الرئيسية / مقالات / الأدب الفرنكوفوني أزمة هوية في رؤية مغايرة

الأدب الفرنكوفوني أزمة هوية في رؤية مغايرة

محرر الموقع (قناة المنار)

غلاف كتاب الأدب اللبناني المكتوب بالفرنسية للكاتبة زينب الطحانإتفق المحاضرون على أن هذا الكتاب “الأدب اللبناني المكتوب بالفرنسية وأزمة الهوية الوطنية”، يعدّ مائزا في موضوعه وطرحه الجدي والجريء حول قضية لم تحسمها بعد الأجيال اللبنانية ألا وهي نمط الرؤية الوطنية للبلد”لبنان”، الذي نحيى في جنباته وبين ربوعه. تأتي هذه الأراء المشتركة في حفل نقدي لتوقيع كتاب الزميلة في موقع المنار الالكتروني الكاتبة زينب الطحان، في قصر الأونيسكو يوم الخميس، أول من أمس، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين.

وتعاقب على المداخلات النقدية كل من الدكتورة والروائية واستاذة الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية – فرع البقاع، وأستاذ الأدب العربي الدكتور علي حجازي، الروائي والقاص والناقد وعميد كلية الأداب فرع الجنوب، وكانت الكلمة الأخيرة لممثل راعي الحفل الدكتور نبيل الخطيب.

الدكتورة المر : الكتاب يضع الأصبع على الجرح

تحدثت الدكتورة فاتن المر مطولا عن ما ورد في الكتاب حول مسالة الهوية “وعدم وضوحها في فكر أبناء شعبنا، فهي التي لا تنفك تجلب المصائب على أمتنا، بشكل عام كما تؤثر سلباً في شخصيتنا وتصرفاتنا الفردية. وهي لا تعني الكتاب الفرنكوفونيين فحسب، بل المجتمع بكامله”. وتؤكد المر أن الكاتبة زينب الطحان وضعت في كتابها الإصبع على جرح سيظل ينزف إلى أن نعي خطورته وندأب على مداواته بالطريقة الناجعة، “تلك التي تعمل على المدى البعيد تلافياً للكوارث التي ما فتئت تحل علينا من جرائه، فتنشئ جيلاً جديداً واعياً لهويته الواحدة، نابذاً للانقسامات المصطنعة. وكانت قراءة طحان للمراحل التاريخية التي مر بها الأدب اللبناني الناطق بالفرنسية قراءة ثقافية عميقة لا تكتفي بعرض وقائع هذا النتاج الأدبي والفكري بل تبحث عن الأسباب البعيدة التي أثرت على خياراته واتجاهاته الفكرية”.

وكان برأي الناقدة والروائية فاتن المر أن ما حظي باعجابها هو خلاصة المدخل التاريخي لبحث الكتاب، فتتجلى بقول الكاتبة الطحان :” إن الفرنكوفونية لم تكن إلا سلاحاً لاحتواء المستعمرات الفرنسية السابقة ثقافياً تمهيداً لاحتواء سياسي واقتصادي”.
وختمت الناقدة المر بأن زينب الطحان تقدم رؤية هؤلاء الكتّاب بعرض علمي دقيق، “ولكن الدقة لا تمنعها من إبداء وجهة نظرها في تشظي الهوية لهذا الادب وارتباطه بمرحلة ما بعد الكولونيالية. ولكنها تبقي بحثها العلمي مفتوحاً على الحوار الثقافي الذي لا يطلق الأحكام النهائية، والدليل على ذلك ما كتبنه في خاتمة الكتاب: “إننا بكل بساطة وبالكثير من التعقيد معاً لا يمكن أن نؤدي وظيفتنا النقدية بقول نهائي وحاسم، لمعنى هذه النصوص الأدبية اللبنانية المكتوبة بالفرنسية وهويتها.”

المحاضرون في حفل توقيع كتاب الزميلة زينب الطحانالدكتور حجازي : البعثات التشيرية استغلها نابليون لاستعمار الشرق

الدكتور علي حجازي : أبدى أعجابه الشديد بالكتاب والكاتبة مبشرا بولادة باحثة سيكون لها شأن مهم في المستقبل، وقال :”يعدّ الأدب اللبناني المكتوب بالفرنسية رافدا من روافد المرويات الأدبية الكبرى، التي نجد أنها تتسع لتشمل تأريخ أمة بأكمله، وقد تعكس البعد المعنوي للوجود المادي والتاريخي لـ”أمة أقلوية”. وبالتالي فإن المرويات الكبرى تكتسب أهمية كبيرة في الصراع السياسي والعسكري والثقافي بين الأمم، خصوصا تلك التي تسعى لفرض هيمنتها على أمم أخرى، أو تلك التي تناضل من أجل التحرر من هيمنة القوى المستعمِرة”. ولكن المفارقة برأي الدكتور حجازي أن الكاتبة الطحان بيّنت أن هذا الادب  لا يكتسب أهميته من هذين المنطلقين،  بل لكونه أدباً يصب في خانة تلك الآداب التي تكتب بلغة المستعمر الكولونيالي ليكون أكثر تقرباً منه ثقافةً وسلوكاً وأداءً “.

وأكد الدكتور حجازي أنه ليس هناك من دراسة أكاديمية أو بحثية أو نقدية أدبية تعرضت أو جمعت بين دفتيها معظم كتّاب هذا الأدب وشعرائه وروت سيرتهم ودورهم في هذا الانتاج الأدبي ومآثره وتوقفت عند دراسة أبعاده الثقافية والفكرية الإنسانية أو حددت مناهجه الأدبية وخطها العام في تكوين هويته الأدبية والإنسانية، مثلما تقدمه هذه الدراسة.

الكاتبة زينب الطحان تدلي بحديث لقناةا لمناروتوقف حجازي مليا عند ما أوردته الكاتبة حول دعم نابليون بونابرت للبعثات التبشيرية إذ “أعيد بناء الشرق من جديد، وأعيد تجميعه وصيغ برؤية أكثر تجربة من ذي قبل، وأيضا هذه المرة بجهود المستشرقين، جنباً إلى جنب مع اللغة الأم. وجذرت تجربة نابليون علاقة وثيقة بين استخدام الأفكار المستنبطة حول الشرق من الاستشراق لأغراض سياسية- إمبريالية، باستخدام نابليون لعمل المبشرين، وصرحوا بالمهمات المنوطة بهؤلاء الرهبان، إذ قال نابليون الأول في جلسة مجلس الدولة العام 1804م: ” إن في نيتي إنشاء مؤسسة الارساليات الأجنبية، فهؤلاء الرجال المتدينون سيكونون عوناً كبيراً لي في آسيا وأفريقيا وأمريكا، سأرسلهم لجمع المعلومات عن الأقطار. إن ملابسهم تحميهم وتخفي أية نوايا اقتصادية أو سياسية”. ولم يقل نابليون ذلك إلا لعلمه الأكيد بأن الظروف لم تكن مؤاتية لشن حرب صليبية جديدة، فكان لا بد من التركيز على البعثات التبشيرية، مع ما أمنه لها الاستشراق من خلفية ومقدمات”.

الدكتور الخطيب : اللغة والهوية مصدران متلاصقان لروح الانتماء

الدكتور نبيل الخطيب، وهو مثّل راعي الحفل رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، رأى بأن الشكل والمضمون السردي لرواية الأدب اللبناني المكتوب بالفرنسية يتقاطع بشكل كبير مع الوظائف التي تؤديها الرواية الغربية من منظور كولونيالي للشعوب التي استعمرتها وحكمتها حيناً من الزمن. وفي شكلها السردي وبينتها الواقعية ما يجعلها تنضم إلى الرواية الكونية العالمية مع ما يعتريها من جدل وجدل حول مفهومي الكونية والعالمية والتقاطع أو التمايز بينهما وبين ما بعد الكولونيالية. فلا فكاك لأي قول اليوم، يوم ما بعد الكولونيالية، في الكونية والعالمية من التعالق بالعولمة والحداثة وما بعد الحداثة.

زينب الطحان توقع كتابهاوتابع الدكتور الخطيب أن الكونية هذه تشتمل على الهوية التي لا تعكس ضرباً من جنون العظمة.‏ فهوية الأدب اللبناني الفرنسي في هذا السياق ما بعد الكولونيالية في تحولاتها لم تعد مقيدة بما يلائم المستوى المحلي ذا البعد الكوني بقدر ما أضحى البعد الكوني هو المركزية في العمل والشغل السردي”. وهذا ما تؤكده الكاتبة زينب الطحان في كتابه الذي بين أيدينا. وهي تقول إن الاختلاط الثقافي الذي تحدثه الحروب البغيضة والصراعات المتبادلة حيث لا تستطيع الأمم بعدها أن تعود إلى حياتها المستقرة والمستقلة دون أن تلحظ أنها قد تلقت كثيراً من الأفكار والطرائق الأجنبية، فتتبناها دون وعي منها، وتشعر هنا وهناك بحاجات روحية وفكرية لم تكن من قبل.‏ فكانت نصوص الأدب اللبناني المكتوب بالفرنسية تعبر عن فتح زمن جديد وفضاء جديد للنطق النقدي” حيث يعيد الاختلاف الثقافي الإفصاح عن محصلة المعرفة من منظور موقع هذه الأقلية، التي تكتب الأدب بالفرنسية، الدال الذي يقاوم إضفاء الطابع الكلياني دون أن يكون محلياً أو خصوصياً”.‏

الكاتبة زينب الطحان ضمن الحضوروأنهى الدكتور الخطيب مداخلته بأن النصوص التي أوردتها الكاتبة حاولت تقديم فعل نقدي يحاول التقاط خفة اليد التي يبديها هذا الأدب في تلاعبه بالخصوصية التاريخية، مستخدماً أداة الارتياب النفسي أو المسافة الجمالية أو الدلائل الغامضة الخاصة بروح العالم، ما هو سام ومصعّد وما هو دون عتبة الوعي والشعور. وفي خضم هذا المعنى سوف تظل الأقلية المقيمة في فضاء ما بعد الاستعمار، تسأل عن مساحة أكبر لها وعن فعل أعمق في هذا المشروع وما يماثله من خطاب ما بعد الكولونيالية. فالمحلية والخصوصية غالباً ما تستدعيان مقولات، أصالة اللغة وواقعية الواقع والهوية والقيم التاريخية”.

وكان للكاتبة المحتفى بها زينب الطحان كلمة شكر للمحاضرين والحضور، بعد أن عرجّت مبينة سبب اهتمامها بالأدب اللبناني الفرنسي، وما يعتري كتّابه من أزمة هوية مؤكدة في الوقت نفسه على أنها لم تقصد أن تتهم أحدا بالتنكر لوطنيته ولجذوره الأصلية، فهي تفتخر بانتمائها المشترك مع هذه الشريحة المثقفة إلى وطنها لبنان، وأنها تؤمن بالتنوع :”فالاختلاف هو الحياة نفسها، وهذا الأدب اللبناني باللغة الفرنسية، كائن حي له حق الوجود والحياة والاحترام مهما كانت مشاربه”.

وفي الختام وقعّت الكاتبة زينب الطحان نسخا من كتابها للحضور المشارك.

شاهد أيضاً

د. عليّ زيتون: قامة كبيرة في الأدب والنقد الأدبيّ، وقدوة في تكوين أجيال مثقّفة واعية

د. عليّ زيتون: قامة كبيرة في الأدب والنقد الأدبيّ، وقدوة في تكوين أجيال مثقّفة واعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *