الرئيسية / أبحاث / بحث بعنوان : زينب والبعد المقاوم في شعر الدكتور علي زيتون

بحث بعنوان : زينب والبعد المقاوم في شعر الدكتور علي زيتون

ثقافة المقاومة

الأستاذة نيبال رعد:

عندما تعجن النفس بماء العشق الزنينبي ، وتختلط الثقافة والرؤيا والقضية لتضاف الى ذلك المزيج، تنضج الكلمات ، وتخرج منمّقة بأسمى معاني العرفان والسبر في مكنونات الارادة الالهية المتجلية في الأشخاص، الأحداث والوقائع، في القضاء والقدر، فيما يثبت ويمحو من ام الكتاب.
إنّه الدكتور الشاعر والناقد والاستاذ علي زيتون. الذي نهل حب زينب وسرها وسحرها، عرف زينب اما وأبا وجدا، وعى زينب خطابا يتردد صداه في المدى، ومع كل ترجيعة صدى كان يرقب قوافل من العارفين، من المجاهدين و الشهداء ، من المفكرين العالِمين، واذا أردنا ان ننصف كان يرقب قوافل من العباقرة الذين تتلمذوا في مدرسة زينب.
إنّها زينبُ، من رسمت أبعاد الرفض، من نسجت ألحان الصبر، من غنت آلامها اهزوجة شكر لجميل الصنع. فالقدوس الأعلى لا شيء يفيض عنه سوى الجمال، وفي ظل عظمته تحلو المقاومة وترتسم معالمها، فلا شيء أجمل من جهاد في سبيل الله.
هذه الحال التي استدعت شاعرنا لكي يفصح بكلمات يدركها اهل الجهل، قصار النظر، من تاهت فيهم مداركهم ، من ضاعت منهم خيوط الحقيقة الرفيعة الشفافة، نعم فبين الحق والباطل خيط رفيع فاز من ابصر به.
زينب وأهل زينب، هم ذاك الخيط اللامع الذي خفي عن كثير وتراء جليا أمام الكثير، والمفارقة ان من بان له الخيط ومن خفي عنه استفاد من فيض وجوده ومسّه شيء من بركاته، إنهم مصداق الحجة التي لو خلت منها الأرض لساخت بأهلها ، ولربما هذا ما يكتنفه اسم الله تعالى ” الرحمن الرحيم”
فزينب شجر عذب، أصله ثابت وفرعه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، إنّها بئر الصبر وكنز الأسرار، بلاغة علي وعفاف فاطمة وحكمة الحسن وشجاعة الحسين، إنّها ملهمة الثوار حبيبة أهل الله، ملجأ الفقراء والمشردين، ملاذ التائهين التائبين، بابها الرحمة ومحرابها الدعاء لنجاة اهل الأرض لنشر الوعي لرفع الظلم لإحقاق الحق.
سبيت يوما زينب وفي رحلة سبيها رسمت تاريخا جديدا، رسمت تاريخا يصرخ في وجه السلطان الجائر ، خطّت قانون حياة للابطال، صنعت من نزف الجرح رواية نصر مع مر الأيام وصفت بأنها رواية انتصار الدّم على السيف.
سبيت زينب، فاستحال الموت حياة، وانجلى غبار القهر عن قداسة لا متناهية ، عن احترام فرض لا للعصمة ولا للإمامة ولا للنبوة وإنما لعالمة غير معلمة ، لناطقة بالتوحيد عن عقيدة فيوما وفي سنتها الاولى وعلى حضن أبيها قالت زينب لا تثنية مع الوحدانية .
تلك زينب ، وهذه القصائد التي ترسم بعد مقاوم اول حبه زينب وآل زينب  وآخر حبه زينب وآل زينب.
نعم فالشاعر الدكتور علي زيتون أبصر بفضل الله تعالى ونفاذ بصيرته ذاك الخيط فجاءت قصيدته كفّ الصحراء.
اجل فقد صار بصره حديد، صار الأقدر على قراءة كف الاعراب، الذين تاهوا في صحراء غيّهم، وشغفهم، بالسلطة والجاه، بالمال والتأمّر الزائف.
ولكنّها قراءة على وجع، ( أقرأ كفّ الصحراء على وجعي)، نعم فالإنسانية حيّة في أعماقه، هو إنسان لايتمنى لأحد أن يغشاه ظلام الجهل والتيه، إنه إنسان عارف وكلما عرف الانسان تسامى نحو الانسانية وتكلل وجهه بالألاء فسعى نوره بين يديه، وصار كشّافا أمام من غشيتهم الظلماء.
عرف أن الموعظة تضيع إذا ما تليت، عرف أن القرآن بقداسته آياته رميت، فلجأ الى قراءة الكف.عله يرفع عنهم حيف غباوتهم عله يقضي وترا من فرائضه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
لقد جعل الشاعر كف الصحراء مرآة للحقيقة، تعكس ما يبصره، تعكس ما يؤمن به من أفكار، من أقدار من أسرار. لقد أبصر في تلك الكف أمراء تخرجوا من مرعى ، الثغاء كلامهم، والبطنة همهم والنشوة أقصى أمانيهم.
أبصر أن جيوش الصحراء سراب يحسبه الظمآن ماء، أنّ كلّ فرسانه كذِبا وضعوا أوسمة البطولات فكانوا كما الشعراء الذين يتبعهم الغاوون في كل واد يهيمون. فأين ما ما فعلوا وأين ما صانوا من حقوق وحريات، أين صوت الحق فيهم ؟ أين رفض الظلم بل أين الدور الذي كانوا لأجله وبسببه؟؟
أبصر الشاعر في تلك الكف كيف سيأتي يوم ينسل الحق من غمده ( أبصر سيفا مسلولا) فالحق أمر الله، والسيف وعد الله القاطع، وعد الله الذي لأجله زينب قالت يوما لطاغية زمانها ” لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا ” إنه الامل الذي تحيا في ظله الأكوان ، فالمهدي إمام آخر الزمان، يخرج من أصل الكعبة، اوليس هو حفيد وليد الكعبة، اوليس المهدي ابن محطم الأصنام وتالي آيات القرآن ؟؟ ولا يكتفي الشاعر بالاخبار عن المهدي ومكان الظهور، بل كيف يكون ظهوره ثورة تملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملأت ظلما وجورا، كيف يحيل الدنيا جنة عدن أرضية ، كيف يفيض الخير فتُخرج الأرض بركاتها، كيف تيمم وجهها شطر الله جميع مخلوقات الله ، كل مخلوقات الله، ما تدركه الأبصار وما يخفى.
يعكس ذاك الكف حقيقة أنّ الإنسان الى ربه الرجعى وحينها يرضى، أنّ السير سبيل لا حد لها سوى الله ، لا أفق لها سوى الله ، لا هدى فيها إلا بالله، ومن ادلُ على الله تعالى من آياته، من ومن اوضح آية من محمد وال محمد ومنهم زينب ومنهم  السيف المسلول من أصل الكعبة.
وهنا يوجه الشاعر دعوة فكأنه يقول، يا أيّها الذين اتضحت أمامهم الحقيقة أو قبس منها، أيها الراغبون بالإياب إلى النور، الى الوضوح الذي لا لبس معه أو فيه، عودوا.. عودوا ولكن لا بد لتقبل عودتكم من شرط التوبة، عودوا وتوبوا ولا تنسوا أن تغتسلوا، فالتوبة تأتي بعد الخطيئة ولا توبة من دون غسل يطهّر ما علق بكم من رجس.  لكن، بأي ماء أراد لهم الشاعر الاغتسال؟؟ لقد اختار ماء ينبع من قلب الحياة، يتدفق في سواقي الجهاد، يحي الأرض بعد موات، ينبت فيها أسمى قضية أقدس قضية إنّه ماء الأقصى،( اغتسلوا الآن بماء الأقصى من كل التوبات) نعم فماء الأقصى ماء مطلق غير مضاف، جعل طهورا للتوبات، وهنا يتجلى لطف الله، فالتوبة أمر محمود أن يتكرر، مسموح أن يأخذ عمرا لكن شرطه أن يتحقق. وحين التوبة شرط لازم طقس يعتبر اصلا محكما ( أن تجهش بالصوت العاثر والمخنوق ) لا توبة دون بكاء دون صوت قطعه ألم الأخطاء، دون نفس مخنوق خجلا وحياء.
فهلموا يا من عرف الله، يا من تنسم ريح الحقيقة هلموا ، اغتسلوا، توبوا، عودوا، فبدون الصوت العاثر لا توبة تقبل، وبدون التوبة لا خبر عنكم يُشهَر، لا شيء يدل على أمل في مجمعكم، لا صوت يُصدِرُه المدى ، لا ترجيع صدى ( فالبرية ضغث لا تعوي من غير ذئاب).
وكأن الشاعر يدعوا التوابين لأن يكونوا في زمن التكالب ذئبانا، إن لم تنقض على عدوها زرع الرعب فيه عواؤها. فما مات يوما حق وراءه مطالب، لكن أسفي ، أسفي على برية خلت حتى من عواء ماتت فيها الأنواء ، غاب فيها حس الرفض ولبست ثوب الاستسلام.
وبرأي الشاعر، من يلبس ثوب الاستسلام، من يرضخ، من لا يستعد للموت في سبيل القضية الحقة، من لا يستعد ليعود الاقصى حرا ( من لم يلبس كفنا ممسوحا بجدار الأقصى، الأقصى، فيخرج من أهل القبلة) فكيف يكون من يسكت عن ظلم شعب ، عن قتل الأطفال، عن التهجير والتشرد، عن سلب الأمن والأمان من أهل القبلة؟؟
أهل القبلة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الاعضاء بالسهر والحمى، أهل القبلة أشداء على الكفار رحماء بينهم، وعليه فمن أراد الالتحاق بأهل القبلة فليلبس كفنا ممسوحا بجدار الاقصى الاقصى أو فليخرج من أهل القبلة. فالأقصى ليس المسجد او قبة الصخرة فحسب، الاقصى هو كل حبة تراب على ارض فلسطين، هو كل زيتونة، كل شبر ارتوى من عرق فلاح، كل نسمة سمعت صوت عتابا جدة عند الصباح.
إنّه الأقصى الأقصى، وعليه يؤكد الشاعر ( من لم يلبس كفنا ممسوحا بجدار القلعة والمسجد، مبلول بمياه البحر فليخرج من أهل القبلة )
فالحق كلٌّ لا يتجزأ، والحرية هواء طلق لا تنفع معه الجدران ولا تلائمه الاسوار ، فمن يساوم أو يقبل بحلول مجتزأه ، من يرضى بشيء من شيء فليخرج من اهل القبلة. فأهل القبلة دون الجنة لا يرضون، وأهل القبلة بأقل من الفوز بماء الكوثر لا يرضون ، ولأجل الفوز جعلوا التوبة نهج حياة . معذورون أهل القبلة ، فهم بشر تتقاذفهم أوجاع الكذب، يخدعهم زيف السلطان، فتراهم توابين. يسعون لتكون توبتهم مخلصة صافية وإليها يأتون حفاة، فالأحذية تبعد ألم السير عن الجسد الواهي، تشعر صاحبها انه ماض في درب عبّده السلطان، يأتون حفاة لأن القبلة أقدس واد، يأتون على عجل حفاة خوفا ان تبعدهم راحتهم عن قبلتهم. فقبلتهم ليست حجا ودعاء ، ليست سجدة في صلاة، قبلتهم وجه الله ومناسكها ليست فرضا مكتوبا بصحيفة العبادات
بل ان مناسكها سبل مكتوب على مفارقها” هنا ارض الجهاد والمقاومة” مناسكهم رباط ونفير واستطلاع ، فيها الشجر يحالفهم، والحجر يسترهم، والطير يدلهم، هم أهل القبلة ( لم ترهقهم ذلة ) هم من عرفتهم حجارة الأقصى حين تتلمذوا في أرض الطفّ، حين اخذوا الدروس من كف قطعت لتدافع عن الحب الاسمى، من رأس حُمِل ليكون العلم الاعلى ، من دمعة حزن ما انهمرت بل حبست لتبلل روحا إنتفضت نادت ” يا زينب”.
هم أهل الأقصى قاموا انطلقوا تابوا اغتسلوا دخلوا القبلة نادوا يا زينب.ففرحت فيهم أحجار الاقصى وشع من عينيها بريق الحرية، وتولّد فجر يحلم أن يصبح فيه للبرية صوت يُذئب أهل الصحراء.
فزينب ليس اسما كباقي الاسماء، زينب قصة سلب للحرية، قصة اخلاص لقضية ، زينب قماش ذاك الكفن الممسوح بجدار الاقصى.من لبس زينب كان كزينب ، يقف في صدر الاعصار يحمي العرض ويحمي الأرض، يزرع في الاطفال رجولة مستقبل، يحيل الدمع مياها تغسل عناء اليتم، تزيل ألم العذاب.
زينب ما كانت يوما نصا يقرأ بصمت، بل صوتا يصدح بالعزم، يزرع في الرجال الحزم ، يحيل عطف النسوة ثورة رفض. قالت زينب (لرجال، لنساء عرفوها ) حملوا زينب فكرا وقضية، حملوا زينب حزنا سرمديا، قالت زينب، فليكن الحزن والدمع والغضب وقودا للرفض، فليكن الحب حبرا لكتابة تارخ جديد، دواته خناجر تحفر عميقا في الوجدان، توقظ في نفس الجلاد حقيقة أن ظلمه عزّ وهمي كاذب ، أنّ سلطته زائفة تذروها رياح ثورتكم، فلا تخشوه ، بل قوموا، فالزمن اليوم طوع ارادتكم، (الزمن اليوم يبشر بالوعد الأبهى)،( تأمن فيه الشاة الذئب) لا جور يقلق من يسعى، فالزمن زمن رايات الحق الخضراء، رايات المهدي الموعود، يحقق حلم الانبياء، يقيم العدل الالهي يجمع إرث الانبياء.
قالت زينب قوموا لا تخشوا، فبهذا الزمن الله تعهد أن ترى مشيئته جلية ، تعهد ان يظهر عدله، ان يكشف أبصارا مغشية .
هذا الزمن تجتمع فيه الأسرار ، تنكشف، تتضح، فالدين اليوم غير الدين، والحق يلبس وجها آخر ، يقصى في الأقصى الكثيرين ، ولا يبقى سوى ثلة من الاولين وثلة من الآخرين ، وهناك ينادي حيّ على الصلاة ، فيأتي إمام كل أمة ليأتم بالنهر المتدفق ، فتكون صلاته إشارات يتلقاها الكون فيستفيق وينهض من التيه، فتصبح الامة أمة واحدة، ويصبح الأمر يومئذ لله. عندها يبدأ زمن جديد ، قمره المهدي ، وشمسه الحقيقة ، وكواكبه حجج الله على خلقه.
نعم هذه هي الثورة وهذا هو منبع البعد المقاوم عند الشاعر ، فالثورة والمقاومة والتغيير والرفض، كلها كلمات نقشت في قاموس زينب، كلها أخبار نقلت على لسان زينب.
لقد أبدع الشاعر عندما اعتمد هذا المزج العقائدي الواقعي التاريخي ، في ابيات قصيدته كف الصحراء، التي قدمت لنا قراءة راقية لواقع زمصير ، لرؤية ورؤيا، لمسار حتمي رسمته أحداث العمر، وضعت خطوط مساراته ما كسبت ايدي الناس.
هذه زينب ، وهذا البعد المقاوم تترجمه كلمات الشاعر الدكتور علي زيتون الذي ندعوا له بمزيد من التالق والابداع الادبي المتميز .

شاهد أيضاً

مؤتمر المحقق الكركي 9 تموز 2023

شارك الملتقى الثقافي الجامعي بشخص رئيسه البروفيسور علي زيتون وعدد من الأعضاء في المؤتمر الذي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *