الرئيسية / أبحاث / الهوية، والبعدان الطبقي والفكري في رواية “ساق البامبو”

الهوية، والبعدان الطبقي والفكري في رواية “ساق البامبو”

ثافة الماومة 2

بحث الدكتورة لميس حيدر:

الهوية، والبعدان الطبقي والفكري في رواية “ساق البامبو”
تلخيص الرواية: يولد عيسى من امرأة فلبينية اسمها جوزفين، بعد أن يتزوجها الكاتب راشد الكويتي. عندما تعرف والدة الزوج أمر زواج ابنها من خادمتها، وإنجابها منه، تقرر ضرورة مغادرة الخادمة مع ابنها، لئلا يؤثر ذلك سلبا على اسم العائلة.
يرضى راشد رغما عنه بأمر الانفصال، وتسافر الخادمة جوزفين مع ابنها عيسى إلى الفلبين، فتعيش هناك مع والدها ميندوزا القاسي، ويروح يعمل عيسى معه. ثمّ تتزوج جوزفين من رجل ثان بعد راشد، فتنتقل رعايةُ عيسى إلى خالته. لقد كان للخالة آيدا ابنة اسمها ميرلا، هذه الفتاة أحبها عيسى مع مرور الأيام. وميرلا هذه هي نتيجة علاقة آيدا مع رجل غير معروف.
أما الخالة آيدا، فقد استشرست على والدها، الذي راح ينعتها بالعاهرة عندما عرف أمر حملها بطريقة غير شرعية. وميندوزا الأب، هو الذي أرسلها مسبقا، وفي سن صغيرة لتعمل في الحانات الليلية، وتعود إليه بالمال، الذي يؤمن لهم حاجياتِهم الأسرية.
ظلت جوزفين تردّدُ على مسامعِ ابنها أنّه سيعودُ يوما إلى الكويت، ليعيش بين أحضان أسرتِه المسلمةِ الثرية. عندما يحين موعد سفره إلى الكويت، يفعل ذلك مجبرا، ويرضخ لرغبة أمّه. تدخله إلى بيتها الجدة غنيمة، غير أنّها تعامله مع بناتها كخادم، وترفض أن تعترف بهويته.
كانت للجدةِ سطوةُ مخيفةٌ في منزلِها، لذلك يسعى عيسى للتقربِ منها، عبر تدليكِ ركبتيها. ويتعرفُ عيسى إلى خولة َ أختِه من ابيه، وتعلّمُه الطهارة، ويتوجهُ إلى المسجدِ للصلاة.
لقد شاهدَ عيسى كيف أنَّ جدتَه تكثرُ من الصلاةِ في شهر ِ رمضان، وكيف يسودُ استرخاءُ ساكني المنزل طوالَ النهار ِ في هذا الشهر، نتيجة َ الصوم ِ المرهق. ولم يستطعْ عيسى أن يتقدّمَ في علاقتِه مع جدتِه، وقد شعرَ بيأسٍ مريرٍ عندما قررَتْ الجدةُ مغادرة َ أخته من أبيه البيتِ في حال بقيَ عيسى فيه. إنّ قرارَها الجازمَ هذا دفعَه لمغادرةِ المنزل، والتفتيش ِ عن عمل. غير أنّ إحدى عماتِه تُضيّقُ عليه فرصة َ العمل ِ في مطعم، علّها بذلك تتمكنُ من طردِه من الكويت، بعد أن يفلس، ولا يجدُ ما يسدُّ رمقه.
يبدأ ُ عيسى الكتابة َ، ثمّ يغادرُ الكويت، ويعودُ إلى الفلبين، ويتزوجُ من ابنةِ خالتِه ميرلا، وينجبُ منها، ويعيشُ مرتاحَ البال.

التمهيد: سأرصد في عملي هذا الشخصيات، وسأعالجُها ملتزمة بالعنوانين الآتيين:
أ_هوية عيسى المفقودة، و تقاليد المجتمع العربي الممزقة للأفراد.
ب_ نموذج الشخصية السيكولوجية المرهوبة في رواية “ساق البامبو”.
فلبينية ، ومقاومتها لمستغلها.

أ-_هوية عيسى المفقودة، وتقاليد المجتمع العربي الممزقة للأفراد:
نرصدُ في هذا المجال ِ شخصية َ الروايةِ الرئيسة، وهي شخصية ُ عيسى، الراغبة ُ في تمتين ِ جذورِها الصلبةِ في هذا العالم، سواء في الكويت أو الفلبين، علّها بذلك تتماثلُ جذورُها مع جذور ِ شجرةِ “ساق البامبو”، تلك التي تستطيعُ أن تنموَ، وتمتدَ عروقها عميقا في الأرض ِأينما كان.
يدركُ عيسى قسوة َالحياةِ عليه، وهو في سنِ العاشرة، عندما تخبرُه أمُّه عن ماضيه. ويعاني عيسى طوالَ الرواية، لذلك أحسبُ أنّ تسميته ترمزُ إلى معاناةِ السيّدِ المسيح.
أحسب أن راشداً واحد من كثيرين استشاطت لهفتهم لأنثى، فكانت الخادمة فريسته.
وهنا قد يسألُ المرءُ من سيحاكمُ القويَ المتسلّط َ في حالِ اعتدائِه؟ وهل المسؤولية ُ تقعُ دائما على عاتق ِ أربابِ الخدم؟
يبدو لي أنّ الكوارث ستبقى تعيق نمو المجتمع، ما دام من المحرمات الحديث عنها، وما دام من المستحيل التحقيق مع أسر مغلقة على أسرارها. وأحسب أنّ هذا التكتم وهذا التعتيم، الذي تسببه الأسر المالكة، يتوافق مع حاجياتها، وهذا بدوره سيزيد الأزمات تفاقما. إنّه أسلوب جديد من التهديد تعرضه هذه الرواية، وقد تكون الغاية من ذلك ألا يستسهل البعض الانغماس مع امرأة مستخدمة، أو حقيرة الواقع لا سند لها، ولا معين في هذا العالم.
إن راشد الأب المثقف، والمتعلم لم يستطع أن يؤسس لمنطق يخرج عن أنماط موروثات مجتمعه. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال الاستنكاري الآتي: هل يمكن أن يستقيم العالم، وأن يتطور في ظل عداء الإنسان لأخيه الإنسان بسبب لونه، أو جنسه، أو انتمائه الطبقي، أو الديني، أو العقدي؟!
لعل النص أراد أن يوضح كيف تؤسِّس الأطماع لمجتمع عربي متخلّف، نتيجة حقوق تصاغ في الكتب، وتظل حبرا على ورق، ولا يلتزم بها غالبا حتى مبتدعوها.
لعل ما ورد هدفه إماطة اللثام عن فئة مهمشة الحقوق، نتيجة سلبها من جماعة مقتدِرة. كأن ما ورد في النص يحفّز إلى ضرورة إقامة مساواة بين الأفراد في جميع أصقاع الأرض، بمعزل عن لونهم أو دينهم، أو انتمائهم العرقي(1).
لا يبشر النص بإمكانية نشوء قطيعة مع ما سلف من فكر، فضرورة التحوّل تتطلب ثورة، كما تستلزم قوة رصينة من محرِّكها، الذي قد يؤيَّد من مفكرين، يعون قيمة الانسلاخ عن التقليديين. إن خطوة السقوط الأولى لدى الثائر، ما هي إلا لحظة الوثبة البكر التي ينتظرها العالم أجمع. وقد تحدّث نيتشه عن الصيرورة(2).
لقد عاش عيسى عمره مقسوما قسمين عنيفين منصهرين بالعذاب، والقهر، فكان مقودا لظلال الفقر في عالم أمه، ثمّ صار رهينة لعقائد مجتمع أبيه، غير أنّ ما يجمع المكانين والزمنين الجهل، لذلك بدت شروط نهوض عيسى منعدمة.
يبدي النص، وبوضوح أنّ مثل هذه العلاقات بين راشد وجوزفين تنشأ غالبا في العتمة، وتنتهي في نفس الموقع من السواد. لقد أتى ختام علاقة عيسى، وأمه مع آل راشد عقيما، بعيداً عن نظم الإسلام، الرادع عن كلّ ما هو مشين. كأنّ اللاشرعي أهون الشرور، لتلافي سخرية المجتمع. لقد تبيّن لنا من خلال النص أنّ الموانع الدينية تهزمها المواضعات الواقعية. قال تعالى في كتابه العزيز: “…فلا تخشَوُا النّاسَ واخشَونِ…(3)”.
لم تتآلف أفعال غنيمة مع ما يمليه الدين دائما، فهي، وإن صلّت غير أنّها بدت عديمة الإنسانية عندما ألغت من عيشها زوجة ابنها، وابن ابنها، لاعتبارات دنيوية.

لقد تناست أن الدين الإسلامي جاء لينصف الناس جميعا، يقول محمد الغزالي: “إنّ حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارا صادرا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنّما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي… (4)”.
لا يريد النص على ما يبدو، أن تكون الإصلاحات سطحية، أو خارجية، مغلفة بغلاف، مذوّق الشكل، كريه المحتوى. لعلّ غنيمة، وأولادَها يمثلون المجتمع المسلم، الذي تتحكم فيه سلطة المجتمع أكثر من الدين. إذا، إمكانية خلاص المجتمع من عيوبه مستحيلة، لأنّ محكمة المجتمع لن تَرحم، كما لن تُعرَف ردود أفعالها الهمجية على من يغادر أعرافها، وتقاليدها البالية .
يبرز النص عقد الواقع العربي، كما يوضح كيف تتحكم الموروثات في مسيرة حياة 1
_ف”ذلك الذي تتجاوز ممتلكاته حاجاته يطفر من فوق حدود العقل والعدالة البدئية ويسرق ما يخص الآخرين. إن كل فائض هو اغتصاب”.
كارل ماركس، فريدريك أنجلز، الإيديولوجية الألمانية، ترجمة فؤاد أيوب، دار دمشق،ط1، 1976، ص575.
2_هيدجر، مارتن، نيتشه، المجلد الأول، ص431(النص الالماني).
3_سورة المائدة، آية 44.
4_محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، القاهرة، دار الكتب الإسلامية، ط3، 1984، ص231.
المرء وتبدلها، فتقضي على خصوصيته وأمنياته، ويحرم بذلك أغلى ما لديه، ويقضي بقية أيامه متحسرا، لانسلاخه عمن يهيم بهم. كما يبدي النص كيف يمكن أن يعيش المرء بين الناس معلنا خلاف ما يضمره، فيعاني بذلك انقساما وتشتتا بين ما يريده، وما ينبغي أن يكون عليه.
ب- نموذج الشخصية السيكولوجية المرهوبة في رواية “ساق البامبو”. فلبنية ، ومقاومتها لمستغِلها: تخرج الفلبينية آيدا خالة عيسى في سن السابعة عشرة إلى العمل، وقد أجبرها الفقر على الشغل في مراقص وحانات المنطقة. وقد قدمت الصغيرة، آنذاك، جسدها،وصارت مصدر دخل العائلة.
وتختلف آيدا مع والدها لأنها تنجب ابنة من غير زواج. ويروح يعنفها، وينعتها بالعاهرة، لذلك تستشرس عليه(1). وتبيت آيدا مخيفة لوالدها، الذي صار يتحاشاها، بعدما استحالت ديكا، يشيح بنظره إلى أي اتجاه بعيد، متحررة بذلك من عبوديتها(ص27). فقد راحت تقطّع رؤوس الديكة، وترميها في كلّ اتجاه، مثيرة بذلك الرعب في قلب من حولها(26). تسعى آيدا إلى استلاب راحة من استلب حياتها(2). وتستطيع أن تقابل والدها بقسوة لا تقل حدتها عن قسوته.
ما حصل لآيدا قد يحصل لغيرها من الفتيات في جميع الأصقاع، والنتائج التي صارت إليها تبدو طبيعية. يقول د. مصطفى حجازي في هذا الصدد: “وضعية القهر التي تفرض على المرأة تتخذ أوجها متعددة… . ولقد لخص بعضهم هذه الأوجه في استلابات ثلاثة تتعرض لها المرأة بقدر متفاوت في حدته. وهي الاستلاب الاقتصادي، والاستلاب الجنسي، والاستلاب العقائدي… ولكن هذا الاستغلال لا يتم بشكل خام ومباشر… إنه بحاجة إلى طمس طابعه الاستغلالي من خلال إحاطة المرأة بمجموعة من الأساطير تجعله يبدو مشروعا، وحتى طبيعيا…(1)”. فالمرأة “تتعرض لعملية تبخيس دائم لجهدها، مما يسمح للرجل باستغلال هذا الجهد…(2)”. تُعرَض الوقائع في النص التي يمكن أن يحصل مثلها في أكثر من مكان، ويبدو أنّ الغاية ألا يتمادى المجتمع في تبرئة نفسه من وباء يعيش فيه.
1_تقول أيدا منتقدة واقع رجال الفلبين: “كل الرجال الذين قدمت لهم جسدي… ديوك”. سعود السنعوسي، ساق البامبو، ص24و25. 2_كامل محمد عويضة، كارل ماركس، الماركسية والإسلام، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993،ص4.
خاتمة: تتناول رواية “ساق البامبو” شخصيات متنوعة، تتراوح بين الغني والفقير، والمتعلم والأمي. كما تعرض لواقع أفراد ينتمون إلى ديانات مختلفة كالإسلامية، والمسيحية، والبوذية، وتبرز كيفية ممارسة طقوسهم الإيمانية المنقوصة غالبا. وتبحث الرواية في تناقضات الفرد النفسية، وحالة الانفصام في المجتمعات.
لقد عرضت هذه الرواية عواقب الزواج من امرأة آسيوية، كما بيّنت الآثار السلبية على حياة كل من الرجل والمرأة المختلفي الجنسية، واللون، والانتماء الديني، إثر اقترانهما من بعضهما. عكست هذه الرواية، وبصدق، ومن دون مواربة الإعاقة النفسية لدى العربي المسلم، الذي يمارس طقوس الإسلام، ولا يلتزم بما ينص عليه من رحمة لدى بني البشر، كما حصل من قبل غنيمة، وبناتها، وابنها.
1و2_ مصطفى حجازي، م.س، ص221.

شاهد أيضاً

مؤتمر المحقق الكركي 9 تموز 2023

شارك الملتقى الثقافي الجامعي بشخص رئيسه البروفيسور علي زيتون وعدد من الأعضاء في المؤتمر الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *