد حصراً لأنه يقول لحبيبته “لا تسأليني إن كنت أحبك، لأنك تعرفين كم يعبدك جسدي الباحثُ عن سلامته في جسد”([46]).

وفي الحصار، في جوّ من المراقبة الإسرائيلية المبطّنة بمراقبة ذاتية خاضعة للعدو في التزام البيوت ليلاً، يعلن محمود تمرده في غيابه عن البيت من أجل محبوبته في التباس بين شعور الحب وعدمه رغم عيشه عملياً، وذلك بسبب أحداث الحرب بين الطرفين التي تؤثر على حالة الحب الذي يواجه به الحرب (“مجرد غيابي عن البيت ليلاً يساوي اعتقالاً لمدة خمس سنين على الأقل. أما إذا وقع حادث اكبر، فإنّ العقوبة هي السجن المؤبد على الأقل.

– وماذا ستقول في المحكمة؟

-سأقول: كنت هنا، أحيا نشيد الأناشيد.

-مجنون؟

-مجنون…

-ولا تحبني؟

-لا أعرف.

)وكلانا يقتل الآخر تحت النافذة… ))

ويربط محمود بين ذاكرة للنسيان وشعره بأن يوحي بأنّ علاقته بحبيبته هي حقيقية، ويخبرها عن أنها ستزور قصيدته (“لأنك لم تذهبي معي، كما ذهبت السوسنةُ الطالعة من نشيد الأناشيد، ستزورين قصيدتي يا “ج” لأنك اختفيت كما اختفت. وستخرجين من منام يخرج من منام يا “ج” كما خرجت السوسنة هذا الفجر”)([47])، وفعلاً ذكرها في قصيدة “مديح الظل العالي” (سنرى ذلك لاحقاً)

ويتساءل عن عمره الماضي، منذ ثلاث عشرة سنة، ليعرف إن كان حبه حقيقة أو أنّه قد احترق منذ المواجهة بين الهوية الحاضرة والتراث الماضي، مما أدى إلى حرق التراث وحرق الحب معه… (“وهل كنتُ حقاً في السابعة والعشرين حين احتكَّ نشيد الهوية بنشيد الأناشيد وشبَّ حريقٌ في السوسن، وسمعتُ آخر صرخات الحصان الهاوي من جبل الكرمل الى البحر الأبيض المتوسط؟”)([48])، ويصل بعد التساؤل إلى عدم جدوى هذه المواجهة من أساسها، زماناً ومكاناً وحدثاً، وإن كان قد اختارها ليكون سلام بين الطرفين المتحاربين انطلاقاً من أدبيات الآخر، فإنّ الحلم الذي اختاره نسياناً للواقع، لا يجدي في مواجهةٍ ينتصر فيها الموت في جميع المقاييس.

وبعد أن يتلو كلّ مشهد بين العاشقين لازمةٌ (“وكلانا يقتل الآخر… “) تأتي المواجهة التصعيدية بممارسة الجنس على الشرفة، وهذا هو التحدي الأكبر للحبّ في مواجهة الحرب، فيقول: “في كلّ يوم إلى أن ينتهي الحصار… أريد أن أرفع تابوتي على الشرفة، على مرأى من طائراتهم وبوارجهم ومدافعهم، على مرأى من أضواء الأشرفية.

– مجنون؟

– مجنون في الحياة.

– لا.

– على الشرفة سترفعين تابوتك الشرفة هي اعتداءُ الحياة على الموت. هي مقاومة الخوف من الحرب. لا أريد أن أخاف. لا أريد أن أخجل”([49]).

وينهي النصّ باستعادة المشهد الأول مفسّراً، حيث يوضح أنّ النوم هو المنام يخرج من منام، ويتابع أنّ الحلم هو دليل الحياة لأن الموتى لا يحلمون، وينهي علاقته بالحبيبة مع نهاية النصّ بأنّه لم يعرف إن كان أحبها أو لا، أمّا الآن فهو لا يحبّها([50]).

وتطلب الحبيبة اليهودية أن يأخذها محمود الفلسطيني إلى أستراليا بديلاً عن القدس. وحتى حبّها له لا يمكّنها من أخذه إلى القدس (“خذني إلى أستراليا- قالت- لأدرك أنه آن لنا أن نبتعد عن الفارق والحرب. خذني إلى أستراليا. لأنني كنت عاجزاً عن الوصول إلى القدس”)([51])

وترى الحبيبة اليهودية أنّ الوطن الطبيعي للعلاقة بين المتحاربين ليس في فلسطين موضع الحرب، وعليهما الذهاب إن أرادا العيش معاً إلى مكان لا تاريخ لهما فيه (“خذني إلى أستراليا حيث لا أحد منا هناك، لا أنت ولا أنا… كانت تضع الحطب في الموقد. وكانت الأغنية تعيد الأغنية ذاتها: سوزان تأخذك الى النهر… “)([52])، وهو لا يستطيع أن يكون مثل كمال ويعود إلى حيفا المعشوقة الوطن، وينتهي المشهد بطلبات غير محققة للطرفين في مكان اللقاء (“- خذني إلى أستراليا.

– خذيني إلى القدس.

– لا أستطيع.

– ولا أستطيع الرجوع إلى حيفا”)([53]).

ويتابع محمود حلمه وتكتمل دائرة الحلم باستعادة المشهد الأول للحلم الذي ربّما كان اختياراً للنسيان بديلاً عن الذاكرة التي تخطّها الحرب في الواقع (“وإلى متى نواصل الذهاب نحو الأربعين؟ مصادفة… ليس أكثر من مصادفة أن يكون الخروج من الجسد خروجاً من البلد. ولم أتذكر هذه المصادفة إلاّ الآن. قطار ومطر وشجر، ومدفأة، وقدمان حافيتان بيضاوان. على جلود عشرين خروفاً مروا في نشيد الأناشيد. والمغني يغني لسوزان التي أخذته الى النهر. وهي تقول لي: خذني إلى استراليا. وأنا اقول لها: خذيني إلى القدس. لا، لم أتذكر شيئاً ولكنني كنت أحلم، فهل الحلم هو اختيار النسيان. ومن المنام يخرج منام آخر: هل أنت حيّ. يا للزمن الحيّ، يا للزمن الميت، لقد اكتملت الدائرة”)([54])

وبذلك يطرح درويش مشروعه الحلم بالتواصل المستحيل لبناء عائلة واستمرار الحياة بين الطرفين، وهما في وضع الحرب، والحلّ هو الهجرة من التاريخ. ويجسّد وجود المرأة في المشهد المأخوذ من التوراة بقدمين حافيتين بيضاوين تعيشان الحاضر على جلود الخراف المذبوحة المارّة في نشيد الأناشيد.

 واللافت في صورة المرأة الحبيبة اليهودية في مجمل النص أنّ محموداً الشاعر الفلسطيني المقاوم، في النصّ، كان إعجابه بما في جسدها من مفاتن تحرّك شهوته مع رفضه قيمها وفكرها وتاريخها وأهلها، كما اتضح من حواراتهما… وكانت ممارسة الجنس معها هي الحياة التي يعلنها في مواجهة الموت الذي تعلنه الطائرات، ومع ذلك كلّه، فالاعتراض على عنف الآخر وإلغائه هو الثابت أمّا رأي البطل بالمرأة فهو أنّها جسد وفقط جسد، وهذا هو الشرط الحب المفضي إلى الزواج، وما منع الزواج ليس الخلاف في معايير فكرية وقيمية.

وهل يكون تحويل المرأة إلى سلعة مادية للشهوة الجسدية دون أي نوع من التواصل الإنساني الآخر هو البديل الذي يطرحه الفكر المقاوم عند درويش بديلاً للعنف السائد؟ وهل كون المرأة مجرد إشباع لرغبة الرجل هو الدور المنوط بها فقط؟ وهل تتأسس العائلة في فكر درويش المقاوم على القيم الذكورية التي تجعله ينتصر على عدوّه بفحولته؟

هناك صور أخرى للمرأة في “ذاكرة للنسيان” متفرقة في النص وكلّها لا تحيد عن تسليع المرأة وانتصار القيم الرأسمالية على قيم الاشتراكية العادلة. وأبرز هذه الصور:

– الصورة الأولى صورة زوجة الشاعر، وترد في ثلاث حالات، الحالة الأولى هي صورة زوجة الشاعر الثمانيني المثقّف وهي المتعصّبة للزعيم الطائفي([55]) المحدودة الكارهة للآخر حيث “كانت في داخلها التربوي المعادي لما هو خارج طائفتها تحتفل بالخدمة المجانية التي يقدمها الإسرائيليون لبطل أحلامها الوحيد: بشير الجميل. وكانت تعتقد أن هذه الحرب هي مجرد تطوع إسرائيلي لتنظيف لبنان من الغرباء والمسلمين”([56])، وهي “المحصّنة بقناعاتها النهائية تحب المناقشات العقيمة”([57])  وكانت تحرج زوجها دائماً وهو يعتذر، وتضطهده وهو “يتقبّل اضطهاد زوجته ذات الشخصية الطاغية بابتسامة اعتذار عن ذنب لم يرتكبه… وحين كان يصرخ من الألم العصبيّ الذي يسبّبه إلحاح الطائرات المغيرة… كانت تزجره:  دعهم وشأنهم… عايزين يضربوا… وأنت مالك… عايزين يضربوا الفلسطينيين… “([58])، والزوج في المقابل رجل ذو شخصية معاكسة لشخصية الزوجة، هو “في الثمانين من العمر، وسيم، هادئ، كأنه قلب يمشي على قدمين… كان شاعرا مجددا، ولعله أوّل من كتب قصيدة النثر ثم توقف عن كتابة الشعر ليتفرغ، كلية، لمجلته الأدبية الشهرية. كان هو هيئة التحرير والإدارة والموزِّع والمصحح”([59]).

– الحالة الثانية هي صورة حبيبة الشاعر الثاني “س”، الشاعر الكردي الغريب في بيروت، وهو المشاكس الذي يحمل السلاح ولا يؤمن بجدوى القصيدة في أثناء الحرب، ويحمل مسدّسه ليلقّن العدو هزيمةً، وهو ولد المعارك الخاسرة، فهو يختلف عن الشاعر الأول، لكن أنثاه لا تختلف عن امرأة الشاعر الأول؛ فالمرأة في الحالين سلبيّة وسيّئة، وإذا كان موقف الشاعر محمود من المرأة الأولى هو المسايرة، ومحاولة كسر الموقف الحادّ بالضحك مع زوجها وممازحته لقطع تيار الحرج المكهرب ([60])، فإنّ الوضع مختلف مع امرأة الشاعر “س”، فهو لا يتحمّلها ويسمّيها لعبة الشاعر “س”العاطفية ويقول له: “اجلس معي إذا استطعت أن توقف ثرثرة السيدة، أو أرسلها إلى أيّ جحيم”([61])، ويحذّره منها ساخراً من حبه لها، فيقول: “وجد “س”” ذات الجمال المنقطع النظير” في غياب الماء واللحم والنساء. احذر يا “س” فهي من صناعة جدك دونكيشوت، من سلالة السحالي التي تظهر في القيظ والهجير، في أخاديد النفس المتشققة من العطش. وصوتها صوت النبات اليابس في برية الأطلال. لكنه قطع  شوطاً، لا تراجع عنه، في عملية الإحالة الذاتية المقطوعة عن حقيقتها، وتوغل في الملهاة، ليحقق ما ينقص الفروسية: امرأة!”([62])…

ويتابع، في صورة هذه المرأة، حين علم الشاعر “س” المسكين أمام امرأته الأقسى من الحصار أنّهم سيخرجون من بيروت “خاف، خاف إلى درجة نهر معها امرأته الثرثارة التي تعرف كل  شيء، وتمتلك جواباً لأي سؤال: اخرسي! قالها بانجليزية كُردية جعلتها تصمت لمدة عشرين ثانية كاملة، واصلت بعدها ثرثرتها. إنها راديو مفتوح لا يكترث بالمستمعين. إنها أقسى من حصار. كان يطفئ أسئلة ضياعه في وهم غرابتها. كان يستوطنها قارباً او ملجأ. كان ينتمي فيها إليها، إلى ما يُسند الغربة بالغربة، ريثما يعرف أين هو”([63]).

أمّا الحالة الثالثة لامرأة الشاعر فهي صورة امرأة الشاعر محمود الذي نجا من الارتباط بالمرأة (“… وأنا بلا زوجة وبلا ولد. فذلك يوفر على بعض الأصدقاء جهد التمثيل الطويل لدور حزين لا ينتهي إلا بحنوِّ الأرملة على المعزِّي. وذلك يوفر على الولد مذلّة الوقوف على أبواب المؤسسات ذات البيروقراطية البدوية. حسنٌ أني وحيد. . وحيد. . وحيد”)([64])

 وفي هذه الصورة تبدو المرأة الزوجة غير جديرة بأن تكون أمّاً لأنها تترك ابنها يعاني الذل، في لقمة عيشه، في سبيل غريزتها المفقودة بموت الزوج…

والصورة الثانية هي صورة المرأة بالنسبة إلى المقاتلين الأبطال الذين “يصححون، بجراحهم وطيشهم المبدع، حبر اللغة التي ساست الشرق المتوسط كلّه في اتجاه غرب لا يطلب من العبودية غير تحسين شروط التحاقها منذ حصار عكا في العصور الوسطى حتى حصار بيروت المكلّف بالانتقام من كلّ التاريخ في العصور الوسطى”([65])… هؤلاء المقاتلون مدججون في مواجهاتهم بأمور منها جهلهم الخلاق لموازين القوى ومنها مطالع أغنيات وقذائف يدوية وزجاجات جعة ساخنة وكذلك شهوات فتيات في ملجأ… وهذا هو دور المرأة الوحيد الوارد عندهم…

والصورة الثالثة للمرأة مأخوذة من الإعلام، سواء أكانت المرأة إعلامية أو يصوّرها الإعلام، فصورة المرأة الإعلامية هي صورة مذيعات مونت كارلو، ويذكرهن بالمطلق للتعميم، ويرى أنّ غنجهنّ متزايد في جو القصف والعنف في بيروت، وهنّ “الخارجات للتو من الحمّام أو غرف النوم المثيرة”([66]) وصورة المرأة في الإعلام هي صورة عهر جماعي لمن يسمّيهنّ “سيدات القرنفل”، وردت في صحف البارحة، وهنّ “يرتمين على دبابات الغزاة في الأشرفية. كان النصف الأعلى من نهودهن، والنصف السفلي من أفخاذهن عارياً من الصيف ومن المتعة، ومعداً جيداً لاستقبال المخلّصين”([67]). ومن التعميم ينتقل إلى امرأة منهن لمتابعة المشهد فرديّاً لكنه يبقى مشهد الجماعة، وهذه المرأة تحب الجندي المحتلّ لصفته لا لشخصه وتبيع نفسها للعدو (“قَبِّلني يا شلومو، قبِّلني على فمي، ما اسمك يا حبيبي لأناديك باسمك يا حبيبي، شلومو كم انتظَرَتْكَ شغافُ قلبي. أدخل، يا شلومو، أدخل رويداً رويداً أو دفعة واحدة إلى بيتي لأحسّ فيك القوة. كم أحبُّ القوة يا حبيبي. واقصفوهم يا حبيبي، واذبحوهم، واقتلوهم بكل ما فينا من انتظار. لتحمك سيدة لبنان يا سيد شلومو”([68]).  ويتحوّل اليوم إلى شهرين والمرأة تدلل العدو الفرد رغم ما فيه وجماعته من مماطلة في الوصول إلى الهدف، ورغم رائحته الكريهة وأنّه يبوّل في الشارع، وأنّه من العرب المتخلفين عن الفرنسيين، رغم كل ذلك تراه حبيباً، وتبرر له كل شيء في سبيل القضاء على الفلسطينيين ما تعدّه هدفاً شخصياً (“اقصفوهم ريثما أُعدُّ لك كأس العرق والغداء يا حبيبي. بعد كم ساعة تقضون عليهم، بعد كم ساعة؟ لقد طالت العملية، يا شلومو، طالت، فلماذا أنتم بطيئون يا حبيبي. شهران، ما بالكم لا تقدمون؟ ولكن رائحتك كريهة، يا شلومو، لا بأس. هذا من الصيف والعرق. سأغسلك بماء الفل يا حبيبي. لماذا تبوُّل في الشارع؟ هل تكلم الفرنسية؟ لا؟ أين وُلدت؟ في تعز؟ أين تعز هذه؟ في اليمن؟ لا بأس. . لا بأس. كنت أظُنّك شيئاً آخر. ما عليك يا شلومو  أُقصف من أجلي هناك. . هناك”)([69])

ولا نجد صورة إيجابية للمرأة في “ذاكرة للنسيان”، وسنرى في مديح الظل العالي كيف بدت صورة المرأة عند درويش:

مديح الظلّ وتكريس الهزيمة:

“مديح الظل العالي” هو القصيدة التسجيليّة للشاعر محمود درويش، يسجّل فيها شعريّاً ما ورد واقعيّاً في الاجتياح… ويُظهر نظرته إلى مجموعة من قضايا الحياة، في واقع الاجتياح، منها قضيّة المرأة… فكيف عالج الشاعر هذه القضية في ضوء مديحه للظلّ العالي؟ سنرى الإطار العام الذي ننظر، من خلاله، إلى الصورة، لإبرازها في محيطها.

–         مديح الظلّ ومقاومة الضحية العاجزة:

يُظهِر العنوان أنّ النصّ هو مديح لأثر لا لأصل الشيء، وإذا كان الظلّ هو العالي، فإنّ النور لا يأتي من الشمس بل من الأسفل، من الأرض، وقد ارتبطت النار بالجلاّد على طول النصّ لا بالضحيّة المقاومة، فالنار يستعملها الجلاّد ضدّ الضحيّة، والشاعر يرى ظلّ الضحيّة وليس ظلّ الجلاّد. وكأنّ تسليط الضوء على الضحيّة يكون من أسفلها، أي هي أعلى ممّن يسلّط الضوء ضدّها. ولعلّ النور تصنعه المقاومة، من نار يوقدها الفلسطينيّ على الأرض، يشعلها “سيّد الشعلة” وتفتقر إلى الانتشار، فتبقى محصورة في المكان إلاّ إذا امتدّت برمزيّتها، ويبقى لسيّدها المديح، مديحاً لأثره المجسّد في ظلّه العالي. والنار في الحال هذه هي نار شعلة الريادة؛ والشاعر يمدح ويشيد بمآثر الأرض التي تتمثّل بالمقاومة الفلسطينيّة للعدوان الإسرائيليّ، وكلّ إيجابيّ يتعلّق بالمقاومة الفلسطينيّة لهذا العدوان؛ وإذ يمدح الشاعر الفدائيين على اعتبار أنّهم الطليعة الجديدة في وجه التنين الناريّ، فهو يوحي بمواجهة تقليديّة في رؤية الوضع وتعيين الدور؛ فالوضع قائم فقط على هذه المعطيات، والدور هو فقط لمواجهة العدوان، وفي هذا التصوّر تكمن تقليديّة الشاعر في رؤية المسائل، وكأنّه يعرض مآسي الفلسطينيين وتحمّل العدو على أنّه وجود يستحقّ الدفاع عنه، دون أن يعرض مشروعاً نهضويّاً يغيّر وضع الضحيّة في طريق كرامة الإنسان وتطوّره.

وإذا تتبّعنا حضور العنوان في النصّ نجد أنّ الظلّ قد يكون جسداً لصاحبه:

 (بحر “لظلّنا“)([70])

وقد تتعدّد الظلال وتتنوّع للجسد الواحد الجماعيّ، وذلك حسب تسليط الضوء ليكون الظلّ صورة للأصل وفق ما يريد الرّائي:

(“لحمي على الحيطان لحمك، يا ابن أمي

جسد لأضراب الظلال“)([71])

وقد يدلّ على وجود صاحبه المعنويّ المتعدّد الّذي عليه سحبه عن بلاط الحاكم العربيّ الّذي يتاجر بالقضيّة الفلسطينيّة، وعلى الفلسطينيّ أن يكسره كيلا يمشي عليه أصحاب السيادة كالبساط، أو يضعون الجسد واجهة لهم ليصبحوا في ظلام الظلّ، ويغطّون أعمالهم باسم الفلسطينيّ كذلك على سبيل المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة:

(“واسحب ظلالك عن بلاط الحاكم العربي حتى لا يعلقها وساما

واكسر ظلالك كلها كيلا يمدوها بساطا أو ظلاما”)([72]).

وهناك ظلّ لبيروت التي احتضنت الفلسطينيّ في الحصار ثمّ بعد خروجه منها باتت مجرّد “ظلال امرأةٍ غريبه”([73])، فهي متعدّدة وهي الواحدة وغريبة من كلّ اتّجاهات تسليط الضوء عليها، ربّما لأنّ الفلسطينيّ غريب عنها. وبعد الحصار بحر يحتضن الفلسطينيّ بدلاً من حكم عربيّ، فيبقى الظلّ مكسوراً فوق البحر الّذي كان يحبّه الفلسطينيّون قبل تشرّدهم فيه، وإعلان كسر صورتهم في خروجهم في السفن من بيروت:

(“كم كنّا نحبّ الأزرق الكحليّ لولا ظلّنا المكسور فوق البحر”)([74]).

ويبقى ظلّ الفلسطينيّ هو المحترم الوحيد، وكلّ أسئلة الوجود وراءه مهزلة، فلا أسئلة وجود في ظلّه، وكأنّ أثره هو الأخير الفاعل، وبعده لا أحد:

 (“كلّ أسئلة الوجود وراء ظلّك مهزله”)([75]).

وهذا الظلّ على أرض ليست أرضه، فالمواجهة ليست على الأرض المتنازع عليها، ويحاول الإسرائيليّ إخراجهم منها ليرميهم في البحر، حيث لا مكان، حيث انكسر ظلّهم “فوق البحر”، في مشروع إلغاء الفلسطينيّ الذي لا يزال يطالب الإسرائيليّ بالأرض، وبعد إخراجه من الأردنّ يخرجه من لبنان، إلى حيث سفنه “الأخيرة” في البحر حيث الوجود  المعلّق الذي لا يصبح حقيقة وثابتاً إلاّ على الأرض التي يُمنع الفلسطينيّ من الوصول إليها.

وقد تتحدّد ماهيّة الظلّ بأنّه مرادف للصمت أو الصورة، فالشاعر يمدح صمت من لا يملكون القوّة مثل صبرا الّتي “لا تشتري وتبيع إلاّ صمتها”([76])، فهي تحارب بسلامها، ومثل بيروت حين قتلتها يد الغدر فخاطبها الشاعر باسم جماعته:

 (“كنّا نحبّك يا ابنتي والآن نعبد صمتك العالي”)([77]). وفي الجهة الأخرى للمديح يأتي مديح الشعراء قتل الشاعر الّذي يرتعدون من حضوره صوتاً، وصمتاً أو صورة أو صدى، ربّما لأنّه بوجوده بأيّ شكل كان يسلّط الضوء على عجزهم أمام الحدث، بدل فاعليّة قوّة الخلق عندهم، إن حكى أو حضر:

 (“يمدح الشعراء قتلي في مجالسهم، ويرتعدون حين أطلع بينهم صوتاً وظلاّ“)([78]).

وإذا كان المديح الشعريّ هو لكسب رضا أصحاب السلطة لنيل عطاياهم بذكر محاسنهم، فإنّ من الأمور التي يمدحها الشاعر بطولة قائده العسكريّ الذي يطلب مساعدة لا يحصل عليها، ولا يحمل مشروعاً نهضويّاً لتابعيه، والمطلوب من تابعيه الطاعة المقدّسة لسيّد الروح الذي غير مطلوب منه أن يغيّر حالهم المذرية، حتّى وإن كان يقدر، وفضل وجوده يكفي: (“كلّ أسئلة الوجود وراء ظلّك مهزلة.

والكون دفترك الصغير،

وأنت خالقه،

 فدوّن فيه فردوس البداية، يا أبي

أو لا تدوّن،

أنت… أنت المسألة”)([79]).

وفي هذا الطرح تقليد موازٍ لما على الساحة العربيّة من قمع للشعب ومن خضوع للسلطة في المقابل، ودون تحقيق كرامة الإنسان، وكأنّ المفاضلة هي بين الخضوع للقائد والعيش في تشرّد وقمع وفقر، وبين الخضوع للمحتلّ. لأنّ القائد يبقى رمزاً تقليديّاً للمواجهة مع أنّ النصّ بكامله يحكي عن عجزه ويندب تابعيه ويهجو من تخلّوا عنه، دون أن يقوم هو بعرض مشروع حياتيّ يستحقّ العناء.

 ولعلّ في قول الشاعر هذا النصّ المديح لبيروت بشكل رئيس، لأنّه هيّأ لها “القصيدة كلّها”([80])، ذلك كون بيروت مثّلت أرض المواجهة مع المحتلّ. وهي ليست إلاّ أرض معركة خاسرة بدأ الشاعر الحديث عنها من البحر وانتهى في البحر، حيث انتصر عليه المحتلّ وأخرجه في محاولة من محاولاته لإلغائه من أرض مقاومة. وينتقد الشاعر صمت الحكم العربي والعالميّ ويمدح بيروت في لحظة قدّمت نفسها في سبيل الفلسطينيّ واحتضنته حتّى الموت أي الصمت العالي… ، والنصّ فيه من التهكّم والإيحاء والتصريح بتقصير العرب وبتكريس صمت المقاتل الفلسطينيّ وكسر ظلّه فوق البحر، فيه ما يكفي لإعلان النصّ بكاء احتجاج قاصر عن قيادة للجماهير، فالشاعر يعلن الصمت والصورة المخالفة في ظاهرها للباطن الأصل أو الجسد يعلن ذلك ممدوحاً في وجهيه السلبيّ العربي والعالميّ، والإيجابيّ في صمت بيروت حين موتها، وفي صمت الأبرياء في صبرا، والشاعر يعلن رسالة محبّة وكأنّه يائس من الحياة ومن القيامة بعد الموت، فالشعر عاجز والكلام بكاء واللغة تموت، ورؤية الأخوة بالقلب لتشرّدهم وابتعادهم عن بعضهم في المستقبل:

 (“سأراك في قلبي وأجهش يا ابن أمي باللغة

لغة تفتش عن بنيها،

عن أراضيها وراويها

 تموت ككل من فيها،

وترمى في المعاجم”)([81]).

ويبقى هو “شاعر الشعراء ونبيّ الأنبياء”([82])، والمديح الحقيقيّ لما تنتجه يداه من تسليط للضوء بشكل يفضح الأمور ويُظهر الظلّ عالياً حين يعلن العودة إلى الذات بعد الغربة عنها، ويعلن قدسيّة جديدة وطاعة لسيّد الثورة الممدوح المقاتل الّذي يبدو ظلّه عالياً في حصار الروح، ومطلوب منه التماسك الفلسطينيّ وتوحيد الفلسطينيين بمعجزة، في مكان لايُقتلون فيه، فهو يبحث عن الأمان في خيمة أو فكرة أو سنبلة، حاضراً. ويأمل بمستقبل إيجابيّ ينطلق من معطيات الحاضر، فيطلب من الفلسطيني أن يذهب فقيراً وحافياً ومؤجّلاً، وذلك للحفاظ على الحياة دون تغيير مضمونها بطرح ثوريّ؛ وهذا ما يكرّس الوضع السيّئ للفلسطينيين في فقرهم وتشرّدهم دون مواجهة من أجل أرضهم التي خسروها، ودون طموح بدولة مستقلّة، وذلك رغم التسليم بخضوع الروح لزعيمهم لا لإنجاز قام به، بل لكونه زعيمهم.

ويمكننا القول إنّ شاعر الشعراء يسلّم بعجز الفلسطينيّ في مواجهة الوضع العربي والدوليّ، ويطلب الأمان والسلام الآن… كما هي أوضاع الفلسطينيين في المخيّمات، والحدّ الأدنى للثائر هو العيش؛ فالقصيدة تأريخ شعريّ لما حصل في زمن الحصار، يبدأ هذا التأريخ بنهاية الحصار وخروج الفلسطينيين من بيروت إلى البحر، ثمّ يستعيد أحداث الحصار، وينتهي بموقف الفلسطينيّ الحاليّ وبرؤيا المستقبل، بقلم يحاول نشر السلام بلغة المحبّة ويعلن عجز هذه اللغة عن الحلّ، ويفضح المواقف على مساحة النصّ، ويرفع من مستوى الفلسطينيّ باستحضار المسيح ممثّلاً له، وهذا ما يُظهر عقم الطرح الدينيّ في حاضر ليس فيه أمل إلاّ بمساعدة الفلسطينيّ، والمساعدة غير موجودة حاليّاً. ويواجه الشاعر واقعه الأليم، باستيعاب هذا الواقع وتوجيه المناضل الفلسطينيّ إلى أفق أوسع من حدود الحاضر وأوسع من المطالبة بأرضه؛ فيطالب بثورة لا تغيّر الوضع الشامل الّذي أدّى إلى الواقع المرّ، وتكرّس الآتي انطلاقاً من هذا الواقع، وانطلاقاً من وحدة الموقف الفلسطينيّ الخاضع لسيادة القائد على الروح؛ ذلك القائد العسكريّ العاجز عن الحلّ، والمطلوب لذاته ممدوحاً دون إنجازات.

وعلى ذلك تبدو القصيدة ليست سوى محاولة تعويض غنائيّ شعريّ عن واقع مأسويّ، والمديح بالضحيّة ويبقيها في وضعها ضحيّة.

وإذا كان المقاوم والحاكم والشاعر في وضع الضحيّة، فكيف يكون وضع المرأة عنده؟

هل ستكون هي المنقذ، أو تكون ضحيّةً أخرى، أو تكون ضحيّة الضحيّة؟

سنرى في ما يأتي كيف أظهر “مديح الظل العالي” نظرة درويش إلى المرأة في ظل الاجتياح…

–         مديح الظلّ وتكريس الواقع المذري للمرأة:

يُظهِر ديوان “مديح الظل العالي” نظرة الشاعر إلى المرأة من زاوية الشرق التقليديّة؛ أي بما تمثّله من الناحية الجنسيّة التي تفترض مجموعة من قيم منها وتهميش دور المرأة وإعطاء الدور للرجل في حماية المرأة والتركيز على ما تقتضيه الشهوة من الاغتصاب  والدفاع عن المرأة والشرف والعار والخطيئة والتوبة… فنكون أمام مجتمعٍ يمجّد الرجل، حاكماً وجنديّاً وشاعراً، ويجعله بطلاً ولو دون إنجازات بطوليّة، من جهة، ومجتمعه الرجوليّ يضع المرأة في دور المغيّب الذي يحميه الرجل، أو يستغلّه… ، من جهة أخرى؛ فالدور الفاعل سلباً وإيجاباً هو للرجل، والدور الوحيد الفاعل للمرأة هو أن تتوب، فيرى المرأة في وضع الزانية خاطئة في العلاقة الجنسيّة وعليها أن تتوب، دون ذكرٍ للرجل في هذا الموضع:

 (“… حتى تتوب المجدلية مرة أخرى،… “)([83]).

 ويربط الرجوع عن التوبة بالموت من الأرض حتّى السماء:

 (“اليوم إنجيل السواد

اليوم تابت مريمٌ عن توبة التوبات وارتفع الحداد

إلى جبين الله”)([84]).

ويربط الرجولة بالدفاع عن النساء، ويربط العار، في المقابل، بالتصفيق لاغتصاب نساء الرجال أو ما يمكن تسميته التجارة بالشرف:

(“… نصفّق لاغتصاب نسائنا في شارع الشرف التجاري”)([85]).

ويرى في شهوة الرجل وممارسة الجنس حياة دون التفكير بهويّة المرأة أو انتمائها، فهي مجرّد لذّة، قد تأخذه من واقعه في الحرب القاسية إلى مضاجعة امرأة يشتهيها ويرى فيها ملامح حياة ولو كانت من الطرف المعادي، مثل الفتاة اليهوديّة الإسرائيليّة التي يسمّيها “جيم”:

(“أهدي إلى جاري الجريدة كي يفتّش عن أقاربه.

 أعزّيه غداً. أمشي لأبحث عن كنوز الماء في قبو البناية.

أشتهي جسداً يضيء البار والغابات. يا “جيم” اقتليني

 واقتليني واقتليني! يدخل الطيران أفكاري ويقصفها. .

فيقتل تسع عشرة طفلة

يتوقف العصفور عن إنشاده. .

عاديّة ساعاتنا- عاديّة، لولا صهيل الجنس في ساقيك يا “جيم” الجنون

“جيم” اجمعيني مرّة…

 ما زلت أحيا- ألف شكر للمصادفة السعيدة”)([86]).

 ويتحدّث عن امرأة لا يعرفها، في المقابل، ويعيب عليها القرب من جنديّ محتلّ، فإذا كان الموضوع مرتبطاً بالخيانة، فهو خائن مثلها، وإذا ارتبط قوله بقيم تعيب على المرأة ما لا تعيبه على الرجل، فله أن يتغنّى ويبيح للرجل في تقليديّته ما يمنع المرأة منه، فيذكر في ليل الحرب امرأة وجنديّاً قبيح الوجه، والمرأة تطلب أن يفضّها الجنديّ لتصير أحلى، ويرى في ذلك عيباً أخلاقيّاً:

 (“قالت امرأةٌ لجنديّ قبيح الوجه:

خذني للرّكام وفضّني

لأصير. . أحلى”)([87])

 والخيانة في الحبّ هي خيانة امرأة لرجل جسديّاً، لا خيانة رجل لامرأة، فممارسة الجنس عند الرجل منفصلة عن التعلّق والحبّ المخلص، وهي من تفاصيل العيش المواجه للموت في الحرب عند الرجل مع جسد امرأة:

(“لا تنامي كلّ هذا الليل

لا تتحدّثي عمّا يدور وراء هذا الباب

لا ترمي ثيابك

لا تعرّيني تماماً

لا تقولي الحبّ

لا تعطي سوى فخذيك

لا تتأوّهي فالحرب تسمع زهرة الجسدين.

إنّي أرتديك على الشّظيّة قرب باب البيت،

 نبقى واقفين، وواقفين إلى النهاية.

واصلي سرقات هذا الشهد،

 زجّيني بشهوتك السريعة قبلما يأتي إلينا موتنا الخلفيّ،

 إنّي أوثر الموت الذي يأتي إلى كتفيّ. . نحلا!”)([88]).

ويهتمّ بقيم الذكورة التي تبيح خداع الفتيات في أقسى حالات تشرّده، فحين يتكلّم عن مأساة تشرّده وتحوّل الوطن بكامله إلى حقيبة، يخبر عن الحقيبة أنّها تحمي أساسيّات حياته الهادئة، من نوم في الليل إلى خداع الفتيات إلى دفن الأحباب إلى الرضا بالمصير والموت:

 (“وطني حقيبة

 في الليل أفرشها سريراً وأنام فيها،

أخدع الفتيات فيها

أدفن الأحباب فيها

أرتضيها لي مصيراً

وأموت فيها”)([89]).

ويرى الزواج خنقاً للرغبة:

(“من تزوّجني ضفائرها لأشنق رغبتي”)([90]).

 ومع ذلك يربط قيم الرجولة التقليديّة بتبنّي مصطلحات تعبّر عن فساد العلاقات خارج مؤسّسة الزواج، مثل “الدعارة”، “اللقيطة”:

 (“وباسمكِ كنت أرفع خيمتي للهاربين من التجارة والدعارة

والحضارة. . كم سنة”)([91])

و(“لولا هذه الدول اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى”)([92]).

 ويرى في عفّة المرأة وإخلاصها للحبيب شعراً وفي خيانتها موتاً للشعر، ويرى الشعر خارجاً عن الواقع الذي يكرّسه المجتمع:

 (“أين مات الشعر!

أين استسلمت للزوج ليلى؟”)([93]).

ويرى في خيانة المرأة موت الشاعر شخصيّاً، إذ يرى خيانة “مرأة” أحد أسباب موت خليل حاوي كونه شاعراً:

 (“وثلاثة خانوه:

تمّوزٌ

وامرأةٌ

وإيقاعٌ

فناما. . “)([94]).

وبما أنّ قصيدة الشعر مهيّأة لبيروت: (“هيّأنا لبيروت القصيدة كلّها”)([95])، فعشقُ الشاعر يبدو عذريّاً إذ يتعلّق المحبوب بمحبوبته رغم إقراره بأنّها ليست امرأته:

(“بيروت المدينة ليست امرأتي”)([96])

وبأنّها باتت غريبة: (“ظلال امرأة غريبة”)([97]).

والشاعر هو العاشق الغارق في العشق رغم جحود المعشوقة، ومع ذلك حين يخاطبها يكشف عن عذابه في البعد عنها أكثر من البعد عن نفسه:

 (“لا تسحبيني من بقاياكِ، اسحبيني من يديّ ومن هواي

ولا تلوميني، ولومي من رآني سائراً كالعنكبوت على خطاي.

هل كان من حقّي النزول من البنفسج والتوهّج في دماي؟

هل كان من حقّي عليك الموت فيكِ

لكي تصيري مريماً

وأصير ناي؟”)([98])

وما إن يُصرّح بأنّه لا يحبّها حتّى يؤكّد كم يحبّها للتعويض عن قوله، ويلومها على تركه وهو جدّ متعلّق بها:

 (“أنا لا أحبّك،

 كم أحبّك! كم أحبّك، كم سنة

أعطيتني وأخذت عمري كم سنة

وأنا أسمّيك الوداع، ولا أودّع غير نفسي. كم سنة)([99]).

هل يسمّى حبّه لبيروت اشتهاء لامرأة غيره، فهي ليست امرأته، كما يقول، أو يجعله شعراً عذريّاً يوافق التقليد الشعريّ في الحبيبة المستحيلة التي يتغنّى بها الشاعر ويمنعوه عنها رغم حقّه بحبّها؟ في الحالين لا يمثّل الشاعر خروجاً ثوريّاً، ففي الحالة الأولى هو فاسد، وفي الحالة الثانية هو غير ثائر بل مكرّس لعذاب العاشقين الذين يرفض المجتمع قرانهم، وهم ضحيّة المجتمع التي ليست الأمور في يدها، وبالتالي فإنّ الحال لا يتغيّر.

وفي حبه لبيروت امتدّت نظرته إلى المرأة لتحتوي نظرته إلى الأرض التي لا تخرج عن النظرة اللغويّة التقليديّة التي تجعلها موازية للأنثى- العرض، فهي المحبوبة التي تعد وتفي بالوعد أو تخون حين يتدخّل عوازل بين الطرفين:

 (“وعدوكِ بالآتي وحين أتاكِ واتاكِ الحنين إلى السفينةِ”)([100])

وهي المغتصبة في حال التعدّي على أصحابها من قبل الغرباء؛ وعلى ذلك يصوِّر الشاعر صبرا امرأة ضعيفة تحتاج إلى من يحميها من الرجال:

 (“صبرا فتاة نائمة”)([101])

 ويصوّر الاعتداء على الناس الآمنين في صبرا بأنّه اعتداء على قاصر والتمثيل بها وهي غير قادرة إلاّ على الخوف والنحيب والاهتمام بما تهتمّ به فتاة تريد أن تلعب ألعابها الطفوليّة وصبيّة ضعيفة لها صورة المرأة معدومة القوّة تطلب فارسها ليحميها من غدر الزمان (“صبرا- نائمة…

ودّعت فرسانها وزمانها

واستسلمت للنوم من تعب ومن عرب رموها خلفهم…

صبرا وما ينسى الجنود الراحلون من الجليل

لا تشتري وتبيع إلاّ صمتها

من أجل ورد للضفيرة

صبرا تغنّي نصفها المفقود بين البحر والحرب الأخيرة

تغطّي صدرها العاري بأغنية الوداع… “)([102])

(“تمزّق صدرها المكشوف…

تخاف الليل. تسنده لركبتها

تغطيه بكحل عيونها. تبكي لتلهيه:

 رحلوا وما قالوا

شيئاً عن العودة… “)([103]).

 وقد يرى الأرض امرأة تخصّه، كابنة مثلاً؛ وحماية الأب لابنته لا تكون برفع السلاح في مواجهة المعتدي، بل بالهرب من المكان للاختباء في مكان آخر:

 (“نامي قليلاً، يا ابنتي…

نامي قبل أن أصحو قتيلا…

 الطائرات تطير من غرفٍ مجاورةٍ إلى الحمّام، فاضطجعي

على درجات هذا السلّم الحجريّ، وانتبهي إذا اقتربت

شظاياها كثيراً منكِ وارتجفي قليلا…

كنّا نحبّك، يا ابنتي، كنّا نعدّ على أصابع كفّك اليسرى

مسيرتنا وننفضها رحيلا”)([104])

 أو الاختباء في وجود آخر:

(“… اختبئي بأغنيتي الأخيرة،

أو بطلقتي الأخيرة، يا ابنتي

وتوسّديني كنت فحماً أم نخيلا”)([105]).

ويختصر المرأة في البيت بتقليديّتها في الحفاظ على أنوثتها والتمسّك بالرجل لحمايتها والقيام بعمل البيت التقليديّ من جلي وغسيل، فيما الرجل يأمر فقط من بعيد:

 (“تفقّدي أزهار جسمك،

هل أصيبت؟

واتركي كفّي، وكأسي شاينا، ودعي الغسيلا”)([106])

 وهي المرأة التي لا تعبّر حتّى حين تغضب:

(“هل كنت غاضبة علينا، دون أن ندري. . “)([107]).

ونظرته إلى المرأة تكرّس القيم الذكوريّة ولا تثور عليها، وتبدو قيم الفحولة تحدّد نظرته إلى الواقع؛ وأيّ طرح ثوريّ في وضع المرأة المذري في قيم النصّ، وأيّة ثورة ناجحة تكرّس وضع المرأة مطلوب تبنّيها بديلاً للوضع القائم في الفكر القائم؟ إنّ الثورة التي تتطلّب وجود امرأة بالمواصفات المذكورة تطلب قبر المجتمع في تخلّفه ولا تطلب حياة بنّاءة. وفي النظرة إلى المرأة تقليد ظالم في حقّ كرامة الإنسان وفكره ذكراً وأنثى، ويجب الثورة عليه لا اعتباره ثورة مطلوباً تبنّي قِيَمِها.

وفي النهاية وإن كان يأس درويش قد انعكس على أدبه؛ والأديب اليائس لا يمكن أن يقود الجماهير نحو الأمل، فنحن هنا لا نجرّم درويش، هو شاعر وصّاف مبدع، وقد خصّ حصار بيروت بعملين أدبيين مميزين، وهو وليس قائداً، ونحن نكتفي بملاحظة المواقف فقط، ولا نتبنّاها منهجاً مقاوماً، فإنّ العدو يمكن أن يقتل أجسادنا لكنّه لن يصل إلى قتل الإنسان فينا إلاّ إن ساعدناه على ذلك. وواجبنا إعادة النظر في خلفيات التفكير الجماعي عندنا حتى ننتصر في حاضرنا على العدو وعلى ماضينا مهما كان سلبياً أو إيجابياً.

ويبقى البحث مجرد مقاربة لا تنفي مقاربات أخرى، لكنه قد يضيء شمعة في ليل المعنى الأدبي الذي يحتمل التعدد، فليت هذا البحث يحرّض على مقاربات أخرى لدراسة فكر المقاومة الجماعي من خلال درويش وغيره علّنا نصل إلى ما نبتغيه من رقيّ اجتماعي ناتج عن وعي الذات الجماعية وتطويرها.



[1] – بيير زيما، النقد الاجتماعي، ترجمة عايدة لطفي، ط1، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1991، القاهرة، باريس، ص286

[2] – “وفي أنقاض الدامور، وجد أبناء الشهداء والناجون من “تل الزعتر” ملجأ آخر في سلسلة الملاجىء المتنقلة. حملوا التعب والخيبة وما نسيت أن تقطعه السكاكين من أجسادهم وجاءوا إلى الدامور. جاءوا يبحثون للنوم عن متر مفتوح للريح والأناشيد. ولكن ما نسيت أن تفعله الخناجر البدائية فعلته الطائرات الحديثة التي لا توقف عن قصف هذا البقاء البشري. إلى أين؟ إلى أين؟ من مذبحة إلى مجزرة يُساق شعبي ويتناسل في محطات الأنقاض، ويرفع شارة النصر، ويرفع الأعراس.

أللقذيفة أحفاد؟… نحن

أللشظية أجداد؟… نحن”: محمو درويش، ذاكرة للنسيان، بيروت، دار العودة، 1983: ص81

[3] – المرجع نفسه، ص64-65

[4] – المرجع نفسه: 136

[5] -المرجع نفسه: ص85

[6] – المرجع نفسه: ص173- 174

[7] – “… فلماذا يطالب هؤلاء الذين ألقت بهم أمواج النسيان على ساحل بيروت أن يشذوا عن قاعدة الطبيعة البشرية؟ لِمَ يُطالبون بهذا القدر من النسيان؟ ومن هو القادر على تركيب ذاكرة جديدة لهم لا محتوى لها غير ظلٍ مكسور لحياة بعيدة في وعاء من صفيح صارخ؟ أهناك ما يكفي من النسيان كي ينسوا؟ ومن سيساعدهم على النسيان في هذا القهر الذي لا يتوقف عن تذكيرهم باغترابهم عن المكان والمجتمع؟ من يرضى بهم مواطنين؟ من يحميهم من سياط الملاحقة والتمييز: لستم من هنا!…

يستعرضون الهوية المرفوعة للتدليل على خطر الدخول وخطر الخروج، لمحاصرة الأوبئة، ويراقبون براعة استخدامها رافعةً قومية، فهؤلاء المنسيون، المطرودون من النسيج الاجتماعي الداخلي، المنبوذون، المحرومون من حقّ العمل والمساواة، مطالبون في الوقت ذاته بأن يصفقوا لقمعهم لأنه يُوفّر لهم نعمة الذاكرة. وهكذا يُدْفَعُ المطالب بالنسيان أنه إنسان إلى قبول استثنائه من الحقوق ليتدرّب على التحرُّر من داء نسيان الوطن. عليه أن يُصاب بالسلّ كي لا ينسى أن له رئة، وعليه أن ينام في العراء كي لا ينسى أن له سماء أُخرى. وعليه أن يعمل خادماً كي لا ينسى أن له مهمة وطنية. ويمنع من التوطين كي لا ينسى فلسطين. وباختصار عليه أن يكون “آخر” أخيه العربي لأنه منذور للتحرير. . “: المرجع نفسه: ص15-16

[8] – المرجع نفسه: ص53، 56-59

[9] – وضعنا قضية المرأة في موقعها بين الصور في العملين الأدبيين عن الحصار لتتضح الإشكالية وذلك أنّ”أية محاولة لإظهار إشكالية اجتماعية بدءاً من نص معزول ( قصيدة أو صفحة من رواية ) هي محاولة فاشلة”: بيير زيما، المرجع السابق، ص100- 101

[10] المرجع نفسه: ص15

[11] – “تاريخ مشاع، لا أهل له، مفتوح لمن شاء أن يرث. في هذا اليوم، في ذكرى قنبلة هيروشيما يجربون القنبلة الفراغية في لحمنا. تنجح التجربة… أتذكّر من هيروشيما المحاولة الأميركية لدفع هيروشيما إلى نسيان اسمها. وأعرف هيروشيما، زرتها منذ تسع سنين. وفي إحدى ساحاتها تكلمت عن ذاكرتها. من يُذَكِّر هيروشيما بأن هيروشيما كانت هنا… ولكن أين هيروشيما؟ قالت: هيروشيما هنا. أنت في هيروشيما. قلت: لا أراها، فكيف غطيتم اسم جسدها بالأزهار؟ ألأن الطيار الاميركي بكى فيما بعد. ضغط على زر صغير ولم ير إلا سحابة. وحين رأى الصور، فيما بعد، بكى. قالت: تلك هي الحياة” قلت: ولكن اميركا لم تبك ولم تغضب على نفسها. غضبت من التوازن. هيروشيما غدا… هيروشيما هي الغد. لا شيء في متحف الجريمة يدل على اسم القاتل… “: المرجع نفسه: ص76- 77

[12] المرجع نفسه: ص6

[13] المرجع نفسه، ص38

[14] المرجع نفسه: ص102

[15] – المرجع نفسه: “الهزيمة حتميّة”ص17 و”في الهدنة فقط أدرك المقاتلون والمراقبون أنّ هذه الحرب لا نهاية لها، وأن النصر فيها- خارج توازن الهزيمة- مستحيل” و”… ليس للهزيمة أب واحد. وفي السياسة، ليس من التقاليد العربية الحديثة معاقبة القائد على الهزيمة. إنه يدعو الشارع للعطف عليه، ولمواساته الجماعية المعبّر عنها في دعوته الى البقاء على العرش ليكيد للاعداء. أليس ما يريده الأعداء هو إسقاط الحاكم، ولتخليصنا من هذه النعمة؟ فلننتصر عليهم بالانتصار على أنفسنا وإبقاء الحاكم المهزوم جلاداً لنا… أمّا الحاكم فهو بريء من الهزيمة”ص93.

“الهزيمة الملوحة في الأفق”ص116 و “… المبشرون بالهزيمة النهائية لكل شيء”ص119

[16]– ورد في طبعة “ذاكرة للنسيان”، منشورات وزارة الثقافة بالتعاون مع دار الناشر، جميع الحقوق محفوظة، رام الله 1997، ص3

[17]– “لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أنّ جيوش العرب سيدخلون “إسرائيل” أفواجاً أفواجاً من كلّ حدب وصوب، لكني عند طلوع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أنّ بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمة نائمة”: هذا التصريح الخطير لغولدا مائير عشية حرق المسجد الأقصى في 21 أب 1969 حين حرق الإرهابي اليهودي الأسترالي مايكل روهان المسجد… : الباحث في الشؤون الفلسطينية الدكتور حسن الباش في حوار مشترك بين صحيفة “البناء” و”توب نيوز”: (المخطط الأميركي الصهيوني خلق تيارات متشدّدة لأداء مهمة التخريب): www. al-binaa. com/?article=12985

 [18] “الجدير ذكره فإن اليهود المتدينين يحيون يوم 9 في أب اعتقادا منهم بأنه إذا لم يلتزم اليهود ببناء الهيكل المزعوم (على أنقاض المسجد الأقصى، فان الله لن يغفر لهم” حسب زعم اليهود. فاليهود يعتقدون أن هدم الهيكل على يد الروماني طيطس عام 70م تم في شهر آب وبالتحديد في اليوم التاسع من شهر آب العبري، حيث يقام في هذا اليوم عيد الشنوعوت، فيعلن الحداد لدى كافة اليهود ويتجهون إلى حائط البراق الشريف يبكون بقربه على هيكلهم المزعوم، وقد اعتبرت الحاخامية اليهودية هذا اليوم هو الذكرى السنوية لهدم هيكل سليمان وبالتالي كرس هذا اليوم، يوم التاسع من آب يوم صيام لدى كافة اليهود، ويوم يجددون العزم فيه على هدم المسجد الأقصى لإعادة بناء هيكلهم مكانه. . ؟‍”: الإنترنيت: وكالة فلسطين اليومpaltoday. ps

[19] ذاكرة للنسيان: ص71

[20] المرجع نفسه ص71

[21] أورد درويش النص كاملاً في “ذاكرة للنسيان” (ص71- 72) كما ورد في سفر يشوع “وكان في المرة السابعة عندما ضرب الكهنة بالأبواق أن يشوع قال للشعب اهتفوا لأن الرب قد أعطاكم المدينة. فتكون المدينة وكُل ما فيها محرماً للرب. راحاب الزانية فقط تحيا هي وكُل من معها في البيت لأنها خبأت المُرْسَلَين اللذين أرسلناهما. وأما أنتم فاحترزوا من الحرام لئلا تحرّموا وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلّة إسرائيل محرمة وتكدروها. وكل الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون تقدساً للرب وتدخل في خزانة الرب. فهتف الشعب وضربوا بالأبواق. وكان حين سمع الشعب صوت البوق أن الشعب هتف هتافاً عظيماً فسقط السور في مكانه وصعد الشعب إلى المدينة كلّ رجل مع وجهه وأخذوا المدينة. وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. وقال يشوع للرجلين اللذين تجسسا الأرض ادخلا بيت المرأة الزانية وأخرجا من هناك المرأة وكل ما لها كما حلفتما لها. فدخل الغلامان الجاسوسان وأخرجا راحاب وأباها وأمها وإخوتها وكل ما لها وأخرجا كل عشائرها وتركوهم خارج محلة اسرائيل. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب. واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت أبيها وكل ما لها. وسكنت في وسط إسرائيل إلى هذا اليوم. لأنها خبأت المرسلين اللذين أرسلهما يشوع لكي يتجسسا أريحا. وحلف يشوع في ذلك الوقت قائلا ملعون قدام الرب الرجل الذي يقوم ويبني هذه المدينة أريحا “. )سفر يشوع: فتح أريحا: الآيات 16-26(

[22] -“… جعل (الملك سليمان) النقد في أورشليم عادياً كالحجارة. وبنى الهيكل الباذخ على هضبة. وزيَّنَهُ بخشب الأرز والصندل والفضة والذهب والحجارة المنحوتة، وصنع العرش الملكي من العاج المطلي بالذهب. وأبرم معاهدة مع حيرام ملك صور الذي أمده بالمعادن والعمال الاختصاصيين، واصطاد معه السمك في البحر الأبيض المتوسط. . سليمان يبني المراكب وحيرام يُقدِّم له الملاحين. سليمان يبني الهيكل ويحكم بعدما دان له الملك، وتعلم شعبه من الفلسطينيين صهر المعادن وصك الأسلحة. وتعلم الملاحة من الفينيقيين، وتعلم طرق الزراعة وبناء البيوت والقراءة والكتابة من الكنعانيين… “: ذاكرة للنسيان:ص123

[23] – المرجع نفسه: ص123

[24] – المرجع نفسه: ص123

[25] – المرجع نفسه:ص124

[26] – المرجع نفسه: ص15

[27] – المرجع نفسه: ص62

[28] المرجع نفسه: ص146

[29] المرجع نفسه ص142

[30] المرجع نفسه، ص5، ص6

[31] ورد في “ذاكرة للنسيان” “ليس الحب حقاً، يا قطة، وأنا الآن في تمام الأربعين”ص66، “كم امرأة انت لتكون سيرة هذا البطن المعجون من رائحة الفل ومن لونه التائه بين الضوء والحليب سيرةً لحروب الدفاع عن الصبا الأربعين”ص102، “الأعمار كلها تشابه بعد عتبة الأربعين”ص152، “وإلى متى نواصل الذهاب نحو الأربعين؟”ص153

[32] المرجع نفسه، ص158

[33] المرجع نفسه، ص76

[34] المرجع نفسه، ص108

[35] المرجع نفسه، ص103، 104، 106، 151

[36] – “إِنِّي نائِمَةٌ وقَلْبي مُستَيقِظ إِذا بصَوتِ حَبيبي قارِعًا أَنَ اْفتَحي لي يا أخْتي يا خَليلَتي يا حَمامتي يا كامِلَتيِ لأنَّ رَأسي قدِ اْمْتَلأ مِنَ النَّدى وخَصائِلي من قَطَراتِ اللَّيل. قد خلعت ثَوبي فكَيفَ أَلبَسُه؟ قد غَسَلتُ رِجلَيَّ فكَيفَ أوَسِّخُهما!؟ حَبيبي مدّ يَدَه مِنَ الكوّة فأنّت لَه أحْشائي ْفقُمتُ لأَفتَحَ لِحَبيبي وكانَت يَدايَ تَقطُرانِ مرًّاً”: العهد القديم، سفر نشيد الأناشيد، الإصحاح الخامس، الآيات (2-5)

[37] – محمود درويش: ذاكرة للنسيان، ص6

[38] – “حَبيبي تَكلَمَ وقالَ لي: ” قومي يا خليلتي، يا جَميلَتي، وهَلُمِّي. 11فإِنَّ الشِّتاءَ قد مَضى والمَطَرَ وَقَفَ وزال”… “: العهد القديم، سفر نشيد الأناشيد، الإصحاح الثاني، الآيتان (10-11)

[39] – محمود درويش: ذاكرة للنسيان، ص6

[40] – العهد القديم، سفر نشيد الأناشيد،:الإصحاح الثالث، الآيتان (7-8)

[41] – راجع العهد القديم، سفر نشيد الأناشيد،:الإصحاح الثاني الآيتين (1-2)”أنا نَرجِسُ الشَّارون وسُوسَنَةُ الأَودِيَة، كالسّوسَنَةِ بَينَ الشَّوك كذلكَ خَليلَتي بَينَ البَنات”والإصحاح الرابع، الآية 5″ثَدْياكِ كشادِنَي ظَبيَة تَوأَمَينِ يَرعَيانِ بَينَ السوسَن” والإصحاح السادس، الآية 3″أنا لحبيبي وحبيبي لي الراعي بَينَ السُّوسَن”، والإصحاح السابع، الآية2 “… بطنك صبرة حنطة مسيّجة بالسوسن”.

[42] – محمود درويش: ذاكرة للنسيان، ص101

[43] – العهد القديم، نشيد الأناشيد، الإصحاح السابع، الآيات(1-4)

[44] – “اتبعي صوت دمي، واصعدي مائة واثنتي عشرة درجة ستجدين الباب مفتوحا، وستجدينني خلف الباب مشويا من الانتظار، جاهزاً للموت واقفاً معك واقفاً فيك حتى يفصلنا صاروخ لنجلس. دقّي حجر السلالم كما يدق كعبك العالي طرف القلب  ويترك قطعة صغيرة منه لكلاب الشارع. كم أحب الحذاء العالي لأنه يشد الساقين في كلية الانوثة المتأهبة للاندلاع. والحذاء العالي يختصر البطن ويفتح انحناءة لبطن ينكمس من عطش. والحذاء العالي يدفع النهدين ليتكورا ويشرئبا على المارة المحرومين مما يهتفون. والحذاء العالي يصُبُّ القدمين في أُهبة الرقص فوق الدخان المتصاعد من رغبة محروقة. والحذاء العالي يتلع الجيد كلحظة انقضاض الخيول على هاوية. والحذاء العالي يوقف الرمح على منبر من هواء صلب. دقّي بلاط الشارع بنفور غزال لا تلقفه ذراعان ولا كلمات. واتضحي رويداً رويداً خلف الباب المغلق. امام الباب مقعد جلدي صغير يحملنا ويتسع لنا. سأجلس أوّلاً وتجلسين. فغرفة النوم مكشوفة من جهة البحر الذي يرانا، ويتوعد، ويقصف. وغرفة الاستقبال مكشوفة من جهة البحر. وغرفة المكتبة مكشوفة من جهة البحر. ولم يبق لنا غير هذا المقعد الصغير، ارتجفي وانتفضي وانقصفي، ولا تنزعي ثيابك لئلا يرانا الموت عاريين. فرس على حضن رجل. لا وقت لغير الحب السريع ونزوة الخلود العابر”: محمود درويش، ذاكرة للنسيان، ص109-110

[45] – المرجع نفسه، ص111

[46] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[47] – المرجع نفسه، 112

[48] – المرجع نفسه، ص153

[49] – المرجع نفسه ص155

[50] المرجع نفسه، ص158

[51] – المرجع نفسه، ص102

[52] – المرجع نفسه، ص103

[53] – المرجع نفسه، ص106

[54] – المرجع نفسه، ص153

[55] -كان في وسعك أن تجادلها في سيرة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء ورسائل بولس دون أن تنفعل. أما البشير، فتحيط اسمه بحزام التابو المقدّس، يا سيدة لبنان احفظيه لنا”: محمود درويش، ذاكرة للنسيان، ص36

[56] – المرجع نفسه، ص35

[57] – المرجع نفسه، ص36

[58] – المرجع نفسه، ص35

[59] – المرجع نفسه، ص35

[60] – المرجع نفسه، ص35

[61] المرجع نفسه، ص112

[62] – المرجع نفسه، ص75-76

[63] – المرجع نفسه، ص120-121

[64] – المرجع نفسه: ص25

[65] – المرجع نفسه، ص13

[66] – المرجع نفسه، ص23

[67] – المرجع نفسه، ص18

[68] – المرجع نفسه، ص18

[69] – المرجع نفسه، ص18

[70] -محمود درويش: مديح الظل العالي، ص5

[71] – المرجع نفسه، ص19

[72] – المرجع نفسه، ص21

[73] – المرجع نفسه، ص55

[74] – المرجع نفسه، ص65

[75] – المرجع نفسه، ص72

[76] – المرجع نفسه، ص50

[77] – المرجع نفسه، ص33

[78] – المرجع نفسه، ص44

[79] – المرجع نفسه، ص72

[80] – المرجع نفسه، ص5

[81] – المرجع نفسه، ص16

[82] – المرجع نفسه، ص67

[83]– المرجع نفسه: ص9

[84] – المرجع نفسه: ص 63

[85] – المرجع نفسه: ص9

[86] – المرجع نفسه: ص33-34

[87] – المرجع نفسه: ص42

[88] – المرجع نفسه: ص40-41

[89] – المرجع نفسه: ص55-56

[90] – المرجع نفسه: ص29

[91]– المرجع نفسه: ص29

[92] – المرجع نفسه: ص25

[93] – المرجع نفسه: ص42- 43

[94] – المرجع نفسه: ص46

[95] – المرجع نفسه: ص5

[96] – المرجع نفسه: ص26

[97] – المرجع نفسه: ص55

[98] – المرجع نفسه: ص26

[99] – المرجع نفسه: ص27

[100] – المرجع نفسه: ص27

[101] – المرجع نفسه: ص50

[102] – المرجع نفسه: ص50-51

[103] – المرجع نفسه: ص52

[104] – المرجع نفسه: ص19-20

[105] المرجع نفسه: ص20

[106] المرجع نفسه: ص20

[107] – المرجع نفسه: ص21

شاهد أيضاً

مؤتمر المحقق الكركي 9 تموز 2023

شارك الملتقى الثقافي الجامعي بشخص رئيسه البروفيسور علي زيتون وعدد من الأعضاء في المؤتمر الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *