الرئيسية / أبحاث / فرانكشتاين في بغداد

فرانكشتاين في بغداد

د. لميس حيدر*

“فرانكشتاين في بغداد” شخصيةٌ متخيَّلة تدمي العراق  

مجلة المنافذ الثقافية، بيروت، دار العودة، ع 13، شتاء 2016.

مُلخص الرواية:يحكي هادي العتاك قصصا على مسامع محيطيه العراقيين عن شخصية مكوّنة من جثث مقتولة، وينتشر خبرها بين الناس البسطاء والمتعلمين، كذلك الممسكين بزمام الأمن.  يتداول الناس القصة بداية على أساس أنّها حكاية وهمية من خيال عتاك، ثم لا يلبث أن يبيت   المتخيل القاتل حقيقة يتم البحث عنها من قبل المحققين. وقد أُطلِق على تلك الشخصية المتخيلة تسميات عديدة، أكثرها بروزا “فرانكشتاين”.

وهذه الشخصية التي خيطت أعضاؤها من أجساد الميتين تتوجه لتقاتل انتقاما لأجزاء جسدها. ويغدو مضيها في هذا الموضوع شائكا وعرا، لا انتصار فيه.

مدخل:

تستفيد الرواية من العالم المحيط، لتكتب أحداثه من خلال رؤية مبدعها، وهذا يسميه النقاد وجهة النظر، أو البؤرة، أو التبئير، أو حصر المجال، أو زاوية النظر. ويقدّم الراوي قصّه حينها “بحيوية يُنسى معها وجود الراوي، ويتجسد المشهد حياً بشخصيات الرواية”(1).

وقد يشارك الراوي في القص، مستخدماً ضمير الأنا، غير أنّ “هناك مسافة تفصل بين الروائي والراوي، فهذا لا يساوي ذاك؛ إذ أنّ الراوي قناع من الأقنعة العديدة التي يتستر وراءها الروائي لتقديم عمله”(2).

 

وقد قسّم بويون علاقة الراوي بالشخصيات، واستفاد من تقسيمه تودوروف الّذي ميّز مفهوم الرؤية لدى الرواة، وحددها بثلاثة أنواع:

1_ يعلم الراوي أكثر من الشخصية، الراوي <الشخصية، وهنا الراوي يعرف حتى ما يخفى عن ناظريه (( vision par derrière .

2_ يعلم الراوي ما تعلمه الشخصية، وهنا الراوي = الشخصية،  (رؤية مع) (Vision avec).

3_ يعرف الراوي أقل مما تعلمه الشخصية، وهو الراوي>  الشخصية (الرؤية من خارج) (vision de dehors).

وسنستفيد من تقسيم أوسبنسكي ل “وجهة النظر”، أو الموقع الذي يرى منه الراوي عالمه الروائي، وهي عبارة عن ثلاثة مستويات:

1_ المستوى الأيديولوجي.

2_المستوى التعبيري.

3_ المستوى السيكولوجي.

 

1_المستوى الأيديولوجي(Idéologique):

يمكن إدراك المستوى الأيديولوجي في النص الروائي من خلال وجهتي نظر، هما:

أ_ داخلية، وفيها يترك الراوي لشخصياته التعبير عن طريقة تفكيرها، لذلك تتعدد الأيديولوجيات  المتعارضة، أو المتآلفة، بشكل كلّي، أو جزئي. وآراء الشخصيات هنا قد توافق مفاهيم المؤلّف، وقد تخالفها.

ب_ خارجية، تُستَنتَج من النص السردي كلّه.

2_المستوى التعبيري(Phrasiologique):

يُعنى هذا المنظور بأساليب التعبير، التي يستخدمها الراوي في خطابه، الذي تتحكّم به صيغتان أساسيتان، هما:

أ_ السرد ((Narration.

ب_العرض (Représentation).

يكون المؤلّف في الصيغة الأولى مجرد شاهد، يقدّم الأحداث، من غير أن تتكلّم الشخصيات. أمّا في الصيغة الثانية، فتهيمن أقوال الشخصيات في أثناء جريان الأحداث . (3)بمعنى آخر تكون صيغة الخطاب المسرود (Narrativisé) عبر مراقبة الرّاوي الكلية، أما صيغة الخطاب المعروض، فلا وجود للراوي فيها(4).

ويفرق النحو التقليدي بين أسلوبي التعبير المباشَرُ (=المنسوب)((Rapporté، وغير المباشر (=المنقول) (Transposé)، اللذين يتصف الأوّل منهما بتقديمه خطاب الشخصيات بحرفيته، بينما يعمد الثاني إلى تفسير الكلام(5).

إضافة إلى أسلوبي التعبير السابقين، أي المسرود، والمعروض، أو المباشر وغير المباشر نذكر “الأسلوب غير المباشر الحر“، الذي اكتشفه اللغوي السويسري ميشال بايي، ويكون خلاله كلام الشخصية منسوجاً مع كلام الراوي من دون استخدام إشارات التنصيص، وأفعال القول(6).

ويبقى أن نذكر التناجي، أو المونولوج، وهو “خطاب تلقائي، شبيه بالأسلوب المباشر غير المنسوب”(7).

3_- المستوى النفسي (Psychologique):

يستفيد السرد بما فيه من أحداث زمكانية تقوم بها الشخصيات من المنظور النفسي، الّذي يقسّمه أوسبنسكي إلى قسمين، هما: المنظور الذاتي، والمنظور الموضوعي. ويقول في هذا المجال: “عندما يصوغ الكاتب بناءه القصصي يختار بين طريقتين: أولاهما، أنّه يستطيع أن يبني أحداثه وشخصياته من منظور ذاتي، من خلال وعي شخص ما، أو عدة أشخاص. وثانيهما، أنّ يستخدم معطيات إدراك وعي أو أكثر، أو يستطيع أن يستخدم الوقائع كما هي معروفة له هو، وقد يذهب إلى استخدام الطريقتين في توافق أو توال”(8).

بعد هذا المدخل سأبحث في رواية “فرانكشتاين في بغداد” العناوين الآتية: المنظور الروائي، الراوي موقعه وعلاقاته، إضافة إلى مستويات الرؤية السردية الثلاثة، وسأبدي في أثناء التحليل كيف قدّم الرواي واقع العراق المأزوم في الحرب، محاولة الإجابة في أثناء ذلك عن أسئلة، هي: كيف تعاملت شخصيات الرواية مع عالمها المتخبط؟ أيمكن للعراق أن يستعيد قواه مجدداً في ظل وجود قادة قصيري النظر؟ أتُلمح الرواية إلى مأزق العالم العربي برمته، وليس العراق وحده؟ و ما هو نوع السرد المستخدم في أثناء تقديم شخصية فرانكشتاين؟

قبل الغوص في تحليل العناوين الواردة اعلاه، سأُجيب عن السؤال الأخير، الّذي قد يفكّر فيه قارىء رواية “فرانكشتاين في بغداد”. وسأمر عليه سريعاً، كونه ليس محور اهتمام الدراسة، وهو مدى انتماء السرد عن شخصية فرانكشتاين إلى الحكاية الشعبية، أو الأسطورة، أو الخرافة.

شخصية فرانكشتاين:

يبدو أنّ ظهور فرنكشتاين من مخيلة بسيطة، وهو هادي العتاك، الذي يحكي حكاية شعبية، بطريقة شفوية، قبلها الجميع، إلى حد آمن بمضامينها الناس، ولا سيما مثقفيهم، وأرفعهم منزلة، ثمّ راحوا يبحثون عن تلك الشخصية المتخيّلة بينهم، يلغي نسبة هذا النص إلى الأسطورة، التي “تعود في الأصل إلى الديانات المبكرة، وأبطالها هم الملائكة والآلهة وأنصاف الآلهة، وهو ما جعل الأسطورة تُطبَع بالقداسة”((9.

وقد يسأل القارىء مجدداً هل شخصية فرانكشتاين خرافية في النص؟

إذا عرفنا أنّ مخيلة العتاك تتحدّث عن شخصية خيطت من جثث ميتة، وعلمنا أنّ أفعال الشخصية إجرامية وترفض عالمها المتخبط، ولا ترتقي عنه إلى سواه، أدركنا أنّها تتقارب مع شخصية الخرافة التي تقدّم أعمالا خارقة وعجيبة، والتي يغذيها “موقفين متناقضين، أوّلهما: انتماؤها إلى نتاج الخيال والهذيان والوهم، وثانيهما: خضوعها للإسناد الذي يفترض صحة انتساب القول لقائله…الخرافة، ما هو إلا إسناد ما لا حقيقة له إلى ما لا وجود له”(10). والخرافة هي “الحديث المستملَح من الكذب”(11). وقد كانت قديماً متداولة شفاهياً، وهذا يتوافق تماماً مع ما يصدر من حكايات على لسان هادي العتاك.

إنّ ما أوردناه يؤيّد انتماء شخصية فرانكشتاين إلى الخرافة، غير أنّ ما يدحض انتسابها إليها، هو أنّ الخرافة تحوي عناصر “شبه ثابتة… وهي الحيوان و…”(2 1). وهي “حديث الليل” كما ذكر ابن منظور(31). ولأن مضامين أحداث الرواية لا تحوي هاتين الخاصتين، علمنا أنّها لا تنتمي إلى الخرافة.

بناء على ما ورد يمكننا القول أنّ شخصية فرانكشتاين تغتذي من الخرافة، لكنها ليست امتداداً متكاملا لها. كما يبدو لي من أحداث النص التي تملك أكثر من راو، وأكثر من مروي له، وأكثر من رواية عن شخصية فرانكشتاين(14)، وقد عبرت تلك الأحداث عن أنا الجماعة، أنّها تحوي مسحة خرافية. فقد كان هادي العتاك ممسكا بزمام السرد الحكائي بداية، ثمّ راح الناس  يسردون حكايات عن فرانكشتاين، أو الشسمة، أو x، أو الذي لا اسم له. إذاً تعددت الحكايات بتعدّد الرواة، الذين أضافوا أحداثا على حكايات هادي العتاك، ف “جلاس مقهى عزيز المصري ينشرون حكايات العتاك”(15).

لقد خرج هذا النص إلى حد ما عن النمطية الحكائية الخرافية في أثناء سرد الحكايات عن فرانكشتاين من قبل هادي ومحيطيه، والخروج الجزئي هنا ليس هدفه تعطيل الموروث، وقد بيّنا كيف استفاد منه، ونهض من خلاله، غير أنه لم يشل مجريات الحاضر الواقعي، المقدّم بطريقة مرمزة(16).

ولأنّ عملنا هنا هدفه دراسة الرؤية السردية، سنكتفي بهذا القدر من المعالجة، لندرس بداية المنظور الروائي، الراوي موقعه وعلاقاته.

 

1ً_- المنظور الروائي، الراوي موقعه وعلاقاته:

يتخذ الراوي في الرواية صفة الراوي العارف كل شيء <  الشخصية، ذي الرؤية من خلف، وهو راو غير مشارك في صنع الأحداث.

ينقل الراوي قول الشخصيات مستخدما ضمير الغائب في أثناء نقل كلام الشخصية، وهو الذي يعرف ما يدور بداخلها من أفكار. ويمكننا أن نستفيد من أمثلة كثيرة، نستمدها من النص الروائي، لنبرهن صحة ما أوردنا. يقدّم الراوي الحدث، ويورد ما تقوله الشخصية، ثم يذكر ما تفكّر به في خلدها، ويشرح الموقف.  يقول: “زار الشسمة هادي في الليلة نفسها التي شهدت مجموعة من حوادث القتل… وبعد تحذير عزيز المصري له بأن يتوقف عن سرد حكايته مع الجثة المقطعة التي خاطها بيديه… كان هادي يشرب قدح العرق الأخير حين ظهر الشسمة في باب غرفته. وشعر هادي حين شاهده يقف على مبعدة عدة أشبار منه بأنّه يقف أمام شيء ظن أنّه مجرد كابوس سيء ومزعج. وما دام هذا الكابوس تجسد أمامه فإنّ نواياه لن تكون طيبة. لقد جاء من أجل قتله”(ص141). يتآمر خيال المتلقي على عقله ، فيقتنع بماهية الحدث الوهمي، الذي يغدو حقيقة الرواية، بعدما يتشتت ثبات وعيه، وينعدم أمام هذيان هادي. تتجاور المغالطات الذهنية مع المنطق، الذي لا تلبث أن تهدم حضوره. ويمكن أن نتيقن من صحة ما أوردنا من خلال تقديم الراوي ما يدور في خلد العميد سرور. يقول: “كيف ستكون هيئة هذا المجرم يا تُرى؟ فكّر العميد…كيف سيكون هذا الرجل الذي تخترق الرصاصات جسده فلا يموت أو ينزف”(ص139). إنّ معرفة الراوي لما يدور في خلد العميد يرهق اتزان المتلقي، فيتضعضع تفكيره، ويقع في شرك وهم العميد، الذي كان من المفترض أن يتمتع بعقلانيته المحضة، ويروح يلتزم طوعا بمجريات أفكار يطرحها محلل سياسي، قابض على زمام السلطة.

ويترك الراوي الشخصية أحياناً تتكلّم بضمير الأنا، وقد حصل هذا عندما تحدّث الشسمة عن نفسه. يقول: “نجحت في تركيب العينين الجديدتين، وبدأت أرى ما حولي. شاهدت جثة العجوز البريء… فهذا الرجل نعجة ساقها الرب باتجاهي … كان سيموت بعد دقائق… ستناله رصاصات المتصارعين… لم أقم إذن، إلا بتسريع الموت… وسيموت كل الأبرياء الذين يتخذون ذات الطريق الموحش”(ص178 ). يبدو لي أنّ ما يعنيه في أثناء قوله:”ذات الطريق الموحش”، أنّ الأبرياء لن يسلموا من الهلاك، لأنّ الحياة ستسوق السيئين إليهم عاجلا ، أم آجلا؛ إذا، النقاء الخلقي في عالم فاسد نهايته وخيمة. واستخدام ضمير المتكلّم يوهم بواقعية الشخصية المتخيّلة.

ويسرد الراوي في رواية “فرانكشتاين في بغداد” البراني، وينقل الداخلي، عارفا الفكرة المسيطرة على ذهن الشخصية. يقول عن العميد سرور:”قلّب القنوات العراقية كلها فشاهد أنها ما زالت مشغولة، والكل يتراشق الاتهامات، وهاجس ما في رأسه يقول له أنهم مخطئون، والمتهم الحقيقي ما زال هارباً ويجب إلقاء القبض عليه”(ص138). يُرسَم المشهد أمام القارىء، فيغدو كأنّه حقيقة فعلية مجسّدة بأحداثها الخارجية، ولأنّ الوعي بما يحصل لا تكتمل دورته من دون الغوص بهواجس الذات، يعبّر الراوي عن ذلك، تاركا للمتلقي تلمس تفاصيل العيش بصورة متكاملة، تتنامى مع تطور السرد، فيتماهى بذلك وعيه مع سيرورته.

ويدقّق الراوي في تقديم الأحداث، فيتجلّى شديد الملاحظة، و التفسير، والمقارنة، بعدما يتنقل من شخصية إلى أخرى في اثناء تناوله موضوعاً واحدا، يسعى أن يتلمس جميع جوانبه. وهذا بدوره يساهم في بناء فهم خاص لدى القارىء، الذي يعي طبيعة الشخصيات، وطريقة تفكيرهم. يقول عن محمود الصحفي المتأثّر بأستاذه السعيدي: “هو معجب به، هذا الرجل سوبرمان…إنّه يجد العذر له في هذه الطبقات الكثيفة من الحقائق الهشة التي يغطي بها نفسه… يتحرك محمود في دائرة الأوهام أو التخيلات أيضا. لقد اكتسب العديد من صفات ملهمه وأستاذه، لقد ازداد سمنة. يحلق بشكل يومي، يرتدي بدلات… رغم أنّه كان يسخر سابقا، مع اصدقائه فريد شوّاف وعدنان الأنور… ويرى أنّها أصبحت ترتبط …بأفراد الميليشيات المسلّحة الذين ينزلون من سياراتهم وسط الشارع بكامل الأناقة ليسحبوا شخصا ما من محله أو سيارته ويبهدلون أحواله او يقتادونه إلى جهة مجهولة”(ص198). ينقل ما اعتادت عليه بعض الشخصيات، وما رفضه البعض الآخر، وقاطعوه، وسخروا منه، ثمّ عادوا والتفوا حوله، لأنهم وجدوا تبريرهم للانقياد وراء فكر مناقض لوعيهم السابق. يجلو النص ارتياب الناس من واقعهم، وخروجهم عن هيئتهم الاعتيادية لأجل مصلحة جديدة، تفضي بهم إلى عالم لا ينتقص من رغباتهم الدفينة. هذا النوع من التدقيق في طباع الناس، والمقارنة بينهم، ثمّ تبدّلهم من حال إلى حال يقنع المتلقي بطبيعة العيش والناس.

ويكثر من تفسير الأحداث، التي تضيء السرد، وتكشف نفسية الشخصية، أو ما يدور في خلدها من أفكار وأمنيات، وهو في أثناء ذلك يستخدم ضمير الغائب. يقول: “سيقضي هذه الليلة في الدائرة أيضاً بانتظار عودة فريق الملاحظة، ويأمل أن تكون نهاية القصة. ونهاية الصداع والقلق والتوتر. سيكون موقفه ممتازاً أمام الأميركان وكذلك أمام الأحزاب القابضة على السلطة… .ولربما رقّي إلى رتبة أعلى، أو خرج من الظل الغامض والداكن الذي يرقد فيه منذ سنتين”(ص139).   إن ما ورد هنا هدفه إماطة اللثام عن قناع الشخصية، الذي تتستر وراءه. إنّ هذا لا يكشف جدية العميد في اكتشاف الحقيقة، وسعيه لحماية البلد، إنّما غايته أيضا الغوص في نوايا الذات الإنسانية، الطامحة أبداً إلى الأفضل. وهذا طبعاً يغني السرد، ويوهم بواقعيته.
2ً- المنظور النفسي:

يستخدم الراوي المنظور النفسي الموضوعي في السرد، وهذا يبدي فكرة إرهاق الحكام للشعب، وعدم مساهمتهم في تحرره من قيده. نقرأ ذلك عندما ينبه عزيز المصري صاحب المقهى لهادي ، ويقول له ألا يتكلّم في موضوع الشسمة، لأنّ هذا الكلام يشكلّ خطرا عليه. يقول عزيز المصري: “_حكاياتك دي ح توديك في مصيبة..انته عارف لما يمسكوك الأميركان ياخدوك على فين؟… .طرق قلب هادي بضربات مفاجئة، ولكنه أكمل غداءه. وقرر مع نفسه، دون أن يخبر صديقه عزيز، أن لا يذكر حكاية الجثة أبدا بعد اليوم. أخبره عزيز…ما روته أم رغد وبناتها عن الشخص الذي داهمهم في الظلام وخنق الضابط… كان جسمه لزجا …رموا باتجاهه إطلاقات كثيرة. كانت تخترق جسده ولا تؤثر في ركضه”(ص97).  لقد عاش الناس تحت تأثير الوهم، وتمدّد الخيال وانتشاره، فتحللت رؤاهم من لباس الحق شيئا فشيئا، وبات اللامنطق مؤسس لنظرتهم الباحثة عن حقها في البقاء. وهذا التشويق في خلق تلك الشخصية التي يتوه القارىء بين حقيقة وجودها، وانعدامه، والتي لا تلبث أن تلبس وجها واقعيا يجعل المتلقي يرفع عن كاهله اعتقاد  أنّها متخيلة، أو لنقل يكاد يستثني هذه الفكرة، إنّما هو محاولة لتفسير التشتت الذهني الذي أصاب الناس.

وقد يسأل القارىء السؤال الآتي: لماذا تنجب مخيلة هادي الطيبة البسيطة في نص الرواية شخصية شريرة فتاكة؟ هادي المتعب من الحرب أراد الترفيه عن نفسه، وكانت رؤاه عاجزة عن قراءة الأمور الحاصلة، فراحت أفكاره الساخطة على الواقع، والراغبة في الانسحاب من الدمار المادي، تحلّق بعيداً نحو سلام نفسي لاه.

ولأنّ هادي يستمر في اختراع الحكايات، يتم التحقيق معه(ص215) ، ويُطوِّق ضابطان سريره، ويستأنفان “الأسئلة حول الجرائم التي يرتكبها في شوارع بغداد، وأحيائها ويتم نسبتها إلى شخص خرافي خيالي مجهول اسمه “الذي لا اسم له” “(ص216)، وهنا يستفيد الراوي من المنظور الموضوعي ليقدّم المشهد. يبدو لي أنّ ما ورد لحظ الهموم، وقد كانت الفكرة المبتدعة في النص في أثناء البحث عن الشخصية الوهمية القاتلة كفيلة في اجتراح المشكلة، وتقديمها بطريقة تجلو إلى حد كبير مدى الاضطراب العقلي، الذي يصيب جمهور الناس. لقد استطاع الراوي من خلال المنظور الموضوعي أن يتلمس مأساة الناس، وظلامية خوفهم المؤدي إلى انهيار مصير البلاد.

ويتبادر إلى الأذهان السؤال التالي، وهو: هل شخصية فرانكشتاين مبتكرة، أم أنّ جذورها مستمدة من أصول أخرى معروفة؟ يبدو أنّ هذه الرواية قد استفادت من رواية أخرى هي “فرانكشتاين” لماري شيلي، وفيها تتعلم شخصية فيكتور فرانكشتاين الكيمياء وتصنع وحشاً(17). يقول: “تمكّنت من خلق الحياة ولكن الحياة تحتاج إلى أن تكون داخل الجسد. لذا ذهبت إلى المشافي ونظرت إلى المزيد من الجثث الميتة، فأرجعت أجزاء من الجثث البشرية إلى مختبري. وبعد عدة أشهر بدأت بخلق شكل بشري… قررت أن أصنع شخصاً طويلاً شديد الضخامة… كان الجسد يتحرك”(18).

والفارق القائم بين شخصيتي فرانكشتاين والوحش في الروايتين، أنّ الأولى في رواية أحمد سعداوي خيالية، ولا تكون حقيقية إلا في أذهان الناس، الذين يصدّقون حقيقة وجودها. أمّا في الرواية الثانية لماري شيلي، فشخصية الوحش حقيقية، تشعر وتطالب خالقها فيكتور فرانكشتاين صنع زوجة (19). يقول لصانعه: “لم أشعر سوى بالكراهية تجاهك… لقد منحتني قلباً ملؤه المشاعر، ثمّ أرسلتني إلى عالم قاس، وجعلت مني وحشاً قبيحاً كرهه البشر وخافوا منه… لم أكن أفكّر إلا بالانتقام”(20).

ونقرأ المنظور الذاتي عندما يدرك هادي أنّه أيضا على لائحة الشسمة. يقول هادي للشسمة: “_اجعلني في الأخير.. أنا لا أريد حياتي أصلا.. ما حياتي؟.. ما أنا وحياتي.. أنا لا شيء.. أموت أو أحيا.. أنا لا شيء.. اقتلني، ولكن في الأخير.. اجعلني آخر واحد”(ص146). إنّ كلام الشخصية المتخيلة على ذاتها، وشرح أوضاعها مهمته إيهام القارىء بحقيقة وجود شخصية فرانكشتاين. كما أنّ غاية الراوي إقناع المتلقي بما تحمله تلك الشخصية من مواصفات، بعد تزويده بمزيد من المعلومات عن كيفية تشكُّلها(21).

ونجد مثل هذا التهديد الموجّه من قبل شخصية خيالية لمن صنعها، في رواية فرانكشتاين لماري شيلي، وذلك عندما يطلب الوحش من صانعه فيكتور فرانكشتاين أن يستمع لهمومه، وأن يفعل له ما يريد، وإلا قتل كل أصدقائه(22).

ويغلب على النص المنظور النفسي الموضوعي، لأنّ مجريات الأحداث تُنقَلُ إلينا كما هي معروفة لدى مدركها(23). يقول: “التقارير الأولية التي أعدّها فريق المنجمين في مكتب العميد سرور مجيد …”(ص123). إن عملية التحقيق التي قام بها العميد سرور مستفيدا من المنجمين، لاختراق الحقيقة كانت نشازا، وأدت إلى تشتت الحقيقة، وإرهاق العراقيين، عوضا عن تطهير الأرض العراقية من أي وباء يمكن أن يحلّ فيها. ففرنكشتاين وحده القوة، وهو المخيف، من دون أن يكون وجوده منطقيا، وقد تمكّن هادي نتيجة امتلاكه مخيلة خصبة من إخافة الناس وتهويلهم، وهو الذي عهده المحيطون مؤلف أقاصيص كاذبة. إن المنظور الموضوعي ساهم في توضيح العبثية الخيالية في النص، تلك التي استطاعت إقامة علاقة وطيدة مع الواقع.

تتحوّل المسألة بين هادي ومسليهم من مجرد تسلية، إلى قضية وجودية. وإذا كانت الناس البسيطة استطاعت أن تهيمن على نخبة النظام العراقي، فما هي الحال التي ستؤول إليها تلك البلاد؟! حتى لا تكون الأفكار اعتباطية، سنترك المجال لبعض التساؤلات، التي من الممكن أن تتلمس بعض ما أراد نص “فرنكشتاين في بغداد” الرمز إليه. من بين هذه التساؤلات: هل يمكن أن تكون هذه الحالة المتخيّلة في النص شاذة ، ولا تخصّ إلا العراق وحده، أم يمكن أن تكون امتدادية، تظلّل الوطن العربي بأكمله؟ أيحمل هذا النص سخرية مؤلمة ، تبدي كيفية تصدي العرب لمشاكلهم؟ يبدو لي أنّ العميد سرور قد جسّد صورة عن غوغائية تحليل العراقي خاصة، الذي لا شك أنّ محققي الدول العربية الباقية تشاطره رجعية الرؤية.

عندما تبيت شخصية خيالية هي محور الأحداث، وركيزتها كما يشير إلى ذلك عنوان الرواية “فرنكشتاين في بغداد”، أو “الشسمة”، أو “x”، ويبيت البحث عنها هو القضية، يعني هذا انهزام الناس أمام المجهول، وعجزهم عن الفهم، وانسداد أفقهم، وعدم قدرتهم على قراءة واقعهم بطريقة جلية.

ففرنكشتاين الذي يحارب ويشارك في القتال ليس منفصلا عن القتلة، بل هو متهم بعمليات النصب واغتصاب العدل، والمتاجرة بدم الشعب، إذاً هنا الخيال لا يهدم المأساة، بل يزيدها تفاقما”. لعلّ الفوضى الزمكانية التي تجلّت في شخصية فرانكشتاين، هدفها إقرار المتلقي بالهزيمة العراقية . ففرنكشتاين ولد من رحم واقع سيء، ولم يفارقه، وقد أتت أعماله مرادفة لمجرياته، بل قل أكسبتها مزيداً من القسوة، فأتت نتائج أعماله مؤكّدة سوء النوايا العراقية.

ويستخدم الراوي في نصه السردي جملا تقودنا إلى ما هو نفسي. هو منظور ذاتي ناتج عن قراءة الوقائع حسب رؤية المتطلع إلى مجريات الأحداث المحيطة به، لذلك نجده يستفيد من عبارات مثل “هكذا شعر”، و”خمّن”، فينقل القارىء إلى حالات الشخصية الداخلية . يقول: هادي “افترض أنّ هناك مفخخة”(ص117). “شعر باستياء شديد…”(ص123).هكذا شعر محمود السوادي، وهو يتقلب في فراشه في غرفته بفندق “العروبة” داخل العتمة، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. وخمّن أنّ الصيف الذي سيكون على الأبواب شديد الحرارة”(ص109).  ويروح يقارن محمود بين الفندق الذي ينزل فيه، وفنادق أخرى مكيّفة مستخدما المنظور النفسي الموضوعي. يقول الراوي عن محمود السوادي: “عرف أنّ بعض الفنادق… بدأت الاستعداد لحرارة الصيف الشديدة… فعمدوا إلى شراء مولدات ديزل” (ص109). هذا المنظور النفسي بوجهيه الموضوعي والذاتي غايته الكشف عن واقع العراق، وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد أبدى هذا المنظور الطبقية الموجودة، وواقع الناس المادي المتفاوت، وحال الإنسان العراقي المعاني من غياب الدولة، تلك التي لا تؤمّن مستلزمات العيش الأساسية كالكهرباء.

ونقرأ مثل هذا المنظور الموضوعي في أثناء نقل الراوي مشهد “انتشار الجنود الأميركان وهم يسيرون ببدلاتهم وخوذهم ومعداتهم …وينظرون بارتياب إلى الجميع”(ص99). نلحظ هنا كيف “توضع الكاميرا من خارج الشخصيات، وكيف تنفتح عدستها على المنظر، أو على جانب منه، فندرك التفاصيل، ونتعرف على تفاصيل أحاسيس”(24) الشخصية.

وقد يعرض الراوي الأحداث والشخصيات من منظور موضوعي، و قد يقدّم معطيات إدراك وعي (أو أكثر)، و قد تأتي الوقائع كما هي معروفة له(25). يقول: “كان هادي ومنذ أن انقطع “الشسمة” عن زيارته، قد استعاد ذاته القديمة شيئا فشيئا…هادي الذي يخلط هذا الحضور…مع حضور آخر من فمه المفتوح على ثرثرات لا تنتهي”(ص206). أن يضيع هادي مبتكر الشخصية الخيالية بين حقيقتها، وانعدامه، يعني أنّ تلك الشخصية بات حضورها الواقعي أمر يمكّن استسهال الاقتناع بوجوده من قبل الشخصيات المشاركة في القص، وهذا بدوره سيزج القارىء بما زُج به سابقا شخصيات السرد، وهنا تكمن القيمة الفعلية للنص، بعدما يشك القارىء إن كانت شخصية فرانكشتاين عراقية، وموجودة فعلاً، ثمّ يصل لمرحلة لا يشك إطلاقا أنّها ليست حقيقية(26). إذا، اقتناع الجميع بوجود هذه الشخصية المدمرة، وإيمانهم المطلق بها، بمن فيهم مبتكرها هادي بمثابة شرح لمدى انهيار البصيرة العراقية.

إنّ شخصية فرانكشتاين الداهية المحتالة تغرر بالعراقيين، ولا يعود في وسعهم المضي إلا في جحافل القتل، ويعمل الانهيار فعله في النفوس، ففرانكشتاين لا يمكن أن يتصدى له أحد، وكل من يحاول فعل ذلك سيموت. ومثل هذا التهديد نجده في رواية فرانكشتاين لماري شيلي(27).

فأي رمز يمثل فرانكشتاين في رواية أحمد السعداوي “فرانكشتاين في بغداد”؟

أحسب أنّ النص يحوي نوعا من الإدانة للسياسة الداخلية، والحلول المعوّجة المبتدعة من قبلها، تلك التي لا تلتفت إلى مصالح البلاد والعباد، لأنها مسيّرة غير مخيّرة، وهي تابعة لأمرة العالم الخارجي الأميركي، الذي هدفه الهيمنة على مقدّرات العرب. إنّ هذا النص يتضمن نقداً لاذعاً، ومريراً لكيفية تصدي العراقيين لمشاكلهم وهمومهم.  ثمّ إنّ طريقته مختلفة في التعبير عن آلام العراقي خاصة، والعربي عامة، حيث تفعل الشكوك العربية فعلها في أذهان المواطنين، لذلك تروح تهتك عصمة حياتهم. يدعو  ما ورد الناس إلى اليقظة، و تلمّس طريق الصواب، كي ينتشر العدل و يتلاشى الانحسار الفكري، أو الجدب الذهني.

قد يحوي النص سخرية من تعاون الناس على إذكاء الوهم، الّذي سيطر على الفئة العاقلة. وهذا يؤكّد أنّ حتمية بناء مجتمع عراقي متماسك مجدداً، باتت محالة(28).

وقد يقدّم الراوي الأحداث من خلال عدة أشخاص، مستخدما المنظور الموضوعي. يقول أنّ جلاس مقهى عزيز المصري ينشرون حكايات العتاك، والضابط يقول عن العتاك إنه “مجرد كذاب عجوز”(ص218). كما يخبرنا الراوي أنّ الضابط يحاول التأكّد من أنّ هادي هو الشسمة نفسه، لذلك يعرّون جسده(ص218). نلحظ من خلال ما ورد أنّه قد تعذّر على القادة أن يستخلِصوا بدقة متناهية، أو بشكل حتمي من هو عدوهم، أو معيق نهوضهم، لذلك أتت خطط تقديراتهم المفضية إلى الخلاص جوفاء. نلحظ هنا أنّ البحث عن العدو هو بحث عن مجرم وهمي، والإيمان بحتمية وجوده شلّ حركة الارتقاء. بمعنى آخر إنّ توظيف القدرات وفاق هذا الشكل حمل العراق إلى الفناء، لا الانبعاث. إذاً، لقد بات المسؤولون، الذين يسلكون طريق الوعظ للخلاص، سبباً لتعزيز هيمنة المعادي، وسبيلاً لصهر الأفكار العربية في بوتقة الجهل والظلام.

 

3ً- المنظور الايديولوجي:

يتحدّث هادي عن أسباب وجود الشسمة، متمسكاً بما يمليه خياله، ويتعدد في أثناء ذلك المنظور الإيديولوجي حيال تلك الشخصية. يقول هادي أنّ الشسمة “مصنوع من بقايا أجساد لضحايا، مضافا إليها ضحية، واسم ضحية اخرى. إنّه خلاصة ضحايا يطلبون الثأر لموتهم حتى يرتاحوا. وهو مخلوق للانتقام والثأر لهم”(ص144). كما يتحدّث الشسمة نفسه عن حياكة جسده من أجزاء “القديس”. يقول: “كانت أصابع “القديس” تدفع الابواب وتدلّني على الطريق الذي يجب أن أسلك فيه”(ص167). تبحث الفئات المظلومة عن سبل إنصافها، وهذا أمر مثالي في جوهره، يحمل في طياته معنى مفاده إمكانية خلاص الواقع من اهترائه. غير أنّ معاودة خياطة الجسد من أجزاء جثث قد تكون متناقضة الخصال، يسعى بعضها إلى تدمير العراق، و بعضها الآخر يتفانى من أجل استعادة وجوده، يبدي تشنجات الواقع العنيفة. ثمّ إنّ تكوين  جسد”فرانكشتاين” أو “الشسمة” أو…، من جثث أجساد نظيفة الكف في العراق، وأخرى سيئة الصيت والفعل، يبدي أنّ النوعين المتعارضين من الشخصيات لا صلة لهما إلا بعالم الأرض السفلي، المفارق لعالم الآلهة. وقد يؤشر تمازج الشر مع الخير إلى  اسوداد الأفق، واستحالة إيجاد الحل. ولأنّ الشسمة وجد أنّ الذات العراقية لم تعد تستوعب آلية النهوض، استنجد بالقديس، الّذي يمكنه تخليص البلاد.

كما نتعرف إلى الشسمة من قبل شخصيات ملازمة له، وتساعده في أعماله، لذلك تتعدد الآراء حيال الموضوع الواحد. فالمجنون الصغير يرى أنّه “مثال للمواطن الأنموذجي الذي فشلت الدولة العراقية في إنتاجه منذ أيام الملك فيصل الأوّل وحتى الاحتلال الأميركي. المجنون الكبير يرى أنه آداة الخراب، الذي سيفني البشرية الضالة والمنحرفة، وهو يسبق ظهور المخلّص الذي بشّرت به كل الأديان على الأرض. أمّا المجنون الأكبر فهو يرى أنّه المخلّص. وأنّه في القادم من الأيام سيكتسب جزءا من صفات الشسمة الخالدة، وسيحفر اسمه بجوار اسم الشسمة في أي مدوّنة تتحدّث عن هذه المرحلة في تاريخ الأرض”(ص161). إنّ المأساة تنعكس على الأدب، فيروح يتناول انعكاساتها السلبية من خلال تمويهات قد يعتقد البعض أنّها مبتعدة عن الحقائق، غير أنّها ملازمة لها. ثمّ إنّ المتمعن في أسرارها قد يعي أنّ غايتها التنبيه، لتحقيق الحصانة. ولا يعني ذلك إطلاقا تهوين قذارة الحرب، أو التقليل من شأن ابتلاعها لهدوء العيش، ودعته.

ونقرأ تعدد الرؤى الأيديولوجية حيال الموضوع الواحد، في أثناء حديث الراوي عن العراق التي تعيش الحرب.  تتفاوت وجهات النظر حيال بيع الممتلكات، أو شرائها. ففرج الدلال يشتري البيوت التراثية، أما أبو أنمار فيبيع ما يملك، مقررا مغادرة البلاد(29). وتسعى الدولة لشراء بيت أم دانيال التراثي(ص102). كما تريد جمعية تحمي البيوت التراثية الاستيلاء على بيوت فرج الدلال (ص101 )، غير أنّه اندفع لمواجهتهم(ص102). يقدّم ما ورد صورة عن طبيعة الاستثمار للأراضي والعقارات سواء على صعيد الأفراد، أو الهيئات الحكومية، وهذا يوحي بتوازنه مع الحقائق، لأنّ مفاهيم الناس تتفاوت بين شخص وآخر.

وقد ينتمي المنظور مباشرة إلى شخصية ما، ويكون من كيان الشخصية النفسي في النص. يتحدّث السعيدي الصحفي(ص194) أستاذ محمود(ص198)مع تلميذه عن العميد سرور، ويقول:”_العميد سرور في الحقيقة لا يلاحق جرائم غريبة ولا هم يحزنون.. انه موظف من قبل سلطة الإئتلاف الأميركية المؤقتة لقيادة فريق اغتيالات…هو ينفذ منذ سنة أو أكثر جانبا من سياسة السفير الأميركي زلماي خليل زاد بشأن خلق توازن عنف في الشارع العراقي ما بين الميليشيات السنية والشيعية لكي يكون هناك توازن، فيما بعد، على طاولة المفاوضات لتشكيل الوضع الجديد في العراق. الجيش الأميركي غير قادر او غير راغب بإيقاف العنف… _لماذا لا تخبر أصدقاءك السياسيين بهذا الأمر؟

_كلهم يعرفون… أو أنهم ينظرون إلى دائرة المتابعة التي يرأسها العميد سروركما ينظرون إلى نص، كل جهة تفسره حسب مصالحها الخاصة، ولا ترى الجوانب الأخرى”(ص195).

يقدّم الراوي وجهات الرأي المختلفة في النص، كي يوهم القارىء بواقعية الأحداث.

ثمّ إنّ كفاح الشعب المغيب في العراق من قبل السلطة قد يلقي الضوء على الوضع الراهن في العراق خاصة، والوطن العربي عامة، فيؤشّر إلى التحوّل المرير والمصاب الجلل في أثناء الحرب، نتيجة التدخلات الأميركية بين أبناء الشعب الواحد، والطائفة الواحدة. لقد حاول الراوي من خلال عرضه وجهات النظر المتعددة أن يبيّن مدى تذاكي الأميركي على العربي، ومحاولته تدميره.

ويعرض محمود أوضاع البلاد المتدهورة، ثم يقدّم أيديولوجيته الخاصة.”الصراعات على شاشات التلفزيون بين السياسيين تقابلها حرب فعلية في الشارع أدواتها المفخخات والاغتيالات والعبوات الناسفة واختطاف السيارات بركابها، وتحوّل الليل إلى غابة مجرمين. نحن نتجه إلى حرب أهلية غير نمطية…ولكن الحياة تستمر، يقول محمود مع نفسه، فهو يقبض مرتبا جيداً يصرفه كلّه في الغالب، ولكن من أجل أن يعيش بشكل جيد ويتمتع بشبابه كما نصحه السعيدي ذات مرة”(ص199). يبدو واضحا أنّ عملية تعديل واقع العراق، وتخليصه من قيود القهر لم تعد طوع إرادة أفراد، كما لم يعد بوسع العراقيين جميعا تحويل واقعهم المرير نحو الأفضل، ولعل هذا ما جعل محمود يفكّر في ملذاته الخاصة، من غير التفكير جديا بعمق الأزمة. يزيح محمود القناع عن وجه البشر العاديين في العراق، الذين أدركوا حجم قدراتهم في تذليل العقبات، واستوعبوا مدى إذلال الحرب لفرص عيشهم، ثمّ راحوا يفتّشون عن راحتهم الخاصة.

 

4ً- المنظور على المستوى التعبيري:

يقدّم الراوي الكلام مستخدما الأسلوب المباشر، ثمّ يلحقه بأسلوب غير مباشر. يلتقي هادي العتاك مع عزيز المصري المتلبس وجهه هيئة جديّة، ويقول:

“_ انته إيه حكايتك؟ ….إنسه الحدوته الكدابية بتاعتك.

_  وشصاير يعني؟

_إيش صاير؟!…يدورو على اللي قتل الشحاتين الأربعة وأبو زيدون والزابط اللي لقوه مخنوق… .

_وآني شلّي علاقة؟

_ حكاياتك دي ح توديك في مصيبة .. انته عارف لما يمسكوك الأميركان ياخدوك على فين؟”.

 

ويقطع السرد اسلوب التعبير المباشر. يقول: “طرق قلب هادي بضربات مفاجئة… .وقرر مع نفسه، دون أن يخبر صديقه عزيز، أن لا يذكر حكاية الجثة أبداً بعد اليوم”.

ثمّ يستخدّم الأسلوب غير المباشر. يقول:”أخبره عزيز بكلام الشحاذ السكّير وروايته عن المجرم الذي قتل الشحاذين الأربعة؛ هيئة بشعة وفم كأنّه جرح في الوجه… كان جسمه لزجا…”(ص97).

إنّ أزمة العراق باتت معقدة جداً، وانتشار الإيمان برجل وهمي، والحيوية في البحث عنه  يبدي زيف وعي الحكّام والسياسيين العرب، بعدما باتت مسألة البحث عن خلاص خدمة للانتهاء.

يضع نص “فركشتاين في بغداد” يده على الجرح العربي، ويرمز من خلال التعبير المباشر، وغير المباشر إلى الواقع السياسي الخطر. إذا، ينقل ما ورد أزمة العراق، ويشير إلى ألم الناس في ظل بلد تسيّره سياسة رديئة، تخضع لهيمنة اجنبية.

ونقرأ مثل هذا الأسلوب التعبيري المباشر، و غير المباشر، الذي يقطّعه السرد في موضع آخر. يقول الصحفي محمود مصدّقا الخرافات التي يتم رويها من قبل هادي عن حقيقة وجود الشسمة. يتحاور محمود مع هادي مستخدما الأسلوب المباشر: “_ إجعلني ألتقي بهذا “الشِسْمة”.

_ لا.. مستحيل… ربما يقتلك.

_إجعلني في مكان ما بين هذه الكراكيب أسترق النظر إليه.

_ لا أعرف متى يحضر. ربما لن يأتي بعد اليوم أبداً.

_ والحل؟ … أنت تتملص من الموضوع.

_ لا والله… قل لي ماذا تريد وأنا أفعل.

_ التقط صورة له. أعطيك كاميرا وتأخذ صورة له.

_ آها .. مستحيل.. يقتلني”.

ثم يستخدم الراوي السرد، والأسلوب غير المباشر. يقول:”…قام محمود من الكرسي الخشبي الذي وضعه هادي العتاك لضيفه… حين صادفه مساء البارحة في استعلامات فندق العروبة… وقف معه عند باب الفندق وانقده عشرة آلاف دينار ثمناً للعشاء وقنينة العرق، وضرب معه موعداً لليوم التالي من أجل الاعترافات المتبادلة بالأسرار الخطيرة”(ص129).

يوحي ما ورد من تعبير مباشر، وغير مباشر يقطّعه السرد بتوازنه مع الواقع الحقيقي. كأنّ ما ورد يريد تحفيز الشباب العراقي إلى النهوض من كبوته، وركود تحليله. يحمل النص القارىء إلى الإيمان بفكرة عوز خيرة الشباب العراقي إلى الفكر النيّر السديد، الذي قد يحسّن واقع عيشه، ويرفع عن أبنائه كاهل القهر. كأنّ الراوي هنا أراد انتقاد شموخ العراقي المعتد بثقافة تحوي في طياتها الكثير من الحمق، والغباء اللذين يحملان الوطن إلى الذل والهوان. إذا النص لا يوهم القارىء بصحة أحداثه فقط، إنّما يدعوه إلى سبر غور القضايا المصيرية بكثير من الجدية، مبدياً سبب انهزام العرب.

تصوّر هذه الرواية السذاجة التي تؤدي إلى القضاء على وحدة العراق، الأمر الذي يؤكّد ضرورة تبديل العرب لنظرتهم حيال واقعهم، وإلزامية معالجة قضاياهم بعقلانية. كأنّ ما ورد يطالب بضرورة قراءة المسائل عن كثب، والبحث عن حقائق ثابتة، كي يبعث العراق من جديد.

كلّما تراكمت مسألة الاقتناع لدى الجميع بوجود رجل خرافي يندس بين الناس ويثير الذعر، كلما كانت عملية الاحباط تتسع والقهر يتراكم، والشعور بتقلّص النهوض يتوفّر.

ويكثرفي النص استخدام أسلوبي التعبير المباشر، وغير المباشر، اللذين يقطّعهما السرد، وكل ذلك لإيهام القارىء بأن الشسمة محور الأحداث. يحقّق العميد سرور مع الصحفي محمود المتهم يقول له: “_وأنت متهم يا صديقي، وعليك أن تجاوب هسه. ما هذه القصة الغريبة العجيبة؟…منو هذا اللي يحكيلك هنا.

_هذا واحد بيبع عتيكك بالمنطقة.. سالفة خرافية..رئيس التحرير انعجب بيها وكال اكتب عنها. …لم يرغب العميد بكشف أسرار العمل أمام هذا “المتهم”. لم يرد اخباره بأنّ الشسمة الذي يتحدّث عنه والذي أسماه “فرانكشتاين” في مقالته هو شخص حقيقي وليس خرافيا. وأنه يصرف جلّ وقته منذ أشهر مضنية من أجل إلقاء القبض عليه.

…محمود…لكي يستعيد صداقة العميد…أخرج مسجلة الديجتال وقدمها إلى العميد سرور:

_في هذه المسجلة تجد كل تسجيلات الشسمة.

…العميد… طلب منه نسخ ما في المسجلة…”(ص187) .

خضوع المنطق لمخالفه يغتصب العقل، ويزج به في التهلكة، بعدما يقسّم المجتمع، ويرمي أفراده في براثن التشكيك المؤدية إلى إشعال الفتنة، الناتجة عن اتهام الأفراد لبعضهم. يتضعضع العاقل، ويبيت اختلال تحليله سيد الموقف، فيصبح بذلك من هو سبيل الخلاص لعقلانيته، سبب لهلاك المظلوم، ومن دون أن يعي ذلك. هكذا يصبح حامي الناس البسطاء، ممهداً لإذلالهم وتدميرهم. إذا هم لا يجيدون إيجاد سبل جدية تقيهم شر أيديولوجيتهم المتخلفة، وهذا ما يسبب المأساة.

إنّ العميد سرور الذي من المفترض أنّ يكون مصلحا، بات سببا للقضاء على أي أثر للديمقراطية والحرية المتمثلين بخيال شخص محلّق من فئة العامة، وهذا قمة العار. باتت أوراق الأنضج في المجتمع العراقي محروقة، لعدم قدرته على إيجاد خطة مدروسة تقي المجتمع من السقوط في أحبولة الموت المتنامية. يبدو لي أنّ في هذا دعوة تحريضية ضمنية تسعى إلى ترويض الكبار، الذين يعنّفون البسطاء من موقع لا يستحقونه، وكل ذلك لاعتدادهم بذكاء لا يملكونه.

يبدي المنظور على المستوى التعبيري في النص أنّ الحدّ الفاصل بين العقل والجهل ملغى، والفارق القائم بين الأمي والمتعلّم مهزوم. لا تلتقط الشرطة المسؤولة عن الأمن جوهر المشكلة، وتعالج خيوطها، فتروح تحاول مقاربة تفاصيل سرية مع حقائق موضوعية، ويعتد العميد سرور بكنهها، في حين أنّ الصفة الملازمة لها هي سطحية الدراسة، وغوغائيتها. وهنا يكمن الصراع الفعلي، إذ أنّ السياسة تتجلى أساليبها العلاجية معوّجة، وبرامج قراءاتها  مصوغة على أسس واهية.

إنّ ضمور الفكر لدى العميد سرور، وعودته إلى “التبصير”، وقراءة الطالع ، تبدي أنّ قياديي الشعب منخرطون في التخلّف، ودورهم يسير بالبلاد إلى مكان معمي متهوّر، يغرق صفوة المجتمع في أحبولة الانهيار. فمقررو مصير الشعب، الأمناء على مصالحه، يحرّك تفكيرهم زمرة تبني أبراجها الأوهام. إذاً،وسائل حماية المجتمع تجلت بدائية، فالمحققون يلجأون إلى العراف، ويرتمون بأحضانه، وينصتون له، ويلغون بلغوه، ويضعون كلامه نصب أعينهم لتكون موضع التنفيذ. يعني هذا الخروج كلياً من منطق الحلول الفعلية الإيجابية، والوقوع في فخ الحرب والدماء.

وكأنّ الساسة هنا من المتعالمين، لا المعلّمين، ما داموا يستشيرون العراف ويصدّقون الخرافات لإنقاذ البلاد. لا تحتاج المسألة إلى كثرة تحليل، أو نظرة متروية، فقد جسّد العميد سرور وجه الحكومة المتسلّطة من غير روِية عقل. هي حكومة تستعين بأمرة أشخاص تافهين. تثير هذه المسألة السخرية والهزء من حكومات تتلاشى أنظمتها لأنّ قادتها يضلّلون خطى الوطن.

 

خلاصة:

لأنّ الكلام الأدبي يحوي دلالة ما، وهو يعبر عما يخالج الفكر، والشعور الخاصين بالراوي، المتفاعل مع الخارج، فقد بيّن التحليل كيف أنّ النص غايته الإشارة إلى العراقيين، الذين لا يتمتعون بكفاءة تؤهلهم اكتشاف الخلل، وفهم أسبابه، لانتجاع أدوية تعالج مفاصل الداء.

لقد اتخذ الراوي صفة الراوي العارف كل شيء، و هو الذي لم يشارك في صنع الأحداث، غير أنّ رؤيته يمكن أن نستشفها من مضمون الرواية، وما يحمله من دلالات. وقد تحقق ما أشرنا إليه من دراسة المنظور الروائي، الراوي موقعه وعلاقاته، إضافة إلى مستويات الرؤية السردية الثلاثة، وهي المنظور النفسي، والمنظور الأيديولوجي، والمنظور التعبيري.

يستخدم الراوي في المستوى الأوّل المنظور الموضوعي، كذلك الذاتي، غير أنّ المنظور الموضوعي يكاد يسيطر على نمو الأحداث. ويكشف المنظور النفسي في النص واقع العراق الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي في ظل غياب الدولة.

ويتعدّد في المستوى الثاني المنظور الأيديولوجي حيال الموضوع الواحد. وقد ينتمي المنظور مباشرة إلى شخصية في السرد، ويكون نابعاً من كيانها النفسي. ويحمل المنظور الأيديولوجي القارىء إلى واقع العراق السيء.

ويقدّم الراوي في المستوى التعبيري كلام الشخصيات بأسلوب مباشر، وغير مباشر، وكلاهما يؤشران إلى أنّ الحد الفاصل بين العقل والجهل ملغى.

إذاً، كشفت دراسة المستويات الثلاثة الأيديولوجي، والتعبيري، والنفسي في رواية “فرانكشتاين في بغداد” مدى الصمم، والعمى الذهنيين، اللذين يرزح تحت وطأتهما العراق المعاني من عقم أدمغة أبنائه، الخانعين من غير وعي للسياسة الأميركية. لقد أخذ رجال السياسة والأمن يهدمون بلدهم من موضع تخطيطهم لبنائه. هكذا، لم تعد خيانة الوطن وحدها المؤسِّسة للقهر، إنّما أيضا النوايا الصادقة، الدارسة لكيفية انبلاج الأمور.

لقد بيّن تحليل المستويات الثلاث، أنّ كل ما يعدّه التحقيق سيغرق العراق بالدم. كأنّ العقل بات مساويا للجهل، وكأنّ اللامشروع يعادل المشروع. إنّها رواية توضّخ كيف أنّ عملية تحليق الفكر للخروج من الكبوة، قد يكون هو السبيل للانجرار إلى عالم الظلام، لأنّ رحلة النهوض مجتثة من جذورها.

ويحرّض النص العربي على وعيه المنبثق من مفاهيم خاطئة، عساه يتوخى الدقة في قراءة التفاصيل، فيتمكّن من بناء رؤى جديدة فعالة تدرك ما تفتقده، وما سُلِخ منها، فتسعى لاستعادته.  فوجود فرانكشتاين في النص، واقتناع الشرطة بوجوده، إضافة إلى الناس العاديين، هدفه انتقاد الوعي الجمعي.  يتهم النص القيمين على أمن البلاد بسوء التدبير، وجر البلاد والعباد إلى الويلات. هذا يعني ضرورة نكران فاعلية الأطراف المتحكمة بسيرورة البلاد.

وأحسب أنّ إيمان العرب بقصة ساذجة، تحكي واقعهم المغرق في جهله. ولا يخفى على قارىء الرواية أنها تحض الأفراد على تحصين أنفسهم من المعادي، بعدما باتوا معنيين جميعا بمشاكلهم. إذ، لا يجوزللعربي أن يتسلى بوقته، أو يزجيه بالكلام اللامباليّ، فمساحة الزمن لا تتيح له العبث.  لذا عليه أن يدقق في إصدار الرؤى، وأن ينظر إلى المسائل بعين البراهين، والأدلة، والاستنتاجات المبنية على أساس منطق مصفّى من الخرافة(30).

و قراءة العرب الخاطئة لسبل نهوضهم، نكاد نجد مثيلا له في رواية “شريد المنازل” لجبور الدويهي، فنظام يُقتَل من قبل الحركة الوطنية لاعتقادهم أنّه مسيحي، وهو الذي لم يفصح أنّه مسلم. قتلوه بعدما اعتبروه معادياً، وجاسوساً، وهو الذي لم يرتكب أي خطأ. عيبه الوحيد أنّه كان ينظر فقط للشمس(31).

 

_       Percy Lubbock, the Graft of fiction, London, Janathan cope, 1954, p251.       1

بيروت، دار التنوير، ط1، 1985 ، ص 180. ولمزيد من المعلومات راجع :  2_ سيزا قاسم، بناء الرواية،

Wolgang  Kayser _ Qui raconte le roman, in poétique du récit, éd du seuil, 1977, p71.

  1. Todorov, Les catégories du récit littéraire, in “communication” n°8, Seuil 1966, p143. 3_

4_ سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط2، 1993، ص178.

5_سيزا قاسم، بناء الرواية، ص 218 و219.

6_م.ن ، ص219.  ونبيل أيوب، التعبير منهجيته وتقنياته، بيروت، دار المكتبة الأهلية، ط2، 2001،ص 149.

7_نبيل ايوب، م.ن، ص.ن.

8_Boris Uspenki, A poetics of composition  , the structure of Artistic text and typology of a composional from, trans. Valentina Zavarin and susan Witig, Berkeley .  University of California Press, 1973, P 81.

9_الحكاية الشعبية في اليمن بين الدراسة والتوثيق_ أكاديمية الفنون

Egyptartacademy.Kenanaonline.com/posts/94812.

ص72.  عبدالله ابراهيم، السردية العربية، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 1992،  _12

_ ابن منظور، لسان العرب، إيران، نشر أدب الحوزة، 1405 ه ، 1363 ق، ج 9، ص65 .     11

و “أجرَوه على كلّ ما يكذّبونه من الأحاديث، وعلى كلّ ما يستملح ويُتعجَبُ منه”. م.ن، ص66.

21_ عبدالله ابراهيم، م.س، ص 82 . ولمزيد من المعلومات راجع: الفهرست لابن النديم، محمد بن اسحاق، تحقيق رضا تجدد، طهران ، 1971ص363 و364.

13_  ابن منظور، لسان العرب، ص66.

14_  عبدالله ابراهيم، م.س، ص102.

15_ أحمد السعداوي، فرانكشتاين في بغداد، بيروت، دار الجمل، ط4، 2014، ص218.

16_والجدير ذكره أنّ شخصية فرنكشتاين تتصف بمميزات مغايرة لشخصيات السرد ضمن الرواية نفسها، وهي شخصية نامية ولم يتضاءل حضورها إطلاقا.

وشخصية فرانكشتاين هي مدوّرة لأنّها مدار الحدث، ويختلط خيال حركتها بأعمال شخصيات في النص، فبدت كأنّها حقيقية(206- 236).  “المعيار الذي بواسطته نحكم بأنّ شخصية ما مدوّرة يكمن في موقف هذه الشخصية. فأما إن فاجأتنا مقنعة إيّانا فهي مدوّرة، وأمّا إن لم تفاجئنا فهي مسطحة “.

_ Ducrot et Todorov, Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, p.289.

“الشخصية المدوّرة… متغيرة الأحوال… تملأ الحياة بوجودها… إنّها الشخصية المغامرة الشجاعة المعقدة… تفعل الخير كما تفعل الشر… وأما الشخصية المسطحة… تمضي على حال لا تكاد تتغير ولا تتبدل في عواطفها… فالشخصية “المدوّرة” مثلا، هي معادل مفهوماتي للشخصية “النامية”… ؛ بينما الشخصية “المسطحة” هي مرادف الشخصية “الثابتة”.

_عالم المعرفة، في نظرية المعرفة، د.عبد الملك مرتاض، ع 240، ص102.

17  و18 و 19 و20_ماري شيلي، فرانكشتاين، ترجمة بشار منيب رافع، سوريا، دار رسلان، ط1، 2007،ص 26و20 و58 و56.

21_  يتكلّم الشسمة على خروجه في العراق. يقول من منظوره الذاتي الموضوعي: “أخرج ليلاً، بعد الغروب بساعة أو ساعتين. أمر تحت تقاطعات نيران لا تهدأ تنطلق من جهات مختلفة. أكون السائر الوحيد(161)…أخرج المجانين الثلاثة الكثير من الرصاص من جسدي…نهضت في اليوم التالي لأرى الكثير من أجزاء جسدي وقد تساقطت على الأرض… وسألتهم:_ما الذي يحدث؟.. هل هذه هي النهاية؟(163)”.

22_ ماري شيلي، م.س، ص40.

23_Boris Uspenki, A poetics of composition  , the structure of Artistic text and typology of a composional from, P 81.

24__لميس حيدر، تشكل العالم الروائي عند حسن داوود حتى العام 2000، أطروحة أُعِدَت لنيل شهادة الدكتوراه، ص27.

25   _Op .cit, p 81.

_26 ويمكن أن يتوافق هذا الكلام مع ما أورده الشسمة، عندما تحدث محمود عنه في مجلة “الحقيقة” لأنّها لم تخدمه كثيرا، فقد “أظهرته كأكذوبة من خيال عتاك مريض(209)”. فالشسمة يبحث عن مساعدين، لأنّه ليس مجرد خرافة كما فصّل الصحفي(209)” محمود. ويقول له أنّ مقالة هذا الصحفي لن تؤثر، إذ أنّ “سيل من المجلات والجرائد والمطبوعات التي تنشر يوميا أشياء تجرّمه وتتهمه بكل ما حصل ويحصل في العراق من كوارث(209)”.

_ 27نقرأ ما يقارب هذا الكلام في رواية “فرانكشتاين” لماري شيلي. تقول شيلي مؤلفة الكتاب في مقدّمتها: “أرادت أن تُظهر بأنّ الوحش كان طيباً في البداية ثمّ أصبح شريرا لأنّ الناس كانوا حمقى وقساة، وتظهر هذه القصة ايضاً بأنّ العمل العلمي قد يكون شديد الخطورة”.

يقول فرانكشتاين: ”  لقد  كنت المسؤول عن موت اثنين_ أخي الصغير ويليام وجوستين… والمجرم الحقيقي طليق… أنا من كان المجرم الحقيقي… عرفت بأني كنت المسؤول والمذنب لأنّ الوحش كان من اختراعي، لذا قررت أن أجده وأدمره”.

ماري شيلي، فرانكشتاين،  ص36.

28_  م.ن، ص6.

29_ محسن يختار الرحيل في رواية “طابق 99″، يترك لبنان، ويتوجه إلى أميركا، وقد باع ما يملكه، وقد شعر أنّ أميركا “ينتمي  إليها أكثر من أي مكان آخر”.

جنى فواز الحسن، طابق 99، الجزائر، منشورات ضفاف والاختلاف، ط1، 2014 م، ص 115.

30_”كان هادي نفسه على لائحة الشسمة (146)”.إنّها أيديولوجيا تبدي أنّ ما هو من صنع خيال العربي قد يكون سبب قتله وتدميره. إذا، يجب تزجية الوقت بما ينفع، لا بما يريح، المخيلة، ويترك لها رحابة الاسترخاء في أحضان الاوهام.

31_ جبور الدويهي، شريد المنازل، بيروت، دار الساقي، ط 3، 2015، ص305.

د. لميس حيدر:
_ دكتوراه في اللغة العربية وآدابها؛ عنوان الأطروحة: تشكّل العالم الرّوائي عند حسن داوود حتى العام 2000
_ دبلوم دراسات عليا؛ عنوان الرسالة: تحقيق (تعليقة لطيفة) للشرف الأيوبي الأنصاري
_ أستاذة في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية
_ كتبت عدداً من القصص القصيرة والأبحاث الأدبية.
_ صدر لها رواية “ناي لعصفور الجنة”، ومجموعة قصائد شعرية.

شاهد أيضاً

الدكتورة هبة العوطة: دراسة حول رواية “والهة على درب زينب”

دراسة حول رواية “والهة على درب زينب” الدكتورة هبة العوطة* بسم الله الرحمن الرحيم ،والحمدُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *