الرئيسية / أبحاث / مقاومة الحرب الناعمة في رواية “الحفيدة الأميركيّة”لأنعام كجه جي

مقاومة الحرب الناعمة في رواية “الحفيدة الأميركيّة”لأنعام كجه جي

IMG-20140523-WA0041

مقاومة الحرب الناعمة في رواية “الحفيدة الأميركيّة”لأنعام كجه جي
الدكتورة لينا علي زيتون

الملخّص
شخصية الرواية فتاة عراقية مسيحية هاجرت الى اميركا مع عائلتها هرباً, زمن صدام، وعادت مع الاحتلال الاميريكي الى العراق مجندة في الجيش الاميريكي بصفة مترجمة . وإذا أردت الدخول إلى بنائها النفسي الأخلاقي قلت : هي إنسانة من صنع أميريكي .
رسمت هذه الرواية التشتت الذي عاشته هذه الفتاة من خلال عرض لوجهة نظرها من جهة ، ووجهة نظر العراقيين من جهة أخرى خصوصاً جدتها رحمة . ولكن بعد دخولها العراق وتعرفها الحقائق عاشت صراعاً بين إنتمائها إلى جذورها العراقية وإنتمائها الى الهوية الجديدة . ومهما يكن من أمر فإنها لم تعد أميركية . هي إنسان من منبعٍ آخر بعيدٍ موغلٍ في القدم . وتنتهي الرواية بعبارة ذات مغزى عميق ” شلت يميني إذا نسيتك يا بغداد ” .

الشخصيات في رواية الحفيدة الاميريكية
1_مهاد نظري
الشخصية الروائية مثلها متل الزمان والمكان منتمية إلى عالم متخيل وإنتماؤها إلى هذا العالم يجعلها نتاجاً للخطاب الذي يصوغه الروائي (1) . ويعني ذلك ان البعد التخيّلي في بناء تلك الشخصية موازٍ لرؤية المؤلف ولهمومه الأدبية الإستراتيجية . فكتابه الرواية مغامرة مع توافر مرجعيتها الواقعية ، وحضور الملامح الاساسية لمكوّناتها .
والفنية الناجحة في التعامل مع الشخصيية تكون في نجاح الاديب في إيهامنا بان الاحداث هي التي تصنع الشخصيات ولا تقتصر وظيفتها على إظهارها لنا (2) .
تحدثت آمنة يوسف في أثناء تناولها الشخصية عند الواقعيين التقليديين، فقالت :” إن الشخصية عندهم حقيقية ( شخص من لحم ودم ) ، لأنها تنطلق من إيمانهم العميق بضرورة محاكاة الواقع الإنساني المحيط” (3) ويقول حسن بحراوي أن الشخصية ليست سوى ” مجموعة من الكلمات لا أكثر ولا أقل ” (4)
والذي لا شك فيه أن الشخصية الروائية ليست مما رآه الواقعيون فيها بشيء . وما رآه حسن بحراوي هو السليم المتناسب مع مفهوم الادبية العلمي . ولذلك (( يجب ان يُنظر إلى الشخصية الروائية على انها “علامة” وتغدو على هذا الاساس جزءا من العلاقات التي تكوّن نظامها . ويقودنا هذا إلى التفاعل مع “زينة ” في رواية ” الحفيدة الاميركية ” بوصفها ( علامة ) ( شخصية ) لا شخصاً ، كائناً سيكولوجياً ، فكيف إستطاعت شخصية زينة أن تكشف للمتلقي عن المواجهة التي جرت داخل نفسها بين رغبتها في تحويل العراق إلى وطن ديقراطي وبين الوسيلة التدميرية التي برزت في أثناء الحرب التي شنتها اميركا على العراقيين ؟ وهل ظلّت زينة على رغبتها أم أنّ تحولاً قد جرى داخل ذاتها ؟ إن شخصية زينة لعلامة غير عادية. وهي ليست شخصية إشكالية فحسب ، ولكن الرغبة التي حدتها إلى المجيء إلى العراق مجنّدة في الجيش الاميريكي هي رغبة إشكالية بإمتياز . تختزن من الاصالة الانسانية بقدرما حملت من آراء صاغها الاميركيون بناء على حربهم الناعمة التي شنّوها على كل ما هو عربي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – Barthes , introduction a l’analyse structule de recits in communication , N 8 P216
2 –Rossum-Gyon , critique du roman ed , gallimard 1970   P 140
3 – آمنة يوسف ، تقنيات السرد في النظرية والتطبيق ، اللاذقية دار الحوار ، 1997  ص 25
4 – حسن بحراوي ، بنية الشكل الروائي ، ص 213
2_إحصاء الشخصيات وتصنيفها
تضمن رواية إنعام كجه جي ” الحفيدة الاميركية ” مجموعة من الشخصيات بعضها أدى دوراً محورياً في تطور الاحداث وتناميها ، وأدى بعضها الآخر دوراً هامشياً وذلك كله وفاق رؤية الكاتبة التي وظفت هذه الشخصيات في نقل رؤيتها إلى مادة الرواية ، الاحتلال الاميريكي للعراق .
الشخصية الرئيسة :
تحظى الشخصية الرئيسية باهتمام السارد الذي يربط سير الاحداث بها . فتقوم بدور فاعل في بناء الرواية . أضف إلى ذلك أن وجودها قد يقوم بتوجيه هذه الاحداث .
ويجد المتلقي أن شخصية زينة بهنام هي الشخصية الرئيسة التي استقطبت اهتمام الكاتبة من خلال الدور الذي أسندته إليها. فزينة ذات الجذور العراقية، استقرت مع والديها في الولايات المتحدة الاميركية بسبب الاضطهاد في وطنها، ولكن هويتها الاصلية لم تمت بداخلها. ظلّت حيّة تفعل فعلها بشكل مضمر خفي. زهي حين عادت الى وطنها  العراق جندية في صفوف جيش الاحتلال جسّدت موقفاً إشكالياً في التاريخ العربي والانساني . لقد أبدلت الحرب الناعمة التي أجادت أميركا حوك أساليبها هوية زينة ، وسلخت جلدها فتخلت عن الإنتماء إلى العروبة والوطن ،حتّى وجدت نفسها تعود إلى عصور الغزو والاحتلال واستعباد الشعوب .
ويبقى أن السبب العميق في مجيئها جندية أميركية تحارب العراقيين أبناء جلدتها لا يقتصر على الظلم الصّدامي والرّغبة في استبدال نظام ديمقراطي بنظامه ، ولا على الاساليب الاميركية في إعادة تكوين الانسان العربي لتحويله إلى أداة تُستَخدم ضد العرب فحسب ، فالمجتمع الاميريكي القائم على تشييء الانسان وعلى ما يخلفه ذلك التشييء من مفاسد هو سبب جوهري في مجيئها إلى العراق . ولعل السبب القوي الذي دفع زينة إلى العودة إلى العراق جندية أميركية هو الدولار الذي تنتظر حصاده في نهاية الحرب وبعد إنهاء عقدها مع الجيش ، وذلك لتحسين أحوال عائلتها المالية ، ولمعالجة أخيها المدمن ، ودفع أقساط جامعته .
” سنة واحدة أو سنتين بعدها تعتدل الامور وأغسل صدر أمي من سخام السجائر الرخيصة التي دخنتها بإفراط وهي تنتحب ” . ” النقود سعادة أخرى وأنا سأجلب السعادة لوالدتي .. لن أدع الفرصة تفوت “(1)
يعني ان مجيئها الى العراق لا يمكن تبسيطه ولا يمكن ان يحول دون قدرية الانخراط في الحرب الاميريكية القذرة ضد وطنها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 – إنعام كجه جي ، الحفيدة الاميركية ص 17
3_البرنامج السردي
كانت  تجربة والد زينة مع الحاكم العراقي قبل هجرة العائلة الى اميركا سلبية . عُذّب بوشاية كاذبة.وكان من الطبيعي أن تنشأ هذه الصبية على موقف معادٍ لنظام صدام حسين . وإذا ما أفادت أميركا من أخطاء النظام العربي ممثلاً بنظام صدام حسين ، فأظهرت عطفاً على المهاجرين من أوطانهم بسبب ظلم نالهم ، ومدت إليهم يد العون جنسية وعملاً . فلكي توظف مظهرها الايجابي هذا ، في تجنيد هؤلاء المهاجرين لمآربها حين يحتاج الامر إلى ذلك . وجاء غزوها العراق ليضع رغبة زينة في إقامة نظام ديمقراطي في العراق موضع التحقق . جنّدت زينة في هذه الحرب بصفة مترجمة تجيد اللغتين الانكليزية والعامية العراقية . وموضوع رغبة كهذا هو موضوع رائع بما لا يقبل الشك . إلا أن زينة وهي تمنّي النفس في أثناء قدومها مع الجيش الاميريكي إلى العراق بدور وطني إنساني تسديه إلى العراق ، وطن النشأة لم تكن على دراية بما بات يسمى بالحرب الناعمة ، وأنها قد وقعت فريسة من فرائس تلك الحرب التي تجيد الولايات المتحدة الاميريكية نسج خيوطها وإدارتها .
وإذا كان الامر كذلك ،كيف تعاملت زينة مع موضوع رغبتها ( ديمقراطية العراق ) بعد اصطدامها بالواقع ؟
لا شك في أن الدافع إلى أن تلبس زينة بذة مجنّدة أميريكية ، وأن تأتي إلى العراق على الدبابة الاميركية كان دافعاً إيجابياً بالنسبة إليها ، لا يخفي أي نوايا مبيّتة ، وهي لا تضمر أي سوءٍ للعراق .
وكانت ترى ، بصدقٍ مع نفسها، أنّ فائدة المجيء العسكري الاميريكي الى العراق يصب في مصلحة الشعب العراقي . وإذا كانت الذاكرة عاملاً مشجّعاً على المجيء الى العراق مجنّدة ، ما جرى لوالدها ، والاضطرارالى الهجرة،خصوصاً أن اميركا قد نجحت في إيقاع زينة فريسة حربها الناعمة،إلّا أن جدتها،وما جرى على أرض الواقع كانا عاملين فاعلين في تحويل وجهة نظرها والقضاء على موضوع الرغبة الذي حملته معها من اميركا .

4_الصراع الداخلي والتحوّل
عمدت الكاتبة من خلال هذه الرواية إلى إلقاء الضوء على الصراع الداخلي الذي احتدم في ذات زينة فأنهك روحها وأدخلها في ظلمة الكآبة : ” كنت اريد أن أتباهى أمامهم بأنني منهم سليلة منطقتهم أتكلم لغتهم بلهجتهم وبأن جدي هو العقيد الركن يوسف الساعور ” ( 1 ) .
مررنا برجال ذوي شوارب كثيفة ولباس أبيض يعتمرون كوفيات ناصعة ظهروا من وراء أشجار السرو راحوا يرمقون رتلنا بنظرات من نار ، وددت لو أقفز من المدرعة وأصيح ( الله ساعدهم ) ” (2) . لكن كل ذلك كان مخالفاً للتعليمات . إن كل ثرثرةٍ قد تعرضني ورفاقي للخطر ، والتعليمات تريدني خرساء ، لذلك تضايقت للمرة الاولى من بذتي العسكرية التي تعزلني عن الناس كأني في خندقٍ وهم في آخر “” وكيف لي أن أكون إبنتهم وعدوتهم في آن ” (3) .
تنطوي شخصية زينة على بعد مقاوم فلديها حسّ عفوي بالانتماء الى العراق والى اهل العراق من جميع الطوائف . لم تتقبل المزحة التي قام بها رفاقها  .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 –  إنعام كجه جي ، الحفيدة الاميركية ، ص 15 .
2 – م . ن . ، ص 14 .
3 – م . ن. ، ص 15
” رايت شون وهاملتون وبيل يتسلون بأداء فصل تمثيلي ثم  قيل لي أنهم عادوا للتو من دورية حراسة في الكاظمية حيث شاهدوا مراسم عاشوراء وها هم يقلدون ما رأوا وفهمت بأن بيل يصرخ حيدر .. حيدر ” (1) إن ضحكات هؤلاء وحركاتهم استفزّت زينة مع ان الدين لم يكن دينها. غدت زينة في تلك اللحظة على يقين أنّ العراقي المسلم هو أقرب إليها من الامريكي المسيحي . وفي لحظة غضب عادت زينة إلى جذورها العراقية الاصلية ، ودغدغها الانتماء القومي ، فلم تستطع إلا أن تكون محاميةً عن الشعب العراقي أجمع بمختلف أطيافه . ” لم يكن صوتي هو الذي يخرج من بين شفتيّ لعله صوت أبي المذيع أوصوت طاووس أو المؤلفة التي تتقمصني وتقلّد نبرتي ” . (3)

لعلّ التبدل الاكثر اهمية في حياة زينة هو اقتناعها بصحة مواقف أهلها القومية .
أصابها الذهول بعدما شاهدت الصور في التلفزين خصوصاً بعدما شاهدت المجنّدة الاميركية تسحب السجناء وراءها كالكلاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – إنعام كجه جي ، الحفيدة الاميركية ، ص 120 .
2 – م . ن ، ص 120 .
3- م . ن ، ص 120 .

“من اتى بهذه القحبة التي تسحب السجين مثل كلبٍ وراءها … من أتى بها إلى جيشنا”.(1)
تتذكّر تعذيب أبيها في دائرة أمن السعدون . تخيّلت أن المجنّدة ليندس انغلاد تربط أباها من رقبته بحزام من أحزمة الكلاب وتجرّه وهو عارٍ ، تصاعد الصديد إلى حلقها وأنفها ، صرخت ” كيف سأنظر في وجه بابا ” .
أشعرتها هذه المشاهد بالندم وردتها إلى كونها عراقية . لقد أبدل هذا الجيش الغازي التعذيب بالتعذيب . دخل العراق لنشر الديمقراطية . ” أين هي هذه الديمقراطية ؟ ” .
حتى لنستطيع القول أن الاسرائيلي وإن ادّعى أنه يقتل تحت شعار الدفاع عن النفس، فإن الاميركي يقتل تحت شعار بناء حقوق الانسان . فأيُّ عالم هذا العالم ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 – إنعام كجه جي الحفيدة الاميريكية ص 12

كلمة أخيرة
إن رواية إنعام كجه جي الموسومة بعنوان ” الحفيدة الاميركية ” كانت رواية علامية بإمتياز : تبدأ علاميتها ممّا يحمله العنوان من دلالات مكثفة تضجّ بالصراعية الهائلة بين قطبي الاحتلال الامريكي : الشعب العراقي الذي أُسلِم إلى قدره يواجهه بقلب موجعٍ محروق ، والدولة الاميركية التي ترتكب باسم  حقوق الانسان أبشع صور الاعتداء على الانسان . وسجن أبي غريب حقيقة عنيدة لا تجادل . لقد نجحت أدبيّة هذه الرواية في قراءة الغور البعيد لكل ظلم يقع على أي إنسان في العصر الحديث. فتّش عن أميركا وإسرائيل.

شاهد أيضاً

ندوة “عاشوراء نبضة الألم ونهضة الأمل” في معهد المعارف الحكمية

شارك الملتقى الثقافي الجامعي في ندوة أقامها عصر يوم الإثنين في 11 أيلول 2023 معهد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *