رواية “العطيلي” نموذجا
د.لميس حيدر(*)
مجلة اتجاه، بيروت، تصدر بالتعاون مع مؤسسة سعادة للثقافة، ع 26 و27، ربيع وصيف 2014، السنة 17.
مدخل:
نقرأ الرواية ، فتساعدنا وقائعها على إدراك من نحن، ومن هو الآخر. هي أحداث تتحقق، وتتبلور، وتتطور من خلال فعل الشخصيات. وتمثّلالشخصيات بشكل، أو بآخر كنه عيشنا، أو عيش الأطراف الآخرين.وكانت الشخصية أساس العمل السردي عامة، والروائي خاصة، عند التقليديين.أمّا الكتاب المحدثين، فلم يوافقوا على ذلك، وقالوا أنّها ليست أكثر من كائن ورقي، ولا تساوي “أكثر مما تساوي العناصر السردية الأخرى مثل اللغة والحيز(Espace)، والزمان، والحدث(1)”.إذا، قد تباينت نظرة الروائيين إلى الشخصية. يقول رولان بارت أنّه في الرواية التقليدية “لا يضطرم الصراع العنيف إلا بوجود شخصية، أو شخصيات تتصارع فيما بينها، داخل العمل السردي… وقد ظل ذلك قائما إلى بداية القرن العشرين…فأنشأ الروائيون يجنحون للحد من غلوائها…فلم تعد إلا مجرد كائن ورقي… الروائيون الجدد لم يفتأوا ينادون بضرورة التضئيل من شأن الشخصية…إلى أن وجدنا كافكا…إطلاق مجرد رقم على شخصيته(2)”. لكن، نستطيع أن نقول:إنّ مقياس العطاء، أو الجدب، ومدى الذكاء، والتفرد، والتميّز، أو الاعتيادية، نستنتجها من علاقة الشخصيات مع بعضها، أو مع أشياء عالمها الذي يحيطها. ف”الشخصية على ورِقيتها في العمل السردي تمثل أهمية قصوى في هذا الجنس الأدبي… الشخصية هي الشيء الذي تستميز به الأعمال السردية عن أجناس الأدب الأخرى… إنّ الشخصية هي التي تكون واسطة العقد بين جميع المشكلات الأخرى(3). واختلاف الشخصيات في الرواية، وعدم تجانسهم، أو تقاربهم، يحملنا إلى إدراك طريقة تفكيرهم، أو اتزانهم، أو اعوجاجهم النفسي. أقصد تجعلنا علاقاتهم نعي مدى اضطرابهم، الذي قد يؤدي بهم إلى الانحراف، والانجرار وراء أفكار موجودة في دواخلهم، تماماً كما حصل مع العطيلي.غير أنّ هذا لا يمكنه أن ينسينا “أن الشخصية محض خيال يبدعه المؤلف لغاية فنية يسعى إليها(4)”.
ولأن الحياة في رواية “العطيلي” تتغذى من الشخصيات بشكل رئيسي، وهذا الأمر يمكن أن نستشفه من موضوع الرواية ، المعنونة باسم بطلها، سندرس الشخصيات، وسيتم تحليل تفكيرها، والصراع فيما بينهم من خلال تصرفاتهم، التي قد تعبر عن إنسانيتهم الإيجابية الخلاقة، أو السيئة السلبية.
(*)أستاذة جامعية lamis_haidar@hotmail.com
وهنا نسأل هل وُفِق نبيل أبوحمد في روايته “العطيلي” في تقديم شخصياته، فجاءنموها متوافقاً مع قدراتها، وإمكانياتهاومتوائما مع تقدم القص(5)؟ أقصد: هل كانت ردة فعل الشخصيات متناسبة مع ما تملكه من مواصفات، أم أنها أتت مفاجئة، وغير مبررة، لأنها بدت متغربة عن مسار تفكيرها؟ سنجيب على كل هذه الأسئلة في هذا العمل. وسآخذ بعين الاعتبار ما أورده د.محمد نديم أبو خشفة، الذي قال: “إنّ عملية الفهم أو الدراسة الظواهرية للنص تكون مجردة من أي معنى إذا لم تؤد إلى عملية التفسير أو الدراسة التكوينية للنص. فالفئة الاجتماعية ومفاهيمها الثقافية هي التي تفرض نفسها على الكاتب وليس العكس. والكاتب العظيم هو الذي يملك رؤية كونية تعبر عن أقصى وعي لتوجيهات الفئة أو الطبقة الاجتماعية(6)”. بناء لما ورد، نسأل: هل هذا القول ينسجم مع ما سجّله نبيل أبو حمد في روايته “العطيلي”؟ أقصد هل استطاع أن يكون كونيا في كتابه هذا، فتناول قضية تثير الرأي العالمي؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة، وغيرها تتطلب مني الارتكاز، وبشكل أساسي على ما اعتمدته من تقنيات في أثناء دراستي الشخصيات في أطروحة الدكتوراه، والتي موضوعها: “تشكّل العالم الروائي عند حسن داوود حتى العام 2000”.
ينشأ السردمن خلال وجود الشخصية، أو ال(فاعل)، لذلك اقترح غريماس تصنيفها بحسب ما تفعل، وأطلق عليها اسم “العامل”. وتنتظم المشاركة بين الشخصيات عبر أزواج (فاعل/ مفعول به، واهب/موهوب، مساعد/معارض). واستفاد غريماس من الدراسات الميثولوجية لتحديد ماهية العوامل (Les actants ) في الحكي. والجملةهي عبارة عن مشهد، والكلمات فيها لها وظائف، وتتألف من فاعل=الذات، ومفعول=الموضوع. وقد طور غريماس أبحاث “فلاديمير بروب” الذي وزع الوظائف على سبع شخصيات رئيسية، يؤديها الممثلون في الحكايات العجيبة(7).يقول “غريماس”إن العوامل تمتلك إذن قانوناً “ميتالسانيا” (Métalinguistique)، بالنسبة للممثلين، إنها تفترض بالإضافة إلى ذلك التحليل الوظيفي، أي التكوين العام لدوائر نشاطها(8).
يرى جان ميشال آدم في كتابه “الحكي” (Le récit)، أنّ غريماس حاول إقامة علم دلالة بنائي للحكي، وذلك بعد أن طوّر ما توصل إليه بروب منذ سنة 1966. وقد وضع في هذا المجال نموذجاً للتحليل يقوم على ستة عوامل تأتلف في ثلاث علاقات:
1_ علاقة الرغبة(Relation de desir):
تجمع هذه العلاقة بين رغبة “الذات”، وما هو مرغوب فيه “الموضوع”. ترغب الذات في إقامة اتصال مع الموضوع، لتحقيق رغبة ما. وتنطلق رغبة الاتصال، أو الانفصال من البطل، وتعود إلى ذاته، أو قد تعود إلى العالم الآخر، وقد يحدث الاتصال، أو ينشأخلافه. وهذا يسميه “غريماس”: البرنامج السردي ((Programme narrative(9).
2_ علاقة التواصل(Relation de communication):
يحرّك ذات_ البطل محركاً، وهذا يسميه غريماس “مرسِل” (Destinateur)، وتكون موجهة هذه الرغبة ل “مرسَل إليه” (Destinataire). والذات الراغبة في تحقيق موضوع ما، قد تستطيع تحقيقه، وقد لا تتمكن من ذلك. وعلاقة التواصل هذه قد تجري بين البطل، وذاته، وهو حينها يكون المرسِل، والمرسَل إليه في آن واحد. وقد تكون بين طرفين مختلفين، كالفرد، والمجتمع مثلا.
3_ علاقة الصراع(Relation de lute):
قد تحقق الذات الساعية رغبتها، ويساعدها على تحقيقها عامل مساعد (Adjuvant). يعين هذا العامل الذات، ويهيء لها السبل التي تمكّنها من تحقيق رغبتها. ويقابل هذا العامل المساعد عاملا معارضاً ( Ľ opposant)، وهو الذي يعرقل جهود الذات الساعية إلى هدفها. وتتوضح علاقة الذات بموضوعها من خلال الرسم الآتي:
المرسل المرسل اليه
الذات الموضوع
المساعد المعارض أو المعرقل
ويشكّل هذا النموذج المكوّن من ستة عوامل رئيسية البنية المجردة في كلّ حكي، أو خطاب.
4_ العامل والممثل (Actant et Acteur):
العامل عند غريماس ليس هو الممثل دائما. فالعامل الواحد قد يمثل بشخصيتين، ممثّلين (Acteurs)، أو أكثر. وقد يكون مجرد فكرة كفكرة الدهر، أو التاريخ، وقديكون جمادا أو حيواناً. وهكذا تصبح الشخصية المجردة قريبة من مدلول “الشخصية المعنوية” في عالم الاقتصاد، لها مجرد دور ما، يؤدى في الحكي، بغض النظر عمن يؤديه(10). ويمكن أن يقوم الممثل الواحد بعدة أدوار، أو عدة عوامل. وقد تتعدد الذوات العاملة التي لديها رغبات متعددة حيال مواضيع كثيرة، الأمر الذي يؤدي إلى تعقيد القص، وهذا بدوره يتطلّب الدقة في التحليل الحكائي. وعدد العوامل محدود على الدوام في ستة، هي: (المرسِل – المرسَل إليه، الذات – الموضوع، المساعد- المعارض)، أما عدد الممثلين، فغير محدود.
يرسم غريماس هذه المسألة مشيرا إلى العامل، وفق الرمز (A)، والممثل وفق (a). ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يأتي:
العامل الممثل
A3 A2A1a3 a2a1
اقتربت مفاهيم بريمون من غريماس. وقد توسع هذا الأخير فيها، فاعتبر أنّ الحكي مجرد كلام، فأحداثه قد تتهيأ لها الشروط من أجل تحققها، ويسمى هذا نمط التحسين (Amélioration)، أو قد تعاكس شروط الإنجاز، وهذا يؤدي إلى الانحطاط (Dégradation).
سعى النقد الشكلاني الذي برزت فيه أبحاث “فلاديمير بروب”، وعلم الدلالة المعاصر مع “غريماس” إلى تحديد نوعية الشخصية من خلال أفعالها، وعلاقتها مع الشخصيات الأخرى في الحكي، كذلك من خلال سماتها، ومظهرها. هذا، وقد عرّف رولان بارت الشخصية الحكائية بأنها “نتاج عمل تأليفي(11)”، لأنّ هويتها تتوزع نتيجة الأوصاف والخصائص، لكن يبقى للقارىء دوره في تقديم صورة خاصة عنها، يكوّنها من خلال فهمه، أو وجهة نظره، التي قد تخالف وجهة نظر الأشخاص المتعاطين معها في القص. وهذا ما عبر عنه “فيليب هامون”، عندما عدّ الشخصية الحكائية تركيباً جديدا يؤدي فهمه القارىء، أكثر مما هي تركيب يقدّمه النص(12). وهكذا تدرس هوية الشخصيات من خلال ما يأتي:
أ_ ما يخبره الراوي.
ب_ ما تخبره الشخصيات نفسها.
ج_ ما يستنتجه القارىء من أخبار عن طريق سلوك الشخصيات(13).
هذا وقد تختلف صورة الشخصية الحكائية لاختلاف تحليلات القراء. فالشخصية في الرواية تكون بمثابة دال (ٍSignifiant)، عندما تتخذ عدة أسماء وصفات تلخص هويتها. وتكون بمثابة مدلول (Signifié)، وهذا يستنتج نتيجة ما يقال عنها، وما تقوله هي عن نفسها، وذلك يؤخذ من تصريحاتها، أو تصرفاتها. ويتحقق هذا الدليل(Signe) من خلال وجودها في النص، وهي لذلك تختلف عن الدليل اللغوي اللساني، الذي يكون وجوده جاهزا سلفاً. ولا ينزاح الدليل عن معناه الأصلي إلاّ في الاستعمال البلاغي. وفي هذا البحث سأدرس العوامل، ودلالاتها في بناء الشخصيات، كما سأدرس هوية الشخصية النفسية والاجتماعية.
أ_ دوائر العلاقات، العوامل والممثلون:
شخصية الرواية البطلة هي شخصية العم رضوان الشيخ علي الملقب ب”العطيلي”، ويؤكّد اسم الرواية “العطيلي(14)” صحة هذا الرأي. وتتضمن الرواية شخصيات أخرى متعددة، تتفاوت نسبة أهميتها، وذلك حسب الدور الذي تؤديه في النص.
وسنبين كيف تجلّت رغبة “العطيلي”، وكيف سعى إلى تحقيق ما يتمناه، ونعي بالتالي ماهي العوامل التي ساعدته، أو عارضته في أثناء تحقيق ما يريد ، كما سندرك إن كان قد حقق رغبته، سواء بشكل جزئي، أوكلي، أم أنه فشل في نيل ما سعى إليه.
يسعى العطيلي، المقطوع الساقين، المقعد، وابنته خالدة، التي تجره بعربة، لتحصيل قوتهما، بغية البقاء على قيد الحياة، وهذا يضطرهما للخروج يومياللشحاذة. لقد فقد العم رضوان “العطيلي” ساقيه في أثناء عمله في شركة يهودية، وكان المشرف عليها مهندسا مصريا، يدعى “بيومي”، وعند قطع ساقيه يتحول اسمه في الرواية من العم رضوان إلى العطيلي. يقول: “كنت بدأت العمل مع ثلاثة شغيلة من حوران، يرأسهم ويرأسني مصري من طنطا كنا نسميه “الباش مهندس”…بيومي حيث كان يتعهد المشاريع من الشركات الكبرى لتنفيذها مع شغيلته الذين كنت واحدا منهم. وكان يشرف على الشركة التي صدف أنّها يهودية، مهندس يدعى حاييم، وكان المشروع يقوم بحفر شارع جديد في حي “الهادار” بترخيص من حكومة الانتداب البريطانية وذلك لضرورة التوسعة واستيعاب اليهود الجدد القادمين إلى حيفا(ص18)”. ولأنّه إثر قطع ساقيه(ص21) لا يلقى تعويضا ماديا كفيلا بإنقاذه من مد يده إلى الآخرين، يعمل بنصيحة صديقه “حاييم” اليهودي، المسؤول عن المشروع في الشركة التي كان يعمل فيها(ص27).يؤمِّن حاييم للعطيلي مبلغا ماليا من الشركة يكفي حاجتهم لمدة أشهر قليلة، ريثما يدبّرون أمورهم هو وابنته خالدة (ص24). ويقتنع العطيلي فيما بعد بكلام حاييم، ويبيت شحاذا من اليهود، يجمع المال منهم(ص46).وتشتدّ الحرب بين اليهود والعرب، ويتحدث العطيلي عنأخطائه، وأخطاء العرب، عندما لم يلتفوا حول عز الدين القسام، الآتي من جبلة سوريا، والذي “أحب أن يعمل تنظيما واحدا لطرد الإنكليز وطرد الصهاينة،…بدأت الانقسامات ولم يلتفوا حوله. حتى أنا لم أعمل معه، مع أنني كنت بكل عافيتي لأن الناس قالت عنه فاشستي يتعامل مع الشيطان… مسكين عز الدين القسام، قتله الإنكليز في جب جنين(15). و تتفاقم الأحداث، ولا يعود بإمكان العطيلي الذهاب إلى “حي الهادار” اليهودي من أجل التسول(16). وهذا ما يجعل العطيلي يقرر هجرة فلسطين، والتوجه إلى لبنان، علّه يضمن بقاءه على قيد الحياة. يقول: “ظللنا نتشرد كالعادة حتى حط بنا الرحال في مخيم برج البراجنة، وبعدها بأيام استهديت إلى ركن ساحة البرج، الساحة الأشهر في بيروت والمجزية لمن يريد احتراف التسوّل(ص48)”. في بيروت تكرّج خالدة العربة بوالدها “حتى يصلا أعلى ساحة البرج(ص8)”، وهناك يشعر بأنّ ما يريده قد تحقق له، لذلك “يلهف كالطفل(17)”.غير أنّ رغبة العودة إلى فلسطين البلد الأم لا تلبث أن تستفيق مجددا، فيقرر العم رضوان العودة، ويبحث عن طريقة تمكّنه من الرجوع إلى دياره، كي يستفيد من أمواله التي تركها مع حاييم. ويحصل أن يتفق مع أبي آرتين الأرمني(ص49)، الذيسينقله مع ابنته إلى فلسطين. ويوافق أبو آرتين على إعادتهما مقابل مبلغ مادي مخصص له، ولأبي قاسم، وأبي أدهم، اللذين سيساهمان في إيصالهما إلى مكان إقامتهما(ص52). ويطأ العطيليأرض فلسطين، وحينها يشعر مجددا أنّ الحياة بدأت تنبض في صدره(18). لكن هل يكفي أن يصل إلى أرض فلسطين كي يشعر أنه حصّل ما أراد، أم أنّ متطلبات أخرى ستستجد لديه،وينتجها فكره، وهي التي لطالما نمت فيه؟
يتحرك حنين العطيلي إلى بيته القديم، فيطلب من السائقين أن يذهبا إليه، وفي أثناء توجههما “بدأ قلب العم رضوان يضرب بصخب أكثر… كالعاشق الملهوف لرؤية حبيبته(ص75)”. وعندما يصل إليه، ويجد أنّ امرأة قد احتلته تسيل الدموع من عينيه، ويتحوّل “إلى خرقة رثة ومتهالكة من مشاعر الإحباط والهوان(ص76)”، خصوصا أنّالمرأة تمنع العطيلي من الدخول إلى منزله.يقسو الزمن على المقعد الفلسطيني، فتبدو همومه متعادلة مع همومأخوته الآخرين العرب على بقعة الأرض نفسها. قد تكون مأساة المقعد أكثر حدة، أو أقل ضراوة، غير أنّه في النهاية يشكّل نموذج الفلسطيني المقهور، الذي ليس له أي أهداف في هذه الحياة، أو شروط يمليها على الطرف الآخر، ويمثّل بذلكتلك الشخصية المحطمة، والمهدورة الحقوق.نجد مثل هذه العودة في رواية غسان كنفاني “عائد إلى حيفا”. يعود سعيد في هذه الرواية إلى فلسطين، و يدخل إلى بيته، الذي سكنته امرأة بولونية(19)،تلك التي كانت قد تبنت ابن سعيد الذي تركه، وله من العمر خمسة شهور(20). يقول غسان كنفاني في روايته، أنّ سعيداً يسأل المرأة العجوز:” “هل نستطيع أن ندخل؟ وتبعها سعيد…”(21)”.
إن ما ورد في روايتي “العطيلي” و”عائد إلى حيفا”، في أثناء الحديث عن عودتهما إلى بيتيهما في فلسطين، يبدي عذابات الفلسطيني، ومعاناته، وقبح اليهود، وظلمهم. هذا ما يجعلنا نجزم بأنّ النصين الروائيينيتحدّثانبموضوعية عن علاقة الفلسطيني بأرضه، وبالآخر، ولا سيما اليهودي، المعروف بفظاظته،فهو يحرمهم أرضهم، وبيتهم، واستقرارهم.
وتساهم شخصيتا سعيد في رواية “عائد إلى حيفا”، ورضوان في رواية “العطيلي”، الموضوعتان دائما أمام جدار لا يمكن اختراقه في فهم طبيعة عيش الفلسطيني المهدد دائما. هما شخصيتان لديهما ملاحظاتهما، واستنتاجاتهما(22)، لكنهما لا يبنيان على ما ورد أي شيء يفيد، أو يغني. إذاً، عليهما أن يدفعا ثمن ما اقترفه سواهما. شخصيتهما إن تفحصناها وجدناها خانعة، لا تثير سوى الشفقة، وهي مستغلة في النهاية.
ويتوجه العطيلي صوب بيت أخت زوجته آمنة، ويلتقي هناك ابنها سامح(ص77)، الذي يساعد العطيلي في قراراته،ويقول له أنّه عندما سيستعيد ماله من حاييم سيجمعه معه، “لعمل مشروع مهم”. ويتابع سامح: “وإن أحببت يمكنك مشاركتي بالكاراج لتصليح وتجميع السيارات المستعملة، والشغل مثل النار(ص83)”.
وتقصر المسافة التي تفصل العطيلي عن بيت حاييم، ويتضاءل الزمن الذي يبعده عن وجوده معه، ويسعد لأنه سيستعيد ماله، لذلك يروح يخطّط لغده. يقول: “يمكن تحقيق عدة أفكار، كما إنّه لو وضعته فقط في البنك فيمكننا أن نعتاش منه طول العمر(ص84)”. غير أنّ سامح ينبّه العم رضوان، ويقول إن ماله قد لا يرد إليه، ويتابع: “ليس معك صك رسمي بهذا المعنى، كما إنّه لاتنس أنّه يهودي ويعيش في دولته الآن، وأنت فلسطيني وفي حالة عداء معه(ص84)”. القرار بيد اليهودي، وليس على الفلسطيني إلا الصمت. فالإسرائيلي هناك من يدعم موقفه، ويؤيد خطواته.هل هذا يعني أنّ علاقة حاييم القديمة مع العطيلي ستتبدل، ولن يجد العطيلي سبيلا له سوى الصمت، والإذعان؟ يؤرق كلام سامح العطيلي، فيقول المقعد لمحاوره: “لا تنس أنّ بيننا صداقة قديمة، ولا أظنه سينكر عليّ أموالي… الناس تتغير، وكلّ شيء قيد الظروف والأحوال(ص84)”.
وعندما يبيت في فراشه، يفكّر إن كانت شولا زوجة حاييم مثيرة، وهو الذي لطالما تخيلها في عزلته، وألهبت مشاعره(ص84).
ويتوجه نحو بيت حاييم وتتحقق رغبته في أن يرحّب صديقه به، وفي أن يرى شولامحافظة على جمالها(23). استقبال حاييم جعل العطيلي يتفاءل، لذلك أعرب عن مشاعره، وقال: “الصداقة لا تموت، والعشرة لها حق(ص88)”. وتزداد رؤيته هذه ترسخا عندما يتكلّم حاييم، ويدعو إلى ضرورة تصالح العرب مع الإسرائيليين. يقول حاييم: “إننا من أصل واحد منذ أيام أبينا إبراهيم، فلماذا الآن لا نعود ونعيش مع بعضنا وننسى السياسة ووجع الرأس؟؟(ص90)”. لعلّ هذا الكلام يتقارب بوجه أو بآخر مع إحدى شخصيات سحر خليفة في روايتها “ربيع حار”. هي شخصية ترى أنّ اليهودي أحيانا إنسان ممتاز الخلق. يقول الخوري: “أنا متأكّد أنّ الإنسان أحسن بكثير من أعماله. حتى اليهود… مش محتلين؟ …لكن فيهم ناس ممتازين(24)”. يقلقنا هذان الرأيان المتآلفان، لأن الغالبية الساحقة للوقائع تثبت خلافهما، و تعدم صدقهما. ها هو حاييم يخبر العم رضوان بعد استقباله الحار أنّه صرف أمواله على بناء ملحق لمنزله، مدّعيا أنّه لن يأكل عليه حقّه، وسيسدّد له ماله مقسطا على دفعات، موزعة على أشهر(ص91). كلام حاييم هذا يشعرالعطيلي بالعجز، لذلك يهتز فنجان القهوة بين يديه “كأنّ صعقة كهربائية أصابته(ص92)”. ويقول في موضع آخر من الرواية: “الآن ذهب الشباب وذهب المال(ص102)”. ويفصح عن مدى الأذى الذي أصابه. يقول: “يعني… سنظلّ نشحذ مدى العمر(ص92)”. ويرد في الرواية: “أيقن العم رضوان بأنّه سيظل مربوطا إلى حاييم وزوجته مدى العمر وبكثير من الذل، لأنّ هذه المرة حاييم ليس صديقا فقط، بل هو صديق عدو ومنتصر… هيمن على الجلسة نوع من الصمت… وكأنّ العم رضوان أيقن أيضا بأنّ التمادي في طلب الأكثر قد يعرضه لفقدان الكل(ص93)”.يبدو أنّ عجز العطيلي يتماثل مع عجز كلّ فلسطيني، يقف مكتوف القوى، أمام اليهودي الطاغي المتجبر. إنّ حاييم هنا يلبس ثوب الحمل الوديع، في حين أنّه سفاح يقضي على آخر منية لدى إنسان مقعد. يتشابه خضوع العطيلي هنا مع إذعان كلّ فلسطيني حُطِمَت إمكانياته، وطُوِقَت من قبل اليهودي المدعوم من قبل أميركا، والقوى العظمى في العالم. “فالشاب الفلسطيني كناية عن المقاومة وعن النضال ضد الاحتلال، كناية يجب استئصال فكرتها ورموزها وإسكاتها: يجب إرغام السكان الفلسطينيين على الإذعان للمشروع الاستيطاني. فالعنف الإسرائيلي ينطلق من افتراض الذنب الجماعي والمسؤولية الجماعية بينالفلسطينيين(25)”. لعلّ هذا الكلام يمثل بوجه أو بآخر وضعالعطيلي،الغير محمي من قبل أحد، الأمر الذي يؤدي إلى تمادي اليهودي. يستنزف الأخير حقوق الأول، ويحرمه كرامة العيش، وإن ادّعى نقاء النية، ونظافتها. إنّ تصرّف حاييم جعل الفرص أمام العطيلي معدمة، والاختيار بين احتمالات مفقود، لذلك نجد العطيلي يرضى بما لا يمكن أن يُسكَتَ عنه. يتبدى العطيلي هنا شخصية مقاتلة للموت، مستجيبة للحياة بمختلف أوجهها المؤلمة. ها هو العطيلي بسبب تصرف حاييم ينتقل إلى جحيم أسوا من سابقه،هذا إذا اعتبرنا أنّ جهنم عبارة عن درجات تتفاوت نسبة العذاب فيها. ما ورد يبرهن سوء واقع الفلسطيني في “إسرائيل”. فالفلسطيني مهما توطدت علاقته مع اليهودي، سيبقى متيقنا أنّه منزوع القوى، لأنّه في بلد لا يحميه، ولا يؤمن له الحد الأدنى من الحقوق.ما ورد يوضّح أهداف “إسرائيل” ، الساعية أبداً للقضاء على كلّ فلسطيني، بل على كلّ عربي يعارضها. إنّ مقاسمة حاييم مال العطيلي من غير وجه حق يتشابه مع واقع فلسطين المتردي، التي يراد تقسيمها. يقول المحامي في رواية “ربيع حار”: يعني الوطن ذبيحة تنباع بالرطل والكيلو والوقية؟ الوطن الغالي ما ينباع…(26)”. نلاحظ هنا بوضوح أنّ طمع حاييم يجسّد بشكل أو بآخر طمع الصهاينة. غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ “إسرائيل” ترى أنّ فلسطين، وغيرها من الدول العربية هي ملك خاص لها. يقول إسرائيلشاحاك: “والتعريف الجغرافي الدقيق لمصطلح “أرض إسرائيل” هو موضوع جدال شديد في التلمود وفي الأدب التلمودي…بين مختلف اتجاهات الرأي الصهيونية… تشمل أرض إسرائيل (بالإضافة إلى فلسطين نفسها)، ليس فقط كامل سيناء والأردن وسوريا ولبنان، ولكن أجزاء كبيرة أيضا من تركيا(27)”.
ويعود العطيلي إلى المنزل مكسور الخاطر، مستغربا استهانة اليهودي بالعربي(ص95)، وتتأكد له رؤية سامح، الذيكان قد توقع سوء خلق حاييم(ص95)، فما هو في النهاية إلا يهودي(ص84).
وهكذا يدرك أنّ ما سعى إليه العطيلي طوال الأعوام المنصرمة لن يتحقق، فالمال بات ملك حاييم، بينما هو لا ينال سوى “الفتات الشهري(ص95)”. يقول: “لقد قضيت العمر وأنا آمل بنهاية مريحة. أن أتقاعد ببيت ملكي. أن ترتاح خالدة وتعيش يومين قبل انقضاء شبابها. فما الذي حصل الآن؟؟ سأبقى موظفا من الدرجة الرثة عند الخواجة حاييم وزوجته(ص95)”.
غير أنّ خيبته في تحصيل ماله دفعة واحدة، لن تقضي عليه، لذلك يقرر الصبر،ومسايرة وضعه، ليستعيد ماله حتى آخر قرش، وإن كان مقسّطا. هكذا يتماثل وضعالعطيلي هنا مع أوضاع العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، فهم كلما مات لديهم أمل، أنجبت إرادتهم أملاً آخر. ويساعد سامح العطيلي ليخرج من أزمته، بعدما يطلب منه مساعدته في الكاراج(28). وفي إحدى المرات التي يتوجه فيها العطيلي إلى بيت حاييم لتحصيل المبلغ الشهري، تستأذن خالدة للتفرج على مبنى حاييم(ص105)، الغائب عن منزله. وفي أثناء اقتراب شولا من حاييم، حاملة كأس الشراب خاصته من الضيافة، تستفيق رغبته الدفينة فيه، والتي لم ينساها أصلا لتستيقظ، إنّما كان يخدّرها، ويخفيها كي لا تظهربوادرها على قسماته، ويسعى حينها إلى تحقيق تلك الرغبة السرية. يحاول أن يلف ساقي شولا بيديه “من تحت ثوبها ويمرغهما على لحمها(ص106)”، غير أنّها تثور في وجهه، وتطرده. هكذا يدرك أنّ شهواته المدفونة منذ وفاة زوجته آمنة، بل قبل وفاتها لن تجد سبيلها للتحقق، كما يفكر أنّه سيستحيل عليه استعادة ماله مجددا.
ويقررالعطيليمجددا أن يسأل حاييم عن ماله، غير أنّه يُطرَد مع ابنته، ويُصفَق الباب في وجههما(ص109)، ويوجه لهما حاييم كلاما قاسيا، ناسيا عذاب رضوان وابنته طوال الأعوام السالفة المديدة. يقول لهما: “فاسدان، متوحشان من عنصر متخلّف أصلا، تليق بكما الأدغال الموحشة والبراري، ولا تناسبان هذا العصر أبداً(ص109)”. يبدو أنّ سياسة “إسرائيل” السارقة الحقوق تتجلى بوضوح هنا. فهي مدّعية دائما أنّه المعتدى عليها، وأنّه لا يجب إغفال وجودها، وأنّ الظالم هو العربي(29).
يغتصب حاييم ما جمعه العطيلي كل عمره، من دون أن يغتصب العطيلي شولا. يخون حاييم العطيلي، ويصرف ماله، فيعرف أنّ سعيه لاستعادة ماله لن ينجح. يقول، وهو المحبط، المهدود القوى: “لقد أخذها حجة لعدم الدفع وللتخلّص منا(ص109)”. ويرد في موضع آخر من الرواية أنّ العطيلي: “بدأ يفكّر بأنّ الخطأ الذي اقترفه لا يستأهل كل هذا التعذيب، وانّ أموال العمر التي جمعها قرشا فوق قرش لن تذهب هدرا زهاء جنحة أشعلتها مظاهر امرأة …وهي التي تعلم مدى الحرمان الذي يعانيه ومن أي بيئة ينطلق… لا بد يا رضوان من أن تعطي بعض الفرصة لهذا الذي اسمه حاييم، ليصفح، ويتفهم… لن أغفر لك يا حاييم… سنقضي عليك(ص111)”. ويخرج العطيلي بعد ثلاثة أيام مجددا لتحصيل ماله(ص111)، مقررا أن لا يبوء سعيه بالفشل، غير أن حاييم يحسم المسائل، ويقول: “لا مجال للفرص، ولا مجال للتعاطي معنا مجددا. إنّ ما تريده من أموال اعتبره قد اندثر…(ص113)”. يأخذ حاييم وزوجته مال العطيلي من دون أن يقاسماه شيئا. يأكلون ماله، ولا يطعمونه سوى الخذي والعار، اللذين لم يعيشا إلا في مخيلته، وجسده المريضين، المنهكين من شدة الحرمان. هل يعترف “الإسرائيلي” بوجود الفلسطيني، حتى يقرّ بما له!؟ لعل كلام الدكتورة يمنى العيد يوضح هذه المسالة، إذ هو رأي قد يصح أن نستبدل ما فيه من كلام عن الأرض، بمال العطيلي، علّ ذلك يساعد على فهم تردي الواقع الفلسطيني. تقول: “نلاحظ أنّ عدم ترك العربي لأرضه ودفاعه عنها يصبح …بمثابة اعتداء على الآخر، في حين يصبح فعل الآخر الذي يعتدي على مكان العربي ويقتله بمثابة دفاع عن النفس. ينقلب المنطق في غياب الحق، حق العربي في أرضه وبيته، ويزوّر الخطاب حقيقة هذا الحق(30)”. وقد تمّ التحدث عن سوء اليهود في كتاب جودت السعد، وقيل أنهم: “شعب سيء بطبعه، لايمكن إصلاحه، شعب أناني يسعى إلى استعباد العالم أجمع، شعب يعتبر معاديا لغير اليهود رغم جهود الاندماج. اليهودي حامل لواء الرأسمالية والاستغلال والربا والقهر، يقلب ويدمر كل ما هو مستقر، إنّه تجسيد الاضطراب في العالم(31)”.
لكن، هل يبرر ما ورد تصرف العطيلي، الذي سيطلق رصاصا من مسدس يحمله على حاييم، وزوجته، فيرديهما قتيلين؟
لا شك أنّ الحقد تفاقم في ذات العطيلي المقيّد الخطى، في بلد يدعم حاييم وأمثاله من الخبثاء، ويسيء إلى البررة أمثال العطيلي وابنته، لا لشيء إلا لأنّهم فلسطينيون، ويعتبرهم حاييم من المتخلّفين(ص109). فما الفلسطينيون بحسب الصهاينة، إلا عبارة عن أشخاص “خارجين على القانون وبدائيين اجتماعيا وعنيفين_ إرهابيين،…عصابات…”لا يفهمون إلا بالقوة”، …(32)”. هكذا تنتهي الرواية من دون أنيحقق العطيلي ما يصبو إليه، من استعادة ماله، الذي حصله من الشحاذة، كذلك يفشل في الانضمام إلى من رغبها كأنثى، وهي شولا، تلك التي كانت شهوتها سببا لدخوله السجن(ص116)، بعدما قتلها مع زوجها. كأن الكاتب هنا أراد أن يكشف قناع الواقع في فلسطين من خلال البشر القابعين في قعر المجتمع، أو الذين يمثّلون الغالبية الساحقة، لنعي مدى الأزمات. كما يمثّل العطيلي الإنسان الفلسطيني بشكل خاص، والإنسان العربي بشكل عام في أثناء اختراق أناه الدنيا لزمنه، وتغلّبها على أناه العليا، الأمر الذي يؤدي إلى تراجعه أمام الثانية، وتفوق الأولى عليه. هكذا يخفق في سعيه، ولا يحصّل ما كان يريده. هي هفوة لحظات قد تدمّرما تمّ بناؤه في العمر المديد.
ويواجه العطيلي في أثناء سعيه لتحقيق رغبته عوامل مساعدة، وعوامل معاكسة، كذلك عوامل ملتبسة، ويمكن تبينها من خلال ما يأتي:
1″- ممثلو العامل المساعد:
خالدة: تقف إلى جانب والدها، وتجر العربة به، كي يشحذ، ويتمم كل مهماته. يقول العطيلي لحاييم: “خالدة أفنت عمرها وهي تدفع بي العربة(ص90)”. هيتسمع كلام والدها إجمالا، ويندر أن تتأفف من طلباته(ص29)، التي لا تلبث أن تعود وتلبيها. فهي مثلا تعجن، وتخبز لأن والدها يتضجر من خبز السوق(ص11- 42- 43)، كما تحضِرُ الإعاشة الشهرية، مع أنّ هذا يضايقها(ص30)، وتبيع قسما منها(ص11). تقوم بحياكة الأثواب، لتساعدفي مصروف البيت(ص76). تطبخ لوالدها، وترتب مكان الإقامة. يرد في الرواية: “طبخت خالدة لوالدها رزا على الدجاج…غسلت خالدة المنزل وآنية الأكل(ص59)”. هي بذلك تمثّل نموذج الفلسطينية المناضلة من موقعها.
آمنة: تغسل ثياب العائلات الميسورة(ص17)، وتكسب المال، فتساعد في مصروف بيتها الزوجي، فهي تحمل يوميا إلى منزلها أكياس الطعام، أو المشتريات، التي تعتبرها “شروة” آخر النهار، لأنها تدفع مقابلها سعرا زهيدا. تقف إلى جانب زوجها في المستشفى. يقول رضوان: “لعب التعاطف الذي أحاطتني به آمنة وخالدة الدور الكبير في تهدئة نفسي(ص25)”. هي نموذج الأم الفلسطينية الصبورة، والمعطاءة،والمتفانية من أجل عائلتها(33).
العربة: يتكوّم العطيلي فوق هذا الصندوق الخشبي، أي العربة. ف” الصندوق كل عالمه، يأكل فوقه، يعمل فوقه، يسهو فوقه، ولا يّرفع عنه إلا في حالتين، حين يريد أن ينام أو يقضي حاجته الطبيعية(ص7)”. هي عربة “استهلكها مدة سبعة عشر عاما(ص25)”.
سامح: يستقبل العم رضوان وابنته في منزله(ص77). يحاوره في شؤون سياسية واجتماعية، ويسليه. كما يقدّم له نصائح، فهو يدفعه كي يعمل معه في كاراج تصليح السيارات(ص97).
المستشفى: يطبب العم رضوان(ص25).
أبو أرتين: يساعد رضوان في العودة إلى فلسطين(ص49)، ويسليه طوال طريق العودة، ويؤمن له الراحة(ص60). يكرم أبو أرتين العطيلي ويحضر له الطعام والحلوى، يحمل له “بعض المناقيش بزعتر(ص72)”.
أبو قاسم، وأبو أدهم: يساعدان العطيلي في أثناء عودته إلى فلسطين. هما رجلان قويان، قادران على حمله(ص62-63).يرد في الرواية: “نزل الرجلان، وحملا العم رضوان وأقعداه على الأرض(ص67)”.
سائق الباص ومعاونه: يعرفان موعد عودة العم رضوان اليومية في بيروتمن الشحاذة، فيحملانه ويضعانه في المقعد الأخير من دون أن يزعج أحدا، وإلى جانبه ابنته خالدة(ص16).
السعدان، والفري، والبزاقة: هم زملاء العطيلي في التسوّل. يسلّونه، ويتفقون معه.يعطي السعدان العطيلي سيجارة(ص58) واحدة كل يوم تقريبا، فيدخنها غالبا مساء. أما البزاقة، فمقربة من العطيلي “يحتضنها ويقبلها على خدها(ص9)”. كما تنقل البزاقة للعطيلي الكلام الذي يقوله الممسوح عنه في أثناء غيابه، ليعرف كيف يجب أن يداري نفسه منه(ص58).
الإعاشة: تساعد العطيلي، فهو يأكل جزءا منها مع ابنته، ويبيع بعضها، ليستفيد بأموالها(ص29-35).
أرض فلسطين: موطن الأمان، وإن كان اليهود يحكمون. يقول العطيلي عندما يترك لبنان ويصل إلى فلسطين: “…أحس بأنّ الموت ليس صعبا في هكذا لحظات، ولا مانع في أن يتحول إلى ذرات من هذا التراب(ص71)”.
لبنان:يلجأ إليه عندما يهرب من فلسطين، ويسكن “في مخيم برج البراجنة قرب بيروت”، ويكسب المال من الشحاذة في ركن ساحة البرج(ص48).
البور: هناك “الكل يريد أن يتدبر أمره ليحظى بمكان له على مركب… حين تصل المرفأتتنفس الصعداء(ص45)”.
2″-ممثلو العامل المعاكس:
اليهود:يسلبون الفلسطينيين أرضهم ، وحقوقهم، ويقتلونهم، وقد يضطرونهم لمغادرة الأراضي الفلسطينية(ص40_42_44_45)(34).
الباش مهندس المصري “بيومي“: كان سببا لانزلاق العربة على ساقي العم رضوان، الأمر الذي أدى إلى قطعهما(ص23)، فهو لم يقم بصيانتها.
الشركة اليهودية: لا تعطي العم رضوان تعويضا ماديا يكفل له عيشه، كما لا تؤمن له راتبا شهريا(ص24).
شقراوات يهوديات: يلفتن نظر العم رضوان في أثناء عمله، وهن على ظهر الباص بلباس شبه عار. وعندما انزلقت العربة لم ينتبه لها، ليفر منها، إذ كان مشغولا بمنظرهن المغري(ص20_21_23).
شولا: محتالة، وخبيثة تفكر جديا في عدم إعادة المال إلى العطيلي، وتحرض زوجها على ذلك(ص88_89_93_95).
الممسوح: هو من ضمن عصابة المتسوّلين، غير أنّه يسيء إلى العطيلي، ويرى أنوجود الفلسطينيين في لبنان سلبي، لأنه يؤدي إلى تخريبه(ص12_58).
الهوية: تضيع الهوية من العطيلي بعد أن تسقط من جيب قميصه في ماء البحر(ص47)، ذلك في أثناء انتقاله إلى لبنان على متن المركب. يقول: “بعد أن غابت الهوية عن نظري أحسست بأنّ لا شيء بعد الآن يهم… مستسلما لكل القهر(ص48)”.
المرأة المحتلة بيت العطيلي: وجودها في منزله جعله يشعر بأنه: “خرقة رثة ومتهالكة من مشاعر الإحباط والهوان(ص76)”.
الرجل الحاد: يؤنِّب العطيلي، ويوجه له كلاما لاذعا عندما كان على متن المركب، في أثناء انتقاله إلى لبنان، ويسأله لِمَ لَم يذهب إلى اليهود ليحموه، وهو الذي كان يشحذ منهم(ص46).
الانكليز:وجودهم في فلسطين يقلق العطيلي لأن البريطانيين يحبون اليهود، أكثر من العرب(ص39).
والجيش الانكليزي يتولى “توجيه الكتل البشرية لصوب ميناء حيفا حيث السفن والقوارب بالانتظار(ص44)”، حيث يمكن أن يغادروا فلسطين.يقول محمد يعقوب أنّ “بريطانيا هي العدو” للعرب ابتداء من عام 1933(35). والانكليز يحتلون الأرض الفلسطينية. و”يشجعون اليهود فيؤسسون البنوك والمصارف وشركات شراء الأراضي، والعرب يا غافل إلك الله(ص36_37)”.
العثمانيون: يبطشون، ويجوعون الناس(ص36)(36).
3″- ممثلو العامل الملتبس:
حاييم: هو صديق العطيلي، الذي يقف بجانبه عندما تتقطع ساقاه(ص24)، فيؤمن له مبلغا ماديا من الشركة، التي كان يعمل فيها، يكفيه لمدة قصيرة. كما أمن له العربة التي سيجلس عليها، بعدما بات مقعدا، وسعى للرفع من معنوياته(ص25). ثمّ إن حاييم هو من شجع العم رضوان على الشحاذة. غير أن حاييم يخون الأمانة، ويبني ملحقاً تابعاً لمنزله من مال العطيلي. وحاييم هو الذي يمنع المال عن العطيلي، متمسكا بحجة يجدها ضد المقعد المعدوم القوى(ص106).
الشحاذة: تساعده في حياته ليجمع المال، وفي نفس الوقت يعتبرها”مهنة القرف”، فهي تشعره بأنّه يعيش في حفرة(ص8).
مسدس الباربيلو: يقتل به عدوه حاييم وزوجته اللذين صرفا ماله، فينتقم بذلك من عدويه، غير أن المسدس يكون سبب دخوله السجن(ص113_116).
ب_هوية الشخصيات:
العطيلي: هو رضوان الشيخ علي، فلسطيني. يعمل في شركة يهودية، وعندما تتقطع ساقاه(ص36) يضطر للتسول،فيرتدي الأسمال، أو “ثياب المهنة”. متزوج من آمنة، ولديه ابنة تسمى خالدة، تجره بالعربة. يتصف بسلاسته، فهو عندما يشعر بأنّ سامح ينفر من شكل خالدة في بيته، يفتح معه حديثا يرضي مستقبِله، ليخفف من حدة الكره(ص86).
يشتهي النساء لأنه محروم منهن قبل وفاة زوجته(ص32). قوي على المهالك، وصبور على نوائب الدهر.. كما يتميز بطيبته، وثقته بالناس، الأمر الذي يؤدي إلى ضرره. يثق بحاييم(ص88_91)، فيستغله هذا الأخير، ويصرف ماله، وهذا ما يدفع العطيلي إلى قتله وقتل زوجته(ص113).عملية القتل تؤدي إلى دخول العطيلي السجن(ص116). وقد يكذب العطيلي إذا وجد أنّ سلامة الموقف تستدعي ذلك(ص63)(37).
خالدة: فتاة حزينة، تفني عمرها، وهي تدفع العربة بوالدها(ص91). تهمل شكلها، وترتدي ثيابا عتيقة(ص89). أما حاجباها، فسميكان “كحاجبي عنتر بن عبس(ص89)”. تترك الشعر فوق شفتيها(ص99)، كأنها “خارجة من كهف(ص83)”.تقوم بحياكة الأثواب لتساهم في مصروف المنزل(ص76). تخبز، وتطبخ، وتنظف المنزل، ولا تعاند والدها بشكل عام. قوية الشخصية(ص31_11_41_43_46)،وشريفة(ص63). تعجب بسامح، وتسعى لإرضائه(ص87)، ثم يتزوجها.
حاييم: هو مهندس يهودي، ويشرف على شركة يهودية. يتصف بتواضعه وإهماله شكله(ص19). كريم(ص20)، منسجم مع زوجته شولا(ص87). هو صديق مخلص للعطيلي،لكنه يتحول إلى خائن، بعدما يصرف كل أمواله التي جمعها من التسول، وهذا يؤدي إلى قتله.
سامح: ابن خالة خالدة(ص76)، ميكانيكي، يقوم بتصليح السيارات(ص77). هو “أسمر مفتول العضلات بشعر أسود كث يوحي بالهمة العالية(ص78)”.
يفهم الأوضاع السياسية في فلسطين، لذلك يتعامل مع اليهودي بطريقة لا تؤذي عمله، فأهم شيء عنده: “الاستمرار وتقوية الذات(ص81)”. ولأنه يعرف خيانة العرب لفلسطين، وعدم دفاعهم عنها(ص79) يساير وضعه في فلسطين، ويرفع “العلم الأبيض”عندما يجد أنّ المقاومة لم تعد تنفع للدفاع عن الطيرة(ص79)”. ولأنه يتمتع بالذكاء يصنّع مع مجموعة شباب رشاش “ستنغن”(ص80). ويملك “مسدس باربيلو”ورثه عن والده. يناقش، ويحاور، ويحلل، ويتصف بكرم أخلاقه، وحسن استقباله لعمه العطيلي، وابنته(ص77). يشرب الكحول في بعض الأحيان(ص103)،ويجالسالجنس اللطيف(ص104).
بيومي: هو “الباش مهندس” المصري، عمل مع “الخواجات” في قناة السويس، كان يتعهد المشاريع من الشركات الكبرى(ص18)، مهمته صيانة الآلات. مهمل، وعديم المسؤولية. يفر عندما يتسبب بقطع رجلي العطيلي. ينهر العمال(ص19).
أدهم: رجل قوي الهمة، لا يحب كثرة الكلام، ويدخن. يمتلك رقبة عريضة، وعضلات، وله حاجبان كثيفان، و”شنبين غزيري الشعر”. شفته العليا دائمة الارتجاف، تتبعها نشقة عفوية من خلال أنفه(ص62). يعمل مع أبي أرتين، ومهمته حمل العطيلي في أثناء عودته إلى فلسطين(ص68_69).
أبو قاسم: يعمل مع أبي أرتين، وأدهم، أي أنه يساعد من يريد العودة من لبنان إلى فلسطين مقابل مبلغ مادي. يكثر النظر إلى خالدة، ويزعجها(ص62_63_67).
أبو أرتين: رجل أرمني، مهمته نقل الفلسطينيين من لبنان إلى بلدهم. يهتم بعمله(ص55_74).
البزاقة، والسعدان،والممسوح، والفري: يشكلون “العصابة” المتسوّلة في بيروت.هم:”الذين يلجأون لبيع الحاجات الصغيرة مثل علب الكبريت والعلكة، تغطيةلتسوّلهم(ص10)”.والبزاقة قوية، ومتهكمة، ومحبة للعم رضوان(ص13). سميت كذلك “لأنها ترشق بعضا من لعابها حين تتكلّم(ص9)”. أما السعدان، فهو”بائع العلكة الذي يقلب جسده رأسا على عقب ويسير على يديه واضعا العلكة على قدميه ليشحذ من خلال حركته البهلوانية(ص10). وهو من يعطي سيجارة للعم رضوان، ويقص القصص مع حلاق سينما الروكسي(ص9). أما الممسوح، فهو محب للمال، وحقود. يكره العم رضوان، وكل الفلسطينيين في لبنان. “هو رجل متوسط العمر…نصف وجهه قد تشوه…فمسحت علائمه اليمنى، وبالكاد يبرز منها ثقب تطل منه عين تبرق من فترة لأخرى كأنها عين القنفذ(ص10_12_13)، ولا أهل له(ص15). أما الفري، “فهو أول من يفر عن أعين الشرطة…يتوارى بسرعة البرق(ص10). يتسول كعكة الكنافة من عند “العريسي(ص9)”.
المرأة المحتلة لبيت العطيلي: تتكلم الانكليزية، وقوية، شرسة، وعدائية. هي “امرأة بدينة ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين(ص75)”.
اليهود وجنودهم: يتصفون بخبثهم(ص79)، ولؤمهم، واستيلائهم على الأرض الفلسطينية، في حين أنّهم يدّعون أن العرب سيهجمون على “إسرائيل” (ص80_95). “يقتلون ببشاعة(ص43_44)”.
العرب: يخونون فلسطين وشعبها، ولا يحبون بعضهم، ويتكلون على الآخرين، ويخافون من “إسرائيل”، ويهربون منها(ص79_80_81_89). لا يملكون السلاح للدفاع عن أرضهم(ص43).
الانكليز: يحتلون الأرض الفلسطينية، ويحلون محل العثمانيين، فيستبشر العرب خيرا. يسرحون مع اليهوديات، وقد شجعوا اليهود على الاستيطان. يقول: “الانكليز يشجعون اليهود فيؤسسون البنوك والمصارف وشركات شراء الأراضي، والعرب يا غافل إلك الله(ص36_37)”. والجيش الانكليزييتولى “توجيه الكتل البشرية لصوب ميناء حيفا حيث السفن والقوارب بالانتظار(ص44)”.
العثمانيون: يحكمون، ويبطشون. سياستهم تجويع الناس، وإخضاعهم لذل الحاجة والعوز(ص36).
الفتيات اليهوديات: مغريات، و “لباسهن موغل اختصارا(ص74)”.
سامي: أخو سامح. يحب الفن المصري، لذلك يهرب مع زوجته، وأولاده إليها،وذلك قبل أن تسقط حيفا(ص78).
ج- تحوّل الممثلين:
تتحوّل شخصيات رواية العطيلي، ولا سيما شخصية العم رضوان، المعنونة الرواية باسمه. كما تتحول شخصية حاييم وشولا، إضافة إلى شخصيتي خالدة، وسامح. ويمكن أن يتبدى تحول الشخصيات من خلال ما يأتي:
1_العطيلي:يتحوّل اسمه من رضوان الشيخ علي إلى العطيلي، أما الأسباب المؤدية إلى ذلك، فيمكن أن نتبينها من خلال ما سيأتي:يعمل رضوان في شبابه في شركة يهودية، مع ثلاثة شغيلة من حوران، وتحت أمرة مهندس مصري يسمى بيومي، فيما كان المسؤول عن الجميع حاييم اليهودي، الذي تربطه مع رضوان صداقة(ص18). كانت أيامه على ما يبدو هنيئة. يقول رضوان: “حاييم… كثيرا ما نلجأ للتفكّه عليه وعلى تصرفاته(ص20)”. ويقول رضوان أيضا: “ولطالما كنت أضحك وأقهقه مع هؤلاء الحوارنة أثناء العمل… (38)”.
يستطيع الشبان أن يتلهوا بعض الشيء في أثناء تأديتهم عملهم، وقد كان هذا الأمر سبباً لقطع ساقي رضوان. تغريه الفتيات اللواتي كن على ظهر الباص، وكن “بملابس توحي بأنّها لزوم البحر أكثر منها للتجوال في الأماكن العامة، وكن شقراوات على درجة من الجمال(ص21)”. يقول: “نسيت فيها نفسي تماما، فلم أفق على صراخ ينبهني لانفلات القاطرة واندفاعها اتجاهي…(39)”.
وهكذا يتحول من العمل في شركة إلى الشحاذة، لأنّه بات صعبا عليه القيام بأي عمل، يحصّل من خلاله قوته. وبعد قطع ساقيه لم يعد يمرح، أو يضحك من قلبه كما كان يحصل معه عندما كان يتسلى مع الشغيلة الحوارنة ، وصارت لحظات المرح تكاد تكون معدومة الحضور في حياته.
وتتحول حياة العطيلي من الشحذ بفلسطين من اليهود، والانكليز، إلى الشحذ في لبنان. يقول: “استهديت إلى ركن ساحة البرج، الساحة الأشهر في بيروت والمجزية لمن يريد احتراف التسول(ص48)”.كما تتحول صداقاته، فقد كانت علاقاته ودية مع حاييم اليهودي في فلسطين(ص24-27)، وعندما يبيت في لبنان يقيم صداقات مع متسولي ساحة البرج “العصابة” المؤلفة من السعدان والبزاقة والفري والممسوح(ص10-18-58) .
ويتعب العطيلي في بيروت، ويقرر العودة إلى بلده الأم، ويقرر سلفا في لبنان تعديل عيشه عندما يبيت في فلسطين، وذلك بعد تحصيله ماله من حاييم. وحين يبيت في فلسطين يتنفس الصعداء(ص71). غير أن هذا الإحساس بالأمان سرعان ما يتبدد، عندما يعرف العطيلي أنّ حاييم قد صرف ماله على بناء ملحق تابع لمنزله(ص88)، بهدف التوسع.هكذا تتحول صداقته مع حاييم. يقول: “هذه المرة حاييم ليس صديقا فقط ، بل هو صديق عدو ومنتصر(ص93)”. يفوز حاييم، ويتماثل فوزه على ما يبدو مع ما يحققه اليهود على حساب العرب، الذين يعيشون لوقت يطول، أو يقصر محطمي القوى أمام جبروت “إسرائيل” (40).
وتتحول علاقة العطيلي بشولا زوجة حاييم، التي اشتهاها منذ سنوات شبابه. فهو، قد رغبها سرا كامرأة. لكن، عندما يعرف أن ماله قد صرفته بالاتفاق مع زوجهاحاييم، يشعر أنّها بلاستيكية. يقول: “بدا كل سحرها وكل ما يعكسه على شهوته قد ضاع فأحسّها كأنّها مركّبة من قطع بلاستيكية لا نبض فيها(ص93)”. غير أنّ هذا الإحساس سرعان ما يتبدل، وتستعيد رغبته حيالها سالف عهدها(41). ويسعى لأن ينفس عن رغباته في إحدى زياراته منزل حاييم لتحصيل القسط الشهري من ماله، فتطرده، ويوافق زوجها حاييم على ذلك. وهنا نسأل : هل قصد العطيلي عند محاولته الاعتداء على شولا الهروب من روتينه المؤلم، الناتج عن افتقاده النساء في حياته، فتكون ملامسته لها بمثابة اقتران مع ذاته المهدورة حقوقها؟ وهل تحوي محاولته تلك رفضا قاطعا لتصنعه الظالم لجسده، الذي طال أمده؟
لطالما عاش العطيلي تهميشأحاسيسه الجنسية علناً، وعوّدها على الخضوع، والامتثال، وأرغمها على التغريب، ولما أحس أنّ الولادة قد آن أوانها، أتت الوقائع معادية لمصلحته، مذيقة إياه طعم العذاب، والانمحاء، والتشرد. لقد أتى الحاضر متمما للماضي، وداعما لأنشودته الحزينة. لا شك أن فعلته تلك لم تكن دفاعا عن الذات، بقدر ما هي هجوم على انتصارها القديم المزيف، ذلك الماضي المشجّع لصداقة مغفلة كان يقيمها مع حاييم. لعله أراد إذلال كل رغبة جمعته معه، أن يميت لحظاتها عنوة. يقول ألبيريس: “لا يمكن الإيحاء بعظمة الإنسان إلا بوصف بؤسه. ولا يمكن الإيحاء بنبله إلا بإظهار دناءته(42)”.ما ورد يجعلنا نسأل: أهو مخجل تصرف العطيلي ، الذي استغل فرصة غياب الزوج عن بيته، وأساء التصرف؟ بمعنى آخر، أيمثل العطيلي وجه المخادع، أم المخدوع؟ وهل ما فعله سيبرر منع المال عنه؟ وما دلالة هذه الحادثة؟
يبدو العطيلي محافظا طوال الرواية، وما بدر منه يتلاقى مع ذكورته، ولا يخرجه من وطنيته، غير أنه يتنافى مع الأخلاق. قد يقول البعض إنّ الوطنية والأخلاقية متماهيتان، ولا يمكن الفصل بينهما. الحقيقة كذلك، لكن رحلة العيش الصعبة التي عاشها، والحرمان من الأنثى كانا سببا لتحوّله عن أدبه للحظات. لقد عاش العطيلي زمنا مديدا اغترابا ظاهريا عن رغباته، وكان بحاجة ماسة لانطلاقها بشكل واقعي، عبر علاقة ترضي رجولته، غير أنّ أوضاعه المادية السيئة، وجسده المقعد منعاه من تحقيق أمنيته، ووقع فريسة شهوته المغلفة بقشرة الصداقة الواهية. لم تكن صداقة فعلية، إذ أنّ حاييم لم يرض أن يسمع تبرير العطيلي النادم. حاول العطيلي مرارا أن يفسّر المسائل لصديقه، ولم يوافق حاييم، ويبدو لي أنّ هذا كلّه ينفي عن العطيلي تهمة الاستهتار، وقلة الحياء. وأحسب أنّ مرارة الأيام التي عاشها مع ابنته متشردا تغفر له هفوته، فما هو إلا البشري، وليس الإله.
وأعتقد أنّ العوامل النفسية هي التي حركت العطيلي، ويبدو لي أنّهفي أثناء محاولته الاعتداء على شولا أراد أن يرد خداع حاييم له بخداع آخر يساويه في الدناءة، فكان ذلك سببا لانعطافة سيئة في حياته.
كم هي سياسة حاييم شبيهة بسياسة “إسرائيل” المخادعة. لقد كان المال بالنسبة للعطيلي مشكّلاً لقوة تعضده، وفقدانه له أباد كل قدرة لديه. يتاجر حاييم بمال العطيلي، وهمومه، كما تتاجر “إسرائيل” بفلسطين، وحقوق شعبها. عندما يصرف حاييم مال العطيلي، يعني أنّه لم يفكّر ولو للحظة إلى ما سيؤول إليه واقع صديقه بعد ذلك، وهو المدمّر لآخر بصيص نور لديه. هذه هي خطة “إسرائيل”، فاستراتيجيتها دائما وابدأ هي الهجوم على الفلسطيني، والاستهزاء من حقوقه، وتجريده من أدنى قوة، يمكن أن يستفيد منها لإعادة بناء ذاته. هكذا يعيش ارتجاج الفكر، وصعوبة التمييز بين الصحيح والخطأ، وقد يموت إحساس التفاني من أجل القضية الفلسطينية. هذا قد حصل لمجيد القسام في “ربيع حار”. يقول: “سعاد تقول إنّي أسوأ لأني أهتمبالمنصب والتلفزيون وإنّي لا أختلف عن الباقين ممن هزموا وهزموا معهم آمال الشعب والقضية… أهناك مجال لقضية؟ أهناك حق؟ أهناك عدل؟ باعتنا الدول(43)”.
يجسّد حاييم وجه”إسرائيل”، تلك التي تستنزف الآخرين، ولا يرف لها جفن، فتترك فلسطين و أولادها محقونين بخطاياها. لقد كان مال العطيلي في المستطاع، وعندما صرفه حاييم صار حلما، هذه هي حال الشعب الفلسطيني حيال ملكه المستنزف من العدو(44). كأنّ مال العطيلي هنا يتسع، وينتشر ليبيت بمساحة فلسطين المنتزعة الحقوق.يقول صابر طعيمة في هذا الصدد: هدف “إسرائيل” العدواني “أن تقتل روح الحياة والأمل في قلب الشعب العربي كي لا يفكر في خيرات أرضه أو في غده بالحق والعدل(45)”.
يمنح حاييم نفسه راحة يستحقها معارضه، و أحسب أنّ حجته التي تمسّك فيها ليمنع المال عن صاحبه كانت واهية. فهو لن يستطيع أن يشرّع فكرة اعتداء إنسان حبيس مقعد على امرأة حرة التحرك.
يحض ما ورد الفلسطيني على قتال العدو، ويدعوه إلى عدم التراجع والتخاذل، حتى يتحقق النصر. المقصود مما ورد أن يحصّن المرء وجوده، ويستعيد حريته الموزعة حقوقها على غيره، التي عاش من دون حصاده شيئا منها. إذا، لا حلول، ولا مفاوضات ، ولا اتفاقات مع من لا يحمي الفلسطينيين، ويدعم انتفاضتهم.
يطرد حاييم العطيلي(ص109)، ويقرّ مع زوجته أنهما لن يسددا المبلغ المخصص للعطيلي(ص110). يضعف هذا القرار المقعد، الذي لا يلبث أن يستعيد قواه مجدداً، ويقر أن لن يترك ماله يضيع منه(ص111). ويتوجه العطيلي مرة أخرى نحو بيت حاييم لمفاوضته، غير أنّ حاييم يسيء له ولابنته(ص113). يتحول حاييم، ويمتنع عن صداقة العطيلي، ويرفض محاورته. وهنا نسأل: لماذا تصرف حاييم وفق هذا الشكل؟ أحسب أنّ عمله نابع منأفكار ضمنية مرسخة في فكر اليهودي. ويبدو أنّ الجواب يمكن أن نستشفه من خلال ما ورد على لسان السعد، إذ يقول: “ظل اليهود في تفاعل ديالكتيكي مع التعاليم التوراتية خلال حقب تاريخية طويلة، فالتوراة حددت أخلاقهم وسلوكياتهم تجاه الآخرين حيث اتسمت بالحقد والتعالي والعنصرية، والاستهتار بأفكار الآخرين وممتلكاتهم(46)”. لقد رفض اليهود الحرية، ورفضوا التواصل مع الآخرين(47)، وهذا يؤكده تصرف حاييم، الذي بدا رافضا لأي حوار مع العطيلي، وابنته، متناسيا الصداقة التي كانت تجمعهما، مقررا أن العطيلي عدو له. يقول ابراهام ارتسبورغ أن اليهود كانوا يرفضون التفاعلمع المجتمعات، وهي تربية توراتية، وأنهم كانوا يريدون أن يظلوا في أحيائهم الخاصة “الجيتوات”. ويقول: “كان لليهود في الجيتو وجود خاص، وحياة متكاملة، الحياة في الخارج غير آمنة وعرضة للخطر، أما في الداخل فكانت منسجمة لا ينقصها أي عنصر من العناصر الاجتماعية(48)”.
يستشيط العطيلي غضبا لأن حاييم لا يرد له ماله، ويرميه هو وزوجته بالرصاص، تلك التي حاولت أن تحمي جسد زوجها المضرج بالدماء، ظانة أن العم رضوان سيكف عن إطلاق النار… .غير أنّ العطيلي، عندما رآها ملقاة بجسدها الذي لطالما اشتهاه وعذبه، ازداد حقدا ونقمة، وأطلق بقية الرصاصات عليها “…كأنه يقذفها بكلكبته الذي قضى العمر يحمله تجاهها مشتهيا إفراغه فيها، فأفرغه رصاصا حاميا انصب على ساقيها وردفيها(ص113)”. وهذا ما أدى إلى دخول العطيلي السجن(ص116).يحقق الفلسطيني نصره عندما يدمي “الإسرائيلي”، مختلس تعبه. أن تقتل صهيونيا يعني نهاية الأحزان، وأفول الوجع، وتحقيق الهدوء، لأن القاتل سينعم بشعور الرضا.
أحسب أنّ تحول العطيلي يتضمن تحريضا ضد العدو، ودعوة إلى متابعة الكفاح. فسجن العطيلي، لا يعني هنا انتهاء المقاومة، بل بدايتها، لأن الوجع لم يشف بعد، والجرح لم يُضمَد إلا بشكل جزئي ضئيل. ويبدو أنّالآخرين الفلسطينيين سيحذون حذو العطيلي، الذي سيكون مثالا لكلّ الفلسطينيين، بل كلّ العرب، كي لا يسكتوا عن حقهم، إذ عليهم أن يقاتلوامهما تضاءلت وسائل دفاعهم. وأزعم أنّ تحول العطيلي هنا، يؤكّد أن الفلسطيني لا يرضى أن يهدر حقه.
والرواية في رصدها تحوّل العطيلي قدمت صورة عن واقع فلسطين. لا أعني أنّها نقلت المسائل نقلا أمينا، وبحرفيته التامة، إنّما أقصد أنّها استفادت من النكبة الفلسطينية، ومن استباحة الصهيوني لحقوق الفلسطيني، وقدمت ذلك وفق رؤيتها الخاصة، تلك التي لا تخلو من علاقة مع مرجعيتها الفعلية، والتي لا تبعدنا إطلاقاعن أحزان الفلسطيني، ورفضه غطرسة معاديه، أوالامتثال لآرائه.ويبرز التحول هنا صعوبة الاحتكاك مع الصهيوني الغادر، واستحالة إقامة علاقة إيجابية معه.
وهنا نسأل: ماذاأراد النص أن يقول عندما اختار إنسانا لا يتكافأ مع عدوه سواء من الناحية العلمية، أو الجسدية، أو المادية؟ يحوي النص سخرية مخبوءة ضد العدو المتغطرّس، الذي يدّعي عدم أفوله، وأنّه قوة لا تقهر. إن نهاية حاييم كانت على يدي إنسان مقعد، وفقير، وغير متعلّم، ولا ينتمي إلى أي فكر عقائدي يتحرك من خلاله.
2- شولا:كنا قد تعرفنا إلى تحول حاييم زوج شولا من خلال علاقته مع العطيلي، وسنتعرف إلى تحوّل شولا من خلال ما يأتي:
كانت بداية إنسانة طبيعية، ولا أطماع لديها حيال رضوان، وابنته، تحمل “حلوى الجيلي” له إلى المستشفى عندما بترت ساقيه(ص24). لكن بعد أن يجمع أمواله مع حاييم، ويصرفها هذا الأخير على بناء ملحق تابع لمنزله، تتحول تصرفاتها، فتبدو إنسانة حقودة، ومادية، وخبيثة، ومستغِلة. حين غادر العطيلي بيت حاييم “أشارت زوجته إلى الباب بيدها كأنّها تقول لهما إلى الشيطان أنتما وأموالكما(ص94)”. وتقول أيضا لزوجها، الذي بحسبها يجب أن يواجهه، وألا يضعف أمامه لأنه صرف أمواله: “من قال له أن يهرب ويترك أمواله(ص88). وعندما يحاول العطيلي أن يمسها، وينفس عن رغباته الدفينة، تنتفض، وتطرده من منزلها الذي كانت تستقبله فيه، متمسكة بحجة الاعتداء عليها، وهي التي على ما يبدو كانت تنتظر أدنى فرصةلتمنع ماله عنه(ص106). يقول:”قد وجدتها شولا فرصة مناسبة للتخلّص من العم رضوان ومن الدفع له(ص109)”.
3- خالدة وسامح:ونلحظ أن التحول يطال شخصيتا خالدة ابنة العطيلي، التي تجر العربة بوالدها، وسامح ابن خالتها. تعمل خالدة بداية في الخياطة، ثم تروح تجر عربة والدها المتسول. كما تنتقل معه من فلسطين إلى لبنان، ثم تعود معه إلى فلسطين مجددا ليعيشا في بيت ابن خالتهاسامح، الذي تميل مشاعرها إليه(ص96)، غير أنه كان يقرف منها، ويعتبرها خارجة من الكهف(ص83). يرد في الرواية: “تكمده فكرة أن يرتبط بخالدة وهي على هذا النوع من الازدراء والتخلف، فيتخيلها قبل أن ينام، فيصاب بتعاسة… (ص85)”.
إن نظرة سامح إليها كانت تؤلمها. يرد في الرواية: “قامت خالدة تريد إعداد الفطور، لكن سامح أصر على أن يقوم بهذه المهمة وحده، فشعرت بأنّه فعلا يكرهها، ولربما يقرف منها، فتعست أكثر، وأحست بأنّ وحدة من الحال لن تجمعهما مع ابن خالتها ربما مدى العمر(ص86)”.
يتحوّل سامح من ناحيتين، هما :
1_الناحية العاطفية، وهي تتبدى من خلال علاقته مع خالدة.
2_ الناحية السياسية.
وسنتناول كيفية تحوّله في المجالين من خلال ما يأتي:
تتحول مشاعرسامح نوعا ما، ويطلب من خالدة أن لا تبقى “بالة من الثياب القاتمة، أو ندابة كالتي فقدت زوجها… عليك أن تتعرفي إلى الجيران والنسوة اللواتي حولنا، والفتيات… ثم عليك العودة إلى مهنة الخياطة(ص97)”.
يبدو أن دعوة سامح لخالدة تلقى صداها، فقد ” حاولت خالدة أن تغير من رتابة حياتها قليلا. أخذت تغسل ثيابها من جديد، وتكوي ملابسها ثم تحممت ونظرت إلى شعرها بالمرآة فوجدت أنّ في ملامحها إنسانة جميلة تطل من سماتها…مع إقرار بأنّها مع الوقت ستلطّف من كثافة حاجبيها وتزيل زوائد الشعر عن وجهها. ثم بدأت تهتم بالمنزل وترتبه. وذهبت للسوق لإحضار مواد الطعام…كانت خالدة تحاول أن تمد أواصر مع أهل الحي أو تنتظر سامح ليتوفق بإيجاد الماكينة…(ص100-101)”. هذا التحول الذي طرأ على شكل خالدة قد ترك أثره الإيجابي على سامح، الذي أخذت رغباته تتحرك نحوها، وهذا ما دفعه لأن يطلب الزواج منها. إن خالدة”استحمت وأكلت وجلست تنتظر سامح ليعود من عمله، وقد فردت شعرها الفحمي الأسود على كتفيها فبدت أيقونة بتوهج غريب…فأقر سامح في نفسه لأول مرة بأنّ خالدة امرأة جميلة، وأنّه يحبها…أسر إليها: إني أطلبك للزواج(ص116)”. هذا التحول يطال الناحية العاطفية. أمّا التحوّل من الناحية السياسية، فيمكن أن ندركه من خلال مايأتي:
كان سامح في البداية يقاتل ضد العدو”الإسرائيلي”، وقد اخترع سلاحا. يقول: “قبل أن تسقط حيفا بسنة استطعت أنا ومجموعة من شباب الطيرة تصنيع رشاش ستنغن… كنا نقوم بعمليات لا أخفيها عنك الآن. عمليات كبيرة تصدّينا فيها للإنكليز وللهاغاناة ولأفراد عصابة الأراغون الذين كانوا يؤمنون بالعنف… كانت الطيرة، تأكل رأس الأفعى(ص80و82)”.وعندما يكتشف أنّ إسقاط اليهود أمر صعب جدا، يتراجع عن موقفه، ويفكر في إقامة علاقات طيبة مع عدوّه بشكل علني، مقررا إخفاء حقده، ليبقى في أرضه. يقول: ” …رفعت العلم الأبيض حين أحسست بأنّ مجال المقاومة لم يعد يثمر…فماذا كنت سأستفيد لو أنّي كبّرت رأسا…خفنا على رؤوسنا نحن الشباب من الانكليز من مغبة رمينا في السجن، أو من أية عملية صهيونية غادرة تقضي علينا… أنا أتعامل مع الشياطين إذا كانوضعي لا يسمح بغير ذلك…أهم شيء هو الاستمرار وتقوية الذات. بالنسبة لي مثلا جمع المال وتحسين ظروفي هما الأهم الآن، لربما يمكّنانني من عمل الرشاش الذي كلمتك عنه، وحدي، أو أتبرع لمن يحتاج من شعبي(ص79 و81)”. يبرر سامح تحوله، معلنا أنّ تعاطيه مع العدو ما هو إلا لحرصه على أرضه. وهنا نسأل إن كان تصرف سامح صحيحاً و ضروريا، ومن واجب الفلسطينيين الاحتذاء به، حفاظا على الأرض؟
يربط سامح المسائل مع بعضها، ويحللها، ويستنتج أن فرصته الوحيدة للبقاء في أرضه هي دراية العدو، والاحتيال عليه. كيف لا يساير وضعه، والكل يعرف أنّالولايات المتحدة تدعم “إسرائيل”، وكل قوة مهددة للعالم العربي(49). يقول مريد البرغوثي في هذا الصدد: “إن العالم كله يمارس ضغوطا ضد الفلسطينيين في الحرب والسلام، بينما لا أحد يضغط على “إسرائيل” (50)”.
وهنا تراودنا مجددا أسئلة، وهي: إلى أي حد وعت الرواية واقع فلسطين المتردي في القرن العشرين؟ وكيف تجلى فهم القضية الفلسطينية، وكيفية تحرير الأرض؟ وهل تفاوت وعي التحرر في هذه الرواية عن غيرها من الروايات المتزامنة معها؟
يشكو سامح في رواية “العطيلي” من عدم امتلاك السلاح المؤدي إلى تحرير الأرض: “…لم يكن عندنا سلاح كاف، لم يكن عندنا تنظيم حزبي أو عسكري، لم نستطع أن نبني بنية مقاتلة تحت الأرض كما فعل اليهود بخبث(ص79)”. ونقرأ مثل هذه الشكوى في رواية سحر خليفة “أصل وفصل”. يقول خريج السجن، الداعي إلى الثورة، رفضا للظلم: “بماذا نخرج يا سيدنا الشيخ؟ نخرج للثورة بأيدينا؟ لا مال، ولا سلاح، ولا تكاتف، وما من ظهر يحمينا. …عملاء الانكليز يتربّصون بنا، وجواسيس اليهود في كلّ قرية ومدينة… يا سيدنا الشيخ، الثورة بحاجة للأموال، مال للسلاح، مال للأكل، ومال للأهل. كلّنا فقراء كما تعلم…هذا نجّار…،وأنا مثلهم بياع كاز. يعني رزقنا على الله يوما بيوم. …رأيي أن نستمر كما كنّا، نعمل فيالسر لأنّ الجهر بالثورة صعب وخطير”(51). ونلحظ أيضاً في رواية إبراهيمنصرالله أنّ رغبة الذود عن الوطن موجودة، غير أنّ العتاد والسلاح غير متوفرين.يقول في روايته نظر الحاج سالم “إلى ابن أخيه ناجي وابنه علي وقال: عندما نحصل على الرصاص لا نجد البواريد، وعندما نحصل على البواريد لا نحصلعلى التدريب(52)”.
يوضّح ما ورد أنّ الشروط “الإسرائيلية” لن تلقى صدى ايجابيا لدى الفلسطيني. ولن تضع الانتهاكات “الإسرائيلية” الفلسطينيين في الخطوط الخلفية، أو تثبط من عزيمتهم،بل ستتوالد الأفكار المدروسة والموجَّهة للهجوم على العدو، وستتقد نيران القتال، كلما تقدمت الساعة نحو الأمام، حتى يتم القضاء على “إسرائيل”، وتعود القدس إلى أصحابها. الفلسطينيون هم أصحاب الأرض، وأهل الحق دائما الأقوى، لذلك سيقطفون خيرا ثمار صمتهم، وجلدهم، وعذابهم، وحذرهم . هو خير سيمحو شعور الخذلان كلما أصاب الفلسطيني، أو دنا منه. يشير تكرار ضرورة تسلح الفلسطينيين في الروايات الثلاث، إلى أنّ فلسطين لن ترضى الذل، وأنّ الصمود سيعيد لهاما اغتصب منها، وهي التي لن توافق أن تتقاسم ما هو لها، مع من ينتهك عرضها، ويعتقل أطفالها القاصرين، وحجتهم أنّهم يهددون أمن الآخر مغتصبالأرض. إنّ تكرار موضوع التسلّح الفلسطيني في الروايات الثلاث يبدي خطورة بقاء اليهود على أرض فلسطين أحياء، في حين أن الفلسطينيين يدافعون عن نفسهم، وهم عراة، من دون غطاء يحميهم. إنّ إبادة “إسرائيل” تتطلب من الفلسطيني أن يدرك متى، وأين يتم الرد. كي يرفع الفلسطيني عن كاهل أهله غل “إسرائيل” وحقدها، يجب أن يعي السبل الآيلة للنهوض إثر كل انتصار يعنيه، أو انهزام يؤرّق صبره، لا أهدافه. امتلاك الفلسطيني للسلاح، والتدرب عليه يخرجه من كبوته، ويعيد له ما قد يفتقده من اتزان ضاع. تأتي الدعوة إلى التسلّح هنا، لتبدي ضخامة الهم الفلسطيني.يحصن السلاح المكانة لفلسطين، ويميل بها من الانحلال إلى القوة، ويرفع عنها الغبن، ويحيطها بالاقتدار. السلاح يقضي على المؤرّق، ويزوّد المظلوم بأصول حريته، لا وهمها، أو أفولها. إن الغاية من تكرار ضرورة التسلّح هو التأريخ لعطل الفلسطينيين عامة الرافضين للمعادي، والساعين علنا، وضمنا، وأبدا، ودائمالإنزال أقصى الخسائر به. لِمَ لا، وإسرائيل تخشى عمليات حماس. يقول مريد البرغوثي: “حكومة “إسرائيل”قد قررت إغلاق الضفة منذ وصولي بسبب الانتخابات العامةتخوفا من عمليات حماس(53)”.
لماذا يعيش الفلسطينيون القهر وحدهم، والدول العربية تقف مكتوفة الأيدي؟ هو سؤال تجيب عنه تصرفات غالبية الدول العربية، تلك التي تتناسى القضية الفلسطينية، معتبرة أنّ مسألة استعادة الأرض الفلسطينية كلّها باتت خاسرة. أحسب أنّ المشكلة هي عدم توحد العرب ضد العدو المتغطرس، فكل دولة عربية سرا أو جهرا تسعى للحفاظ على مصالحها، لذلك قد تتخفىوراء أقنعة فرارا من واجبها حيال قضية عربية.هيدول عربية لا تجد أن الحرب مع “إسرائيل” مجدية، كما أنّ الخصام مع “إسرائيل” لن يحقق لها أرباحها التي تهدف إليها، أوطموحاتها التي تستجديها. كأنّ الأخوة العرب في صمتهم هذا يدعمون الإرهاب، الذي بات مرتاحا لفكرة مفادها أنهم لن يؤرّقوا بشاعة أحقاده المدمية للشعب العربي المقهور.
د- آلية الصراع وتحقق الذات:
تمتلىء الرواية بالصراعات، وتتوالى الهموم، وكأنّها تتوالد من بعضها البعض، ويبدو أنّ جميعها تتغذى من رحم واحد، ناتج عن قطع ساقي العطيلي. هذا عدا عن كون هذا المقعد هو فلسطيني، لا وطن يدافع عن حقوقه، أو يحمي بعضها.
يبدو العطيلي منذ بداية أحداث حياته جادا ، ومجتهدا لتحصيل قوته، وقوت عياله، فهو عامل في شركة يهودية(ص18)، ويضحك مع زملائه(ص19)، ويتسلّى . لكن، يبدأ الصراع من لحظة قطع ساقيه. يقول: “انطلقت آلام روحي من فمي بصرخة مجلجلة كلهيب ينطلق من فم تنين أسطوري، محمّلة بكلّ مخزون الأسى والألم والعذاب، وأحسست بوجع جميع معذبي الأرض، وأغمِي علي(ص21)”. هي لحظات صراع مع الحياة تدفعه إلى تمني الموت ، كسبيل خلاص، وتحقيق متعة. يقول: “وقتها أحببت أن أموت، فهو أسهل عليّ من فقدان عنفواني وشبابي وقدرتي على التصرف(ص23)”. وتزداد الأزمات حدة عندما لا تعطي الشركة العطيلي أي تعويض مادي(ص24).غير أن وقوف صديقه اليهودي حاييم إلى جانبه، إضافة إلى زوجته آمنة، وابنته خالدة يخفف من وطأة المعاناة. وعندما يغادر المستشفى يعاني من أزمة متابعة عيشه، وهو الرجل المقعد، الغير قادر على العمل، فينصحه حاييم بأن يتسول. يقول له:”إن التسول ليس عيبا، ولقد اضطر شعبنا اليهودي للجوء إلى هذه الوسيلة…(ص27)”. ويقتنع العطيلي برأي حاييم رغما عنه. يقول:” لا أرضى بالشيء وأعود فأضطر للقبول به. هذه هي كل مأساتي، لم أرض بالشحاذة، ولكني رضيت بالقبول بها لنعتاش(ص36)”. مأساة أنا العطيلي الفرد، هي مأساة أنا الفلسطينيين الجماعة، التي قد ترضى بما لا ترغبه، وإن كان الرضوخ سمة لم تلازم الفلسطيني بشكل عام، والدليل انتفاضته التي لم تنقطع أواصرها ضد العدو. أعني:إنّ العطل في قدميه، والذي يرغمه على فعل ما يستقبحه يتقارب بوجه، أو بآخر مع أوضاع فلسطينيين آخرين، يضطرون للتعاطي مع العدو بغية البقاء على قيد الحياة، خصوصا أنّ التأمينات المعيشية غير متوفرة لأمثالهم، ولمغايريهم من الفلسطينيين، الذين يقض مضجعهم “الإسرائيلي”، ويبيح دماءهم، ويمنع عنهم فرصة الإفصاح والتعبير.إنّ تقديم العطيلي هنا يوضح حقيقة أزمة الفلسطيني، الذي يفتش دائما على مكانه في هذا العالم، كما يؤكّد صعوبة إمساكه بزمام هويته المضللة، المضطربة في عالم لا يؤمّن له سلامة العيش. يمتهن الشحاذة، وتجره ابنته خالدة “إلى أمام النوادي الانكليز(ص37)”. “لقد تكوّم فوق الصندوق الخشبي ذي العجلات الأربع كجبل صغير من المطاط، أو كتمثال… أما هي، فكانت تدفع من الخلف بالصندوق- العربة…جلس على هذا الصندوق كمن يجلس على قدَره، فأصبح الصندوق كل عالمه، يأكل فوقه، يعمل فوقه، يسهو فوقه، ولا يُرفع عنه إلا في حالتين؛ حين يريد أن ينام أو يقضي حاجته الطبيعية(ص7)”. يكفي أن نقرأ هذا المقطع، لندرك مدى العذاب الذي نزل بالعطيلي، هو عذاب لا يمكن التحرر منه إلا عبر الموت. وعندما قامت الثورة الفلسطينية سنة 36 كان العطيلي يتسول من الانكليز، ومن اليهود(ص37)، وفي تلك الأثناء عاش صراعا مؤلما، لأن العرب كانوا يلومونه لأنّه يمد يده لليهود. غير أنه كان يرى أنّ ذلك اللوم لم يكن مبرَرا، لأنّه لن يستطيع العيش إلا من خلال الشحاذة، لأن “أحداً لم يفكر بعمل صندوق لإعانة المحتاجين أو أصحاب العاهات…، وجدتها مجدية أكثر، وكنت كل شهر عندما أذهب لمنزل حاييم… بلغت أموالي معه سبعة عشر ألفا من الجنيهات الفلسطينية(ص38)”. يجمع ماله مع حاييم لأنّه يثق به،فهو قد وقف بجانبه في مراحل حياته الصعبة، وأمن له العربة التي جلس عليها طوال أيام عيشه. كما كان العطيلي يشعر بالسعادة لأن الانكليز كانوا يرمون إليه الأموال. يقول: “كأنّي راقصة ينقطون لها… كنت أسر في حفل المزايدة إياه فالغلة تزداد(38)”. ويتم القضاء على هذه الرغبة لأن عصابات بيغن(54) بدأت تسعى لجلاء الانكليز عن فلسطين، للاستيلاء عليها مبكرا(ص38).وتتفاقم المسائل، لأن العرب لا يرضون بمشروعالتقسيم، لأن “سبعة بالمئة من سكان فلسطين الذين هم اليهود، يريدون أخذ نصف البلاد(ص39)”. هكذا لم يعد أمام العطيلي سوى مغادرة البلاد للمحافظة على روحه. يقول: “أخذت الأمور تتصاعد بسرعة، وأصبح عليّ من المستحيل الوصول إلى أحياء اليهود… فصار صعبا عليّ مغادرة الحي، لأنّ المحاسبة ستكون عسيرة وقد تؤدي إلى اتهامي بالجاسوسية والخيانة(ص40)”. ويصاب العطيلي مثله مثل أي فلسطيني بالألم، لأن اليهود أخذوا يقصفون أحياء الفلسطينيين الملاصقة لهم، وقد كانت نيتهم أخذ حيفا. يقول: “اليهود مستدمون. يذبحون كل من يصادفهم من العرب بلا رحمة(ص42)”. لهذا تمدّ الخيبة خيوطها إلى ذات كل عربي، إذ أنّ “بن غوريون قال في الجريدة إنّه سيجعل الفلسطينيين شعبا هاربا(ص43)”. ويتم التحدّث في رواية “العائد إلى حيفا” عن القصف “الإسرائيلي” على “الأحياء العربية”. يقول: “كانت حيفا مدينة لا تتوقع شيئا، رغم أنها كانت محكومة بتوتر غامض. وفجأة جاء القصف من الشرق… ومضت قذائف الموتر تطير عبر وسط المدينة لتصب في الأحياء العربية.وانقلبت شوارع حيفا إلى فوضى… وبعد لحظات شعر سعيد أنه يندفع دونما اتجاه، وأن الأزقة المغلقة بالمتاريس أو بالرصاص أو بالجنود إنما تدفعه دون أن يحس، نحو اتجاه وحيد…(55)”. كما يتحدّث مريد البرغوثي عن ظلم “إسرائيل”، ويقول: “لؤي تلقى رصاصهم في مدخل القرية… رشق حجرا. رشقوه بالرصاص. تركوه لعويل القرية كلّها وذهبوا. لم يبلغ لؤي ولا بلغ عدلي الثامنة عشرة على الإطلاق(56)”.
وإن كان الهروب بات رغبة ملحة لدى الفلسطيني العاري من أي سلاح يحميه، غير أنّها رغبة مؤلمة، لأنّ الفرد العربي مرغم على القيام بها. فقد كان اليهود يخرجون الناس من بيوتهم بالقوة، “وبأثواب نومهم ليغادروا أو الموت مصيرهم. وكم منهم قضى رشقا بالرصاص أمام مرأى عائلاتهم وأولادهم(ص44)”. وقد تحدّث ابراهيم نصرالله في رواية “زمن الخيول البيضاء” عن معاناة الفلسطينيين. يقول: “دخلنا بيت محمد شحادة وجدناه ميتا فوق جثة أحد المهاجمين(57)”. يعطينا ما ورد صورةواضحة عن قمع الصهيوني للفلسطيني، كما يبين مدى عنفه، وشراسته، الأمر الذي يضطر الفرد لمغادرة ملكه، فسلطة الاحتلال تبدي “باستمرار قدرتها على العنف وممارسته لقمع المقاومة وتذكير السكان الواقعين تحتها بعدم استقلالهم…(58)”.
يجد العطيلي نفسه مرغما على مغادرة فلسطين، وتتحقق رغبته في الهروب من طغيان “إسرائيل”، غير أنّ التحقق يأتي معتما، ومأساويا. يقول العطيلي عند توجهه نحو المركب، الذي سينقله إلى لبنان: “حين وصلنا “البور” كان يعج بالأنفس …الكل يريد أن يتدبر أمره ليحظى بمكان له على مركب. لكن أيا من الرصاص والقصف لم يكن أبدا يستهدف البور، وكأنهم أرادوه مجالا آمنا للفرار …الغثيان بدأ ينتشر في أنحاء جسدي(ص45)(59)”.
ويصاب بخيبة كبيرة، لأن مخططه في التوقف عن الشحاذة في سن الخامسة والستين(ص48)، بعد أن يكون جمع مبلغا كبيرا من المال لم يتم. وهذا ما يولّد لديه شعوراً بعدم الأمان، واستمرار الصراع مع الحياة من أجل الاستمرار. يقول: “…أحس بأنّي سأظل أتسول ربما حتى بعد وصولي إلى القبر(ص48)”.
ويعاني كثيرا حتى يجد ما ينقله من عكا إلى لبنان. يقول: “مرت أيام كنت وخالدة ننتقل فيها من قرية إلى قرية، ملتمسين عون الآخرين وحسناتهم، حتى التقينا في أحد الأيام كميونا قاصدا لبنان ، فاشفق علينا سائقه… عبرنا الحدود وظللنا نتشرد كالعادة حتى حط بنا الرحال في مخيم برج البراجنة قرب بيروت(ص48)”. ويستهدي العطيلي إلى مكان تسوّل، ويشعر بعد ذلك أنّه أصاب الهدف الذي أراده.
وهَمٌ إضافي يزداد على ما سلفه، وهو إساءة يتلقاها ممن يمتهن نفس المهنة في لبنان، وهي الشحاذة. يقول الممسوح للعطيلي: “أنتم الفلسطينيين أتيتم إلى لبنان لتخرّبوه مثلما خربتم بلدكم(ص12)”. كأن رؤية الممسوح هنا تتوافق مع ما يمارس على الفلسطيني من قمع، وتضييق خناق(60).يعيش الفلسطيني تائها في هذه الأرض،لا يعرف مستقرا، ولا يدرك كيف سيقضي عمره، وهو الباحث أبدا عن مسكن يصونه، وعن عمل يحميه، وعن وطن يأويه. لكن، هل كل الفلسطينيين تحملوا ما تحمله العطيلي من قهر، وألم؟ لا شك أنّ خيبة الفلسطينيين قد لا تتلاقى بوجه أو بآخر مع غيرها من الخيبات العربية، كما أنّ معاناتهمقد لا تتماثل. فالعطيلي لا يرحب فيه في لبنان من قبل الممسوح، أما مريد البرغوثي الذي يعاني في ” رأيت رام الله”،فيتنقل من بلد إلى بلد، ويلقى غالبا الاستقبال الجيد(61)، وهذا ما لم يحظ به العطيلي. يقول مريد: “ومن بغداد إلى بيروت إلى بودابست إلى القاهرة ثانية…لم أستطع تكوين مكتبة منزلية متصلة أبداً. تنقلت…في بيت “أبو حازم” حاولت أن أحصي قبل النوم عدد البيوت التي عشت فيها فوصلت إلى رقم الثلاثين(62)”.الفرق واضح بين إقامة العطيلي خارج حدود فلسطين، وإقامة البرغوثي، واستقبال كليهما في البلد الآخر مختلف، ولا شك أن ثقافة المرء، وعلاقاته، ومستوى تفكيره، ووضعه الاجتماعي، والنفسي يسوقه إلى واقع حسن، أو خلافه.
إنّ العم رضوان يغضب من كلام الممسوح لأن الأوّل قد باتت همومه مجموعة على كرسيه، فإذا بها تضغط على أعصابه، وتبيت أوسع من الكون. يقول العطيلي عن الممسوح: “لا يتقي الله. لابد من أنّ نفسيته مشوهة… أمقت هذا الرجل، لأنّه لا يحب أحداً(ص12)”. لعل ما ورد غايته التلميح إلى ضرورة اتخاذ الدول العربية السبل الآيلة لرفع غطاء الفقر عن شريحة كبرى في المجتمع العربي، وتأمين حياة لائقة لهم تمكنهم من الإحساس بالاستقرار.
وتتبدد معاناة العطيلي أحيانا، و تختفي ليحل مكانها الرخاء. ها هو رغم مأساته، نجده في أوقات الشحاذة يختلس لحظات السعادة، التي من شأنها أن تخفف من وطأة الصراع. يقتنص العطيلي سيجارة “لوكي” من “السعدان”، ويشكها على طرف أذنه اليمنى، ويتركها للمساء ليدخنها بعد العشاء(ص18). هو يستنجد بأدنى فرصة قد تمكّنه من تأمين فسحة هدوء، تقلل من تشنج عيشه.
ولا يعيش العطيلي فقط صراعا مع الوقت من أجل جمع أكبر قدر من المال، يساعده في عيشه عندما يكبر في العمر(63). بل يعيش صراعا حادا آخر ينتج عنمغادرته فلسطين، وترك ماله مع حاييم(64). يتألم لأنه لا يسترد ماله قبل مغادرة فلسطين، ولعل هذا ما يدفعه إلى القول لابنته عندما يبيت في لبنان، وهو الذي يشعر بالخيبة، لأن تعبه بقي مع حاييم: “…هل نهمل باب رزقنا؟؟ مهنة القرف هذه؟؟… يا ابنتي، ليست آخرتنا الحفرة، إننا نعيش فيها الآن(ص8)”. يوضح هذا الكلام عظم المأساة التي يعيشها العطيلي، وصراعه الدائم مع أوجاعه، وهمومه.
ويعاني أيضا أحيانا من سوء علاقته مع ابنته، التي تتلكأ في تحصيل الإعاشة. وهذا يؤدي إلى تشنج علاقتهما، فيمتنعان عن الكلام(ص35).ويؤلمه تذكر الباص، الذي كان سبب قطع ساقيه(ص20)، والذيأدى أيضا إلى وفاة زوجته آمنة(ص16).
ولأنّه يعاني كثيرا في لبنان، يفكّر أن يعود إلى فلسطين، حيث يمكنه أن يسترد ماله، الموجود مع حاييم، ويتخلّص بذلك من قرف الشحاذة. يقول: “لن نبقى في هذا البلد. لنعد إلى حيفا(ص48)”.ويتحقق ما يصبو إليه ويتفق مع أبي آرتين الأرمني على طريقة ترتيب العودة، وحينها يقول: “أحسست بأنّ الدماء بدأت تسري دافئة في عروقي، والكثير من الفرح ينطلق…فأنا سأعود إلى بلدي(ص49)”. وعندما يصل إلى فلسطين يشعر بأنّ التحقق حصل فعلا. يقول:”أحس بأنّه ينتمي إلى هذه الأرض… وأحس بأنّ الموت ليس صعبا في هكذا لحظات…يحس في هذه اللحظات بأنّه قوي… زفر زفرة طويلة كأنه يستجمع كل تفاؤل المستقبل(ص71)”.يبدو أنّ في هذا الكلام دعوة مدوية إلى ضرورة البقاء في الأرض الفلسطينية، وعدم مغادرتها، إذ ضمنها يحقق الفرد لأرضه الحماية، كما أن الفرد خارج رحم أمه لا ينمو، ولا يدرك النور أو بصيصه، أو بعض شعاعه، إنّما أفوله، خصوصا إن كان الخروج لا يستهويه . الموت داخل فلسطين يتساوى مع الحياة، بل يرتقي عليها.
يتناقض إحساس العطيلي تناقضا كليا مع ما أحسه سعيد العائد إلى فلسطين في رواية “العائد إلى حيفا” لغسان كنفاني. فسعيد العائد إلى حيفا لمجرد وصوله إلى مشارفها قد “شعر بالأسى يتسلقه من الداخل. وللحظة واحدة راودته فكرة أن يرجع… طوال الطريق كان يتكلّم ويتكلم…عن الحرب وعن الهزيمة… وعن العدو…ونهب الجنود للأشياء والأثاث، ومنع التجول…وتحدّثت زوجته…وحين وصلا إلى مدخل حيفا…اكتشفا في تلك اللحظة أنّهما لم يتحدّثا حرفا واحدا عن الأمر الذي جاءا من أجله!(65)”. المفارقة واضحة بين عودة العطيلي، وعودة سعيد؛ فالعطيلي يعود، ولديه رغبة استعادة أمواله، لتحقيق عيش أفضل. أما سعيد، فيعودمع زوجته، ولا يتحدث عما يخطط له، غير أنّ المتتبع لأحداث الرواية يكتشف أنهما قد تركا طفلا رضيعا في أثناء مغادرتهما فلسطين، وعندما يعودان بعد عشرين سنة يجدان هذا الابن قد تربى في ظل أسرة يهودية، الأمر الذي يؤدي إلى استنكار الابن لعودة الوالدين المتأخرة، وهما اللذان غادرا حيفا، وتركاه “رضيعا في السرير(66)”. كأن على الفلسطيني أن يدفع الثمن دائما أينما حل، وكيفما تصرف، فها هو العطيلي يعود إلى فلسطين، ولا يشعرإلا لوقت ضئيل أنّه حقق إنجازا. إذ أنّ إحساس القوة هذا، سرعان ما يخالطه إحساس مغاير، هو العجز، الناتج عن كثرة الهموم الملقاة على عاتقه(ص71). ها هو يجد أنّ بيته المتلهف إلى رؤيته، قد تمّ احتلاله من قبل امرأة يهودية(ص75). يرد في الرواية: “العم رضوان تحول إلى خرقة رثة ومتهالكة من مشاعر الإحباط والهوان(ص76)”.و مثل هذا يحصل لسعيدفي رواية “عائد إلى حيفا”، فهو عندما يعود إلى فلسطين، يجد أنّ “ميريام” قد سكنت بيته(67). ما ورد من تشابه مصير بين شخصيتي “العطيلي” في رواية نبيل أبوحمد، وسعيد في رواية غسان كنفاني”عائد إلى حيفا” يثبت رؤية غولدمان، فهما شخصيتان تمثلان شريحة كبرى موجودة في المجتمع الفلسطيني الهارب من الطغيان الصهيوني”يرىغولدمان أنّ موضوع الإبداع الثقافي الحقيقي هي الفئات الاجتماعية وليس الفرد المتوحد المعزول…والكاتب في رأيه وسيط بين الأثر الأدبي وبين الفئة الاجتماعية…(68)”.
وعندما يعرف رضوان أنّ استرداد المال من حاييم لن يكون إلا عبر تقسيط شهري،تعتريه خيبة كبرى. يقول :”يعني يا ست شولا سنظل نشحذ مدى العمر(ص92)(69)”.
يتماثل وضع العطيلي هنا في الرواية مع أوضاع الفلسطينيين الرازحين تحت أعباء الاحتلال، الذين ليس لهم إلا أن يعانوا فوضى لؤم الاحتلال، وغطرسته. ليس لهم إن أرادوا البقاء على قيد الحياة سوى الصمت، والإذعان، والخنوع . ليس لهم إلا الامتثال لآرائهم.
ويعيش رضوان صراعا ضمنيا، فبناء حاييم يجب أن يكون له ولابنته. ويتفاقم هذا الإحساس بالألم عندما يتبجح حاييم، ويتحدث عن إنجازاته في هذا البناء ناسيا أن ّ هذا المال يخص العطيلي. يقول عن حاييم: “…مبديا مهارته في الهندسة والتصميم، وكيف أنّه استطاع بمبلغ محدود أن يمتلك ملحقا إضافيا لمنزله… من دون أن يشعر أو يذكر أنّه بالحقيقة يجب أن يكون عقار العم رضوان…(ص101)”.وهنا نسأل: هل بناء ملحق لمنزل حاييم على حساب فلسطيني مقعد مقهور، يماثل واقع الفلسطينيين السيء بشكل عام، المستغلين من قبل العدو “الإسرائيلي”؟ يبدو أن النص أراد توضيح واقع العربي الفلسطيني المأزوم خلال شخصية العطيلي. يقول د. علي نعمة: ” إنّ أكثر ما يهم إسرائيل من كلّ المشرق العربي هو المنطقة التي تسعى فيها إلى التوسّع والتمدّد(70)”.
وإذا كانت “إسرائيل” تسعى لتقويض الواقع العربي الفلسطيني، سواء على صعيد الفرد، أو الجماعة، هل يعني هذا استسلام العربي ورضوخه، وقبوله بما يملى عليه من شروط، ومهما كان الثمن غاليا؟ تريد “إسرائيل” “إنشاء دولتها الكبرى أي منطقة سوريا الطبيعية التي تضمّ دول لبنان وفلسطين والشام والأردن والعراق والكويت. هذه الدول إذا توحدت أو تعاضدت في صراعها ضد إسرائيل فإنّها تشكّل حولها كماشة خانقة تنتهي لا محالة بالقضاء عليها مهما طالت الفترة الزمنية(71)”.
إنّالعطيلي المقعد لا يقبل بما يريده له حاييم، ويقتله مع زوجته، انتقاما لماضيهالمليء بالجراح، فهو الذي لم يجمع ماله إلا من الشحاذة. يبدو أنّ هذا يلمح إلى ضرورة عدم إغفال العربي لحقوقه المستنفذة من قبل “الإسرائيلي”، ومؤيديه(72).
يمثل العطيلي وجه الصامد، والمستبسل من أجل استعادة حقه، تماما ككل فلسطيني لن يرضى بحل أخر يخالف فكرة استرجاع ملكه. التفاني من أجل القضية الفلسطينية يعيد الهوية لأهلها، والعطيلي رمز لكل فدائي يدافع عن حقه بكل ما يملك من إرادة وعزم. السجن هنا ليس موضع اختناق، بقدر ما هو سبيل إلى الإحساس بالأمان بعد القضاء على مختلس الرزق.يدعو النص القارىء من خلال هذا الصراع القائم بين الطرفين إلى كره “إسرائيل”، وإعلان العدوان عليها لتحقيق حياة مستقلة شريفة تعيد لفلسطين العربية صورتها الجادة المسلوبة.
إذا، على العربي أن يستعيد حقه بالقوة، تماما كما أُخِذَ على غفلة منه، أو عنوة. ف”إذا كانت صورة الوضع العربي تبدو معتمة الجوانب أمام الهجمة الأميركية الشرسة على المنطقة، فإنّه، أي الوضع العربي، في حقيقة مضمونه وفي جوهر باطنه ليس سيئا إلى حد الانبطاح الزاحف على البطون(73)”.
لقد أراد حاييم أن ينهي علاقته مع العطيلي بسرعة، فدفعه مع ابنته إلى خارج المنزل، وإلى خارج حياته، من دون أن يعبّر فكرة إعادة المال لأصحابه قبل الطرد، في حين كان العطيلي يريد محاورته، وشرح الوضع له، وهذا يعني رغبة العطيلي في إطالة أمد العلاقة، وتطويرها. إن تصرف حاييم هذا، هو تصرف إسرائيلي بامتياز، ف “إسرائيلتسعى دائما لشن حرب خاطفة أو سريعة لأنّه لا قدرة لها أو لجيشها على الاستمرار في حرب طويلة(74)”. إنّ صراع العطيلي مع حاييم، وعدم اعتراف هذا الأخير بمال رضوان يؤكّد ما أورده برودسكي، وشوليستر من أنّ مصادر “إسرائيل” من “الثروة مختلفة، ومتنوعة. فمن المعروف أن لا رائحة للنقود. فأصحاب هذه النقود، سواء من جناها منهم بالطريق الرأسمالي المعروف_الاستغلال الوحشي للكادحين، أو جناها بطرق أخرى_الانحلال الأخلاقي…، يشكّلون القومية صاحبة الامتياز في المجتمع الإسرائيلي… ثم إنّ الكثيرين من أرباب العمل الإسرائيليين يجنون الثروات الطائلة عن طريق نهب الموارد الطبيعية والبشرية في الأراضي العربية المحتلة(75)”.
إضافة إلى ما ورد يعاني العطيلي صراعا مع جسده، الذي يضج بشهوات لا يحققها، وهو الذي لطالما اشتهى شولا الشقراء، زوجة حاييم منذ سنوات شبابه. يقول العطيلي أنّه لم يعرف امرأة منذ ماتت زوجته، بل قبل مماتها(ص32). ولم يكن أمامه مجال للتحقق سوى ممارسة العادة السرية، بعد استحضار مخيلته لشولا، وهو الذي رآها عارية بالصدفة ومن دون علمها، فاستمر هذا المشهد حيا فيه. يقول: “أستعيد مرارا في مخيلتي صورة جسد شولا وهي تعبر من الحمام إلى غرفة نومها مما اضطرني إلى ممارسة لذتي الذاتية وكأنّها منحة أسديت لي(ص33)”. كما يقول عن هذا التحقق المنقوص: “لقد كان عري شولا بالنسبة لي فسحة ضوء لإنسان يعيش في حلكة دامسة اسمها الحرمان(ص33)”. ونجد مثل هذا التحقق المنقوص فيرواية “غناء البطريق” للروائي حسن داوود. فقد كان البطريق شابا معوقا، وهاجسه الدائم الانفراد بالفتاة جارة السكن، لذلك يظل يرصدها طوال الرواية(76)، ويلاحق لحظاتها ، وتنتهي الرواية من دون تحقيق ما يسعى إليه(77).
إن ما ورد لا يبرر ما فعله العطيلي، المحاول في إحدى زياراته لحاييم التقرب منشولا(78)، غير أنّه يوضح خيبة الجسد على مدى الأعوام، الأمر الذي يهزم العقل، ويفتته لمصلحة الرغبة المقيِّدة، والمهدورة الحقوق. لم يكن حاييم في المنزل، ويحصل أن تستأذن خالدة لرؤية المبنى، فيستغل العم رضوان خروج ابنته و “يلف ساقيها(79) بيديه من تحت ثوبها ويمرغهما على لحمها(ص106)”. وهذا يدفع شولا إلى طرد حاييم، وهي التي كانت تحتاج إلى حجة تمكّنها من منع المال عنه(ص88_94). وهنا نسأل: هل كان العطيلي سيتجرأ أن يتقرب من شولا لو كان ماله كلّه قد أعيد إليه، ومن دون تقسيط شهري؟
يبدو أنّ العوامل قد تضافرت، فأخرجت العطيلي عن طوره، وما يؤكّد ذلك أنّ رضوان يندم في سره، ويقرر مراجعة حاييم في أمر استعادة المال. “كانت الأفكارتأخذ العم رضوان وترجعه، مرة يتهيأ له أنّ شولا… ربما تتفهم وضعه النفسي وانه طوال هذا العمر كان بلا امرأة فتسامحه… ومرة تجنح به الأمور فيحس بأنّ الذنب ذنبهما، فلقد استوليا على أمواله وتصرفا بها(ص108)”. العطيلييرتكب المحرمات التي تمنى حصولها. هي محرمات ترفضها المواضعات الاجتماعية، لذلك قمعها العقل، وسكنت الجسد المعوّق. وعندما يفشل العطيلي مرة ثانية في إقناع حاييم بضرورة الاستماع له، تتقد أحاسيسه بأقبح الأفكار. لقد طُرِد العطيلي مع ابنته، وسمعا أقبح كلام. وهنا نسأل: كيف أمكن لحاييم أن يبني عداءه على أسس أحداث مهزومة من جذورها؟ إن الحوار الجسدي لم يجر بين زوجته وصديقه المقعد، فلماذا لم يراجع حاييم نفسه بعد أيام؟ ومن أين له كثافة الحقد تلك على صديق قديم؟ وأين هو نضجه الذي اعتدنا عليه في أثناء علاقته مع رضوان سابقا؟ كيف أمكن لحاييم أن يكون تابعاً لزوجته، وأن يوافق على طرد العطيلي!؟ كيف استطاع حاييم أن ينسى ماضي العطيلي!؟ وكيف أمكنه أن يقنع مشاعره بأنّ رضوان يستحق كلّ هذا العقاب، وأنّه من الممكن أن يشكّل خطرا على زوجته، وهو الرجل المقعد؟
أهان حاييم العطيلي، مع أن الأخير لم يحقق ذلك الإشباع الجسدي الذي تمناه. يبدو أن الراوي أراد أن يوضح سوء وضع الفلسطينيين، وذلهم أمام مكر اليهود، ودهائهم. لعل ما ورد يؤشّر إلى استحالة وجود منفذ لدى الفلسطيني يتمكن من خلاله العبور إلى سويته النفسية. تبدو رغبة العطيلي المشلولة هنا ممثلة بوجه، أو بآخر لهزيمة شعب مخصية حقوقه في وطن طافح بالهموم.
يقول حاييم الماكر لخالدة، الذي بدت أخلاقه مماثلة لأخلاق زوجته الخبيثة أمام والدها، وعلى مسمعه: “أنت أيضا بلا أخلاق ولا عفة، وأبوك لا بد من أنّه يتاجر بعرضك، ويبيعك للآخرين(ص113)”.يحملنا ما ورد إلى كلام جولي بوتيت التي تتحدث عن استهزاء اليهودي برجولة العربي. تقول: “في السياق الفلسطيني قلّص الاحتلال بشكل خطير المجالات التي تتيح للرجال ممارسة رجولتهم واستعراضها وتوكيدها بأفعال مستقلة. فالأطفال إذ يكونون في أحيان كثيرة شهودا على تعرض آبائهم للضرب على أيدي الجنود أو المستوطنين، يدركون بحدة عجز آبائهم عن حماية أنفسهم، واطفالهم(80)”.
لم نجد حاييم يتأرجح في قراره، أو يتردد. ويبدو لي أنه كان من واجبه أن يرد للعطيلي ماله، ثمّ يطرده من حياته، ويلغيه، إذ كيف أمكنه إن كان صديقا للعطيلي أن يستخف ببكاء أيام مقعد، وأن ينسى صراخ فقره الموجع، برفقة ابنته!؟لعلّ حب الانكماش لدى اليهودي، وعدوانيته المفرطة للعرب، هي التيأوقدتمشاعرحاييم القاتمة، وعززتها. ورد عن “الإسرائيلي” أنه:” عدواني لا يعرف الرحمة،… لا يعرف حرارة الانفعال، حاقد على كلّ من حوله، شاعر بأنّه مختلفعنهم(81)”. ويقول د. عبدالله رشاد عن “الإسرائيلي”: “يبدي الإسرائيلي الشاب تحفظا عاطفيا مقصوداً، ويكره نفسه على الامتناع عن أية عاطفة، ويكبح في حذر عواطفه كإنسان، كما يكبح خيولا برية..لغة الإسرائيليين الشبان غالباً ما تكون قاسية إلى حد المبالغة(82)”.
ألا تبدو إساءة حاييمللعم رضوان كفيلة بفقدان هذا الأخير سيطرته على نفسه؟لقد هيأ رضوان ذاته لأسوأ النتائج، وحمل معه مسدس الباربيلو،وصوبه إلى حاييم، وزوجته، بعدما فقد أعصابه، فانتقم بذلك من خيانتهما، وأرداهما قتيلين. ورد في الرواية: “صوّب العم رضوان تجاه حاييم وقذفه بثلاث رصاصات نارية؛… فارتمى على الأرض يصرخ والدماء تفور من أطرافه… فصرخت شولا ورمت بنفسها على جسد زوجها كأنّها تود حمايته ظانة أنّ العم رضوان لربما يكف عن إطلاق النار لهذه الحركة. لكنه وقد رآها ملقاة بجسدها الذيلطالما اشتهاه وعذبه، فازداد حقدا ونقمة مما دفعه لإكمال إطلاق بقية الرصاصات عليها بإحساس عميق من الغضب والرغبة، لكأنّه يقذفها بكلّ كبته الذي قضى العمر يحمله تجاهها مشتهيا إفراغه فيها، فأفرغه رصاصا حاميا انصب على ردفيها وساقيها(ص113)”. لعل تصرف العطيلي حيال شولا وزوجها يحمل رسالة إنسانية، هدفها نشر الوعي،وإن بشكل موارب. إذ مهما تفاقمت الهموم على الإنسان لا يجوز أن يجز بنفسه في السجن فما الأدب إلا قدوة يزوّدنا “بأمثلة عن الفضائل يجب أن نضارعها، وأمثلة عن الرذائل يجب أن نجانبها(83)”. هذا ما يمكن أن نستنتجه بشكل مبدئي، لكن إن تعمقنا سنخرج بمفهوم آخر قد يكون أشد التصاقا بحقيقة رسالة النص الروائي الذي بين أيدينا، خصوصا، إذا عرفنا أنّ القتيل هو “إسرائيلي”، ومن المفترض أن يُقتَل، لأنّه مغتصب للحقوق الفلسطينية، مستهتر بمقدرات العرب. لقد كان هدف حاييم “إسرائيليا” بامتياز، ف”إسرائيل” لا تريد أن يكون الفلسطيني في الواجهة، إنما في الصفوف الخلفية، لتظل ملتصقة فيه صفة الرجعية. يقول مريد البرغوثي: “ركضوا بكل ما لديهم إلى الأمام واتخذوا كل التدابير اللازمة ليطمئنوا أنّنا سنظلّ نركض إلى الخلف(84)”.
ولعلّ تصرف حاييم وزوجته يتطابق مع ما أورده برودسكي، وشوليستر: “”يعتبر الانتهاك الفظ لحقوق الإنسان، وحملات التنكيل والإرهاب الطابع المميز للنشاط، الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة… تنتهك الحقوق الشرعية للعرب الفلسطينيين… وبفضل إتقان أساليب الخداع والتلون الحربائي استطاعت الصهيونية تكديس خبرة كبيرة في مجال النشاط التخريبي…(85)”.
يقتل العطيلي حاييم وزوجته و يساق إلى التحقيق(ص114)، ويودع “في السجن العسكري(ص116)”. وعندما نقرأ ما وصل إليه العطيلي في نهاية الرواية، قد نخرج بمفهومين متناقضين، هما:
1_ ظاهري، نعتقد من خلاله أنّ نتائج سعي العطيلي طوال عمره قد أتت سيئة وقاتمة، وسلبية. كأن نهاية الرواية غايتها توضيح مشاكل المجتمع الفلسطيني بأكمله، بما يحويه من عرب ويهود، لندرك بالتالي عظم المأساة لدى الطرف المظلوم، والواقع المأزوم الذي يفرض عليه قرارات قد تفضي به إلى نتائج وخيمة. يقول ريمون رويه في هذا الصدد: “الأفراد يريدون أن يكونوا مشاركين، ولا يريدون أن يكونوا لوالب في عجلة…(86)” .إن إرادة المشاركة قد تكون أمنية يتسنى لهم من خلالها أن يعبروا أنهم أذكياء، وقد يتمكنوا من أن يكونوا مؤثرين،وبصعوبة قد يحققون مبتغاهم، لكنهمفي النهاية قد لا ينالون إلا المصير المأساوي. هو مصير لا تقل قسوته وضراوته، عن مصير العطيلي الإنسان، الذي استخدم ذكاءه عندما رغب في الانتقام، وسرق مسدس سامح، وقتل حاييم، غير أنّه قبع في السجن(87).
2_ باطني، وهو أكثر عمقا، و قد أشرنا إليه مرارا في التحليل، وسنعيده مجددا، ليدرك المتلقي ما يحمله النص من رسالة إنسانية، هدفها الإيماء إلى أنّ الإقامة في السجن تتعادل مع الانطلاق في مكانشاسع؛ما دام العالم المحيط هو قيد، فما الفرق بين السجن، وخارجه؟ لعل السجن يشكّل نقطة تحوّل إيجابية لدى الفرد، الذي يرى أنّه أصاب الهدف الذي يريد، وهو الذي زُجّ في السجن لأنّه لم يرض أن يختلس عدوه تعب عمره، ولم يرض أن يعيش مذلولا. فالنصر هنا من عمل الذات الفاعل فيها،وهو عبارة عن أخيلة تميل بمن يدركها نحو المجد، حيث شهوة العطاء المحققة من أجل الأرض، فولادة فلسطين لن تتحقق إلا بسبر خطوط الموت.
قتل العطيلي لحاييم الفاسد، وعدم استمرار العلاقة بينهما يشير إلى استحالة تقاسم الأرض الفلسطينية مع اليهود، أو السعي لإقامة صلح. ولا شك أنّ النص يطلب من الفلسطيني والعرب الجهاد من أجل استعادة المسلوب. أحسب أنّ هذا هو جوهر القضية في الرواية.
يمكننا بعد الدراسة التي أجريناها لشخصيات الرواية أن نخلص بنتائج، أبرزها:
1_ تركّز الرواية على مأساة الفلسطيني بشكل خاص، وحربه مع اليهود، كما تبيّن تفاصيلها عظم المأساة، التي هو عليها، الأمر الذي يضطره لمغادرة أرضه، بعدما هُدِرَت كل حقوقه، وبات عرضة للقصف والتدمير والإلغاء، لكنه لا يلبث أن يعود، وقد تجسد هذا النوع بشخصية العطيلي. وقد يستطيع الفلسطيني البقاء في أرضه، وحينها إما أن يكون قد اختار الاستشهاد في سبيل قضيته، أو عليه أن يصرح أنه خاضع لهم، لذلك يرفعالعلم الأبيض، فيحمي نفسه من القتل أو التدمير، وهذا ما حصل مع سامح.
2_ ترصد الرواية حياة “عطيلي” فلسطينيي. هو رجل مقعد، مقطوع الساقين، يضطر للشحاذة كي يؤمن عيشه، وعيش ابنته التي تجر عربته. يشتهي العطيلي المرأة، ويتمنى بشكل خاص أن تتقبله شولا زوجة حاييم اليهودي صديقهكرجل. يعيش مقيد الشهوة. هي شهوة يكبتها ، أو يدفنها في سره، فتكون قسوته على ذاته، متماثلة مع قسوة زمانه عليه. لكن، إلى أيحد يمكن أن يستمر في كبح جماح شهوته كرجل؟
يسيطر على الإنسان عنصرا القوة والضعف. هما عنصران قد ينسجمان، ويتفاهمان، فيأتلفان ضمن الجسد، ويعانقانه، فيضمهم، ويصمت. أو قد يهزم أحدهما الآخر، فتفور الرغبة المكبوتة، وتضر حينها بمالكها، تماما كما حصل مع العطيلي، الذي بسببها، إضافة إلى أسباب أخرى متراكمة دخل السجن.
إذا، تعذب الحياة العطيلي، فيجسّد بذلك صورة الإنسان المقهور، المسلوب القوة، الذي يفشل في تحقيق سعيه. لعل العطيلي يمثل صورة كل فلسطيني، عاجز، وعليه أن يواجه طغيان واقعه.
3_ تثير شخصية حاييم جدلا كبيرا في الرواية، فهي شخصية يهودية، ومع ذلك لا نلحظ أنها تظهر كرهها للعرب واحتقارها لهم، إلا عندما تصرف أموال رضوان، ولا تعترف بفضله، وتتمسك بحجة تعدي العطيلي على زوجته، كي لا ترد إلى المقعد ماله. وهذا يؤكد حقارة اليهودي، واستغلاله لما يجنيه العربي، ويملكه.
4_ لقد تمّ توضيح هوية الشخصيات جميعا.
5_ تكشف شولا زوجة حاييم القناع عن وجه كلّ شخص يشبهها، يتصف بالطمع، لأنّه يستظل بأسباب تافهة، يبني عليها من أجل استغلال ما جناه الآخرون بعد كدوعناء مريرين، على مدى سنين كثيرة من عمرهم. إذا، يتسم أسلوب شولا بالمخادعة، والغش، فهي لا تشعر بمعاناة خالدة، ووالدها.
6_ يقنعنا الراوي بمواصفات شخصياته، وكيفية تعاطيهم مع واقعهم. هي شخصيات يبدو أن بعضها جاهز، ومكتمل، في حين أنّ بعضها الآخر يعرف التحوّل، كشخصية العطيلي.
7_ إن عرض الشخصيات وفق الطريقة التي قرأناها في رواية “العطيلي”مكّن المتلقي من ربط المسائل مع بعضها، إذ تجلت الشخصيات واقعية، ومتنامية بشكل طبيعي. وقد أدت الشخصيات دورا مفيدا تمكن بوساطتها القارىء من تحليل الواقع المأزوم سواء داخل أرض فلسطين، أو خارجها.وبينت الرواية كيف أن زمن الفلسطيني قد يتخلخل، أو يكون أشد إحكاما، وإن لم يكن متماسكا، وذلك حسب تقبله لفكرة سيطرة طرف آخر عليه، كذلك حسب انتمائه الثقافي، أو السياسي، أو الاجتماعي.
الخاتمة:
لقد درست في هذا البحث رسم الشخصيات في رواية “العطيلي”، وبيّنت تباينها، واختلافها، كذلك كيفية تطوّرها على مدى الرواية. كما أشرت إلى مدى تجاورها، أو تباعدها عن شخصيات موجودة في روايات فلسطينية أخرى.
تكثر الشخصيات في رواية “العطيلي”، وتتنوع. غير أنّ الرواية تسعى بشكل رئيسي، لتوضيح واقع شخصية المقعد المعذبة. هي شخصية تحملنا بدورها إلى مأساة الفلسطيني المأزوم، وكيفية مواجهته للآخر. ويمكن إدراك ذلك من خلال “تقديم فكرة تقريبية عن الجهود المتواصلة التي بذلت في فهم العلاقة بين الشخصية والعالم أو المجتمع الذي تنغرس في تربته(88)”. ويبدو أنّ الحديث عن رجل مقعد، وإعطاء البطولة له، غايته تبيان واقع كل فلسطيني موجود على هذه الأرض، إذ أنّ فرصة خلاصه من قيد العدو “الإسرائيلي”باتت معدمة، فإسرائيل مدعومةمن قبل دول غربية، كذلكعربية، هذه الأخيرة لا يمكن أن يعدّ صمتها إلا تواطؤا. هو صمت تصنعه المصالح التي تبنى بسرية في الدول العربية، لتحافظ كل واحدة على مكانتها، ومقدراتها.
واتصفت الرواية باختلاف تفكير شخصياتها، وتغاير جنسياتهم، وتفاوت رتبهم، كذلك أعمالهم، وأشكالهم، وبالتالي تصرفاتهم.هذا وقد تطورت بعض الشخصيات. ووظيفة الشخصية ودورها قد كانا أساساً في هذه الدراسة “باعتبارها كائنا إنسانياً “مليئاً بالحياة”(89)” .ويمكن أن نبينمدى اهتمام الراوي بما أشرنا إليه من خلالعرضنا لشخصيات يبدو لي أنّها أساسية:
1_ العطيلي، رجل فلسطيني يعمل في شركة يهودية موجودة في الأرض الفلسطينية. يتعرض لقطع ساقيه في أثناء شغله، ويضطر بعدها للتسوّل من اليهود والانكليز، ويجمع ماله مع صديقه اليهودي حاييم، رئيس الشركة التي كان يعمل فيهاقبل أن يبيت مقعدا. يغادر العطيلي أرضه للأسباب نفسها ، التي أدت بالغالبية الساحقة من أبناء بلاده للخروج منها. ويتوجه إلى لبنان(90)، ويتابع مهنة التسول، ويتعرف إلى أصدقاء يمتهنون مهنته. ثم لا يلبث أن يفكر في العودة إلى أرضه، كييستعيد أمواله من حاييم، ويعيش بأمان كما قد خطط سابقا. وعندما يعود إلى أرضه، ويجد أن أمواله صرفها حاييم على بناء ملحق لمنزله، وأنّه لا يمكنه استعادتها إلا مقسطة على دفعات شهرية، يصاب بخيبة. هي خيبة قد تكون هي سببا رئيسيا في محاولته مرغ ساقي شولا بيديه عندما كانا وحدهما، وهي التي لطالما اشتهاها. وتتخذ شولا ذلك ذريعة مع زوجها حاييم لتمنع عن العطيلي المال. وهذا الذييضطر المقعد إلى رميهما بالرصاص، الأمر الذي أدخله السجن.
2_ خالدة ابنة العطيلي، هي التي كانت تجر العربة بوالدها كي يتسوّل. لا تهتم خالدة الشريفة بشكلها، لكنّها تغيّر عاداتها،وتروح ترتب نفسها بعد أن ينتقدها سامح ابن خالتها، الذي تحبه، ثم يطلب الزواج منها.
إن نظافة أخلاق فتاة في ظل واقع مرير، وحفاظها على نفسها رغم عوزها المادي، ثم اتهامها بسوء أخلاقها من قبل حاييم، وطردها مع والدها يبين مدى قبح الصهاينة، وعزة الفلسطيني، و صبرهم على النوائب مهما تعاظمت(91).
3_ سامح هو ابن خالة خالدة، الذي كان يسعى في الخفاء للقضاء على العدو الصهيوني، وعندما يعرف أنّ هذا الأمر صعب، يقرر التراجع عن موقفه، ويرفع العلم الأبيض من أجل البقاء في أرضه.
4_ شولا امرأة شقراء، تحاول إقناع زوجها حاييم fعدم رد المال إلى صاحبه.وتطرد العطيلي مع ابنته عندما يحاول مرغ ساقيها. اغتصابها مال العطيلي كان سببا لقتلها من قبله.
5_ آمنة امرأة طيبة، ومخلصة، واقتصادية. تعمل في غسل ثياب الآخرين، لتساعد زوجها رضوان في مصروف المنزل، تُقتَل في حادث باص.
وسأكتفي بهذا القدر من الشخصيات، فالبقية يمكن إدراك مميزاتها، ووضعيتها من خلال ما ورد ضمن البحث، منعا لأي تكرار.
هدف الرواية هو رسم واقع فلسطين، والشخصيات ضمنها وضحت الصراع الحاصل بين طرفين رئيسيين، هما: الفلسطينيون العرب، واليهود. و نستخلص من الرواية أنّ الصداقة بين الفلسطيني، واليهودي مستحيلة، ونتائجها حتما قاتمة.
الذي يحرك السعي في الرواية هو فردي – جماعي. وإذا عرفنا أنّ هذا التحرك الفردي – الجماعي لدى الشخصية البطلة في الرواية يقتصر على الذات، وعلى الابنة، أدركنا صعوبة خروج فلسطين من دوامتها، لأنّ المنفعة لن تشمل المجتمع الفلسطيني بأسره، إنّما ستكون مخصصة لأسرة مؤلفة من شخصين.
ما ورد يوضّح الخيبة الملازمة لفلسطين، التي لن تعرف الخلاص. فلسطين التي لا يريد منها العدو سوى الاعتراف بجهلها، وتخلّفها، وهزيمتها… . هي نعوت لا تليق إلا بمطلقيها الصهاينة.
وهنا نسأل: هل كتب الراوي، وهو يعي ما ستؤول إليه الأوضاع الفلسطينية خصوصا، والأوضاع العربية عموماً؟
يبدو أنّه يدرك ذلك تماماً، فإذا استمر التنازع على الأراضي الفلسطينية، وتمادى العرب والفلسطينيون في انقسامهم، فلا شك أنّ الطغيان الصهيوني سيمدّ جذوره إلى جميع الأصقاع العربية. تسعى”إسرائيل”لتحصيل امتدادهااليوم ، ومن دون أن تصيبها الخسائر، لذلك تترك العربي يقضي على أخيه، فيما هي تزداد قوة. وما الواقع العربي المأزوم في بعض الدول العربية إلا دليل دامغ على صحة اعتقادنا.
لقد بينت الرواية مدى هيمنة “الإسرائيلي”، وكيفية تضييقه الخناق على العربي(92)، ودفعه إمّا للمغادرة، أو الإذعان، وإلا كان النعش مصيره، والتراب وسادته. غير أنّ قتل حاييم، وبقاء العطيلي على قيد الحياة يفيد أنّ فلسطين ستبقى، وانّ العدو إلى زوال(93).
هوامش البحث:
1_ عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كانون الأول 1998، ع240، ص102 و103.
2_م.ن ، ص86 و87.
3_ م.ن، ص 103 .
4_ حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 1990،ص213.
“فالشخص النفسي (في نظامه المرجعي) ليس له أي علاقة مع الشخص اللساني”.
رولان بارت، مدخل إلى التحليل البنيوي للحكي، ترجمة د. منذر عياشي، حلب، مركز الإنماء الحضاري، ط1، 1993، ص72.
5_ يقول محمد غنيمني هلال :” أما الشخصيات النامية فهي التي تتطور وتنمو قليلا قليلا بصراعها مع الأحداث أو المجتمع، فتتكشف للقارىء كلما تقدمت في القصة، وتفجؤه بما تغني من جوانبها وعواطفها الإنسانية المعقدة. ويقدمها القاص على نحو مقنع فنيا، فلا يعزو إليها من الصفات ما يبرره موقفها تبريرا موضوعيا في محيط القيم التي تتفاعل معها، وهي خاصة القصة الحديثة التي تنير جوانب الوعي الفردي في ظل الوعي الإنساني… “.
محمد غنيمني هلال، النقد الأدبي الحديث، بيروت، دار الثقافة، 1973، ص566.
والشخصية ” تتكون بعملية بناء من خلال القراءة وصيرورة الحكاية”.
عبد الوهاب الرقيق، في السرد، صفاقس، دار محمد علي، ط1، 1998،ص138.
6_ محمد نديم أبو خشفة، تأصيل النص، حلب ،مركز الإنماء الحضاري، ط1، 1997، ص15.
7_ حميد الحمداني، بنية النص السردي، بيروت، المركز الثقافي العربي، آب 1991، ص33.
8_Geimas, SémantiqueStructurale, recherche de méthode, Paris, Larousse 1966. P.173.
9_Op. cit, P.60.
وللتوسع في فهم هذا البرنامج السردي يمكن الرجوع إلى المقدمة التي كتبها غريماس، وهي بعنوان:
Les aquis et les projets-in- introduction à la sémiotique narrative et discursive, J.Countés. Hachette, 1976, p.5.
10_ Geimas, Sémantique Struturale,p.181.
11_ Roland Barthes, Introduction àĽanalyse Structurale des récits, in”communication”, Seuil, 1977, p.74.
12_ J. L. Domortier et Fr. Plazanet,Pour lire le récit, Ed. Daclot, 1980, p.12.
13- Roland Bourneuf et RéalQuellet, l’univers du roman P.U.F,1975, p.181.
_14 نبيل أبو حمد، العطيلي، بيروت، دار الساقي، ط1، 2002.
15_ نبيل أبو حمد، العطيلي، ص37.
يقول عبد الوهاب: ” وكان الشيخ القسام السوري المولد قد هاجر إلى حيفا عام 1921…ووقف القسام بوصفه مسلما تقيا ورجلا وطنيا، ضد الصهيونية والحكم البريطاني… 1935 أجبر القسام وأتباعه من المجاهدين على البدء بثورة مسلحة ضد البريطانيين والصهيونيين…خاض المجاهدون معركة مواجهة مع القوات البريطانية في غابة يعبد بمنطقة جنين استشهد فيها القسام… لاستشهاد القسام أثر عميق في فلسطين كلّها”.
عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1973، ص292 و293 و294 و295.
16_يقول: “كانت تنفجر قنابل تودي بحياة الكثيرين من العرب واليهود. كان الكثير يقول إن هذه الأعمال من تدبير الإنكليز لإثارة النعرات وإشعال الحرب. وكثيرون كانوا يقولون إنّها من فعل عصابات بيغن لتعجيل جلاء الإنكليز عن فلسطين للاستيلاء عليها مبكرا. ولعل فشل مشروع التقسيم أدى إلى احتدام العنف والاضطراب. وكان العرب على حق حين لم يرضوا بمشروع التقسيم”.
نبيل أبو حمد، م.س، ص38.
17_يقول:”آه. عظيم، ما زالت زاويتي شاغرة، الناصية فارغة. إليها يا ابنتي. إليها. تدفع به ابنته عدة أمتار أخرى، وتضعه على الزاوية المقابلة لسينما أمبير… تعطيه صحن الألمنيوم ليضعه أمامه ليبدأ نهار عمله؛ نهار تسوله”.
م.ن، ص9.
18_يقول: “كانت التربة جميلة كأنّها مخلوق ينبض يمكن الاندماج به، فالتصق العم رضوان أكثر في جلسته عليها وأحس بأنّ الموت ليس صعبا في هكذا لحظات، ولا مانع في أن يتحول جسده إلى ذرات من التراب”.
م.ن، ص71.
19و20_ غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، بيروت، مؤسسة غسان كنفاني، ط10، 2011،ص34و44و45و30و31.
21_…وتبعها سعيد وبجانبه صفية…ثمة صورة للقدس يتذكرها جيدا ما تزال معلقة حيث كانت، حين كان يعيش هنا… وحين صارا في غرفة الجلوس، استطاع أن يرى أن مقعدين من أصل خمسة مقاعد هما من الطقم الذي كان له… .
_”منذ زمن طويل وأنا أتوقع عودتكما”.
… .
_ “هل تعرفين من نحن؟”.
… .
_”أنتما أصحاب هذا البيت، وأنا أعرف ذلك”.
م.ن، ص32.
22_ يتحاور سعيد مع زوجته، ويتحدثان عن ابنهما الذي تركاه طفلا. تقول له: “”ولكننا لم نتركه. أنت تعرف”.
- “بلى. كان علينا ألا نترك شيئا. خلدون، والمنزل، وحيفا! ألم ينتابك ذلك الشعور الرهيب الذي انتابني وأنا أسوق سيارتي في شوارع حيفا؟ كنت أشعر أنني أعرفها وأنها تنكرني. وجاءني الشعور ذاته وأنا في البيت، هنا. هذا بيتنا! هل تتصورين ذلك؟ إنه ينكرنا! …”.
ويقول أيضا: “يبدو لي أنّ كل فلسطيني سيدفع ثمنا، أعرف الكثيرين دفعوا أبناءهم، وأعرف الآن إنني أنا الآخر دفعت ابنا بصورة غريبة…”.
م.ن، ص49و76.
23_يقول: “حاييم بلهجة يهودية ولهفة شرقية… : أهلا. أهلا. أهلاً ب رضوان… شولا… ناظرا ملياً في وجهها ليطمئن على استمرار جمالها القديم فوجده ما زال كامناً فيها”.
نبيل أبو حمد، العطيلي، ص89.
24_سحر خليفة، ربيع حار، بيروت، دار الآداب، ط1، 2004، ص327.25_جولي بيتيت، الذكورية وطقوس المقاومة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مجلة أبواب،بيروت، دار الساقي، ع 27، ص29.
26_سحر خليفة، م.س، ص338.
27_إسرائيل شاحاك، الديانة اليهودية وتاريخ اليهود، قدم له: إدوارد سعيد، ترجمة رضى سلمان، مراجعة مريم بري، بيروت، شركة المطبوعات، ط1، 1996، ص150.
28_ يقول: “لا أريد منك أن تستلقي على ظهرك. لكن يمكنك وأنت في عربتك أن تناولني العدة التي أريدها… مهنة التسوّل انتهت في إسرائيل، فهل يعقل أن تتسول من متسولين؟؟”.
نبيل أبو حمد، العطيلي، ص97.
29_تتحدّث الدكتورة يمنى العيد عن إسرائيل الداعمة لكتّاب يهود. تقول: “على امتداد سنوات كانت المنظمات الصهيونية خلالها تعمل بدعم ثقافي تربوي على ترسيخ الحقد في نفوس الناشئة اليهودية ضد عرب فلسطين”.
يمنى العيد، في النفاق الإسرائيلي قراءة في المشهد والخطاب، بيروت، دار الفارابي، ط1، 2003، ص111.
30_ م.ن، ص113.
31_ جودت السعد، الشخصية اليهودية عبر التاريخ، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1988. وهو كلام مقتبس عن ابراهام أرتسبورغ.
ويقول جودت:”الصراعات بين…الأفكار العلمية والموروث التوراتي هي التي ميزت اليهود قادة ومسؤولين للعامة، فالخوف من الذوبان الناتج عن مجمل هذه السمات أحدث ثغرة في بنية اليهود السيكولوجية ذات الطابع المتزمت وغير القابلة للتطور وغير المستعدة للاعتراف بقدرات الآخرين”.
م.ن، ص130.
32_ جولي بوتيت، الذكورية وطقوس المقاومة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مجلة أبواب، ع 27، ص33.
ويرد في نفس المجال: “البيانات العسكرية الإسرائيلية لا تستخدم كلمة “طفل” بالعبرية حين تذكر إصابة أطفال فلسطينيين أو موتهم في المواجهة مع الجنود إنما يطلقون عليه “شابا” في العاشرة من العمر”.
33_يرد في رواية “ربيع حار” أنّ المرأة الفلسطينية تكاد تكون ديكوراً فقط.تقول: “ونحن النساء ماذا نعرف؟ ماذا نحسّ وما نفعل؟ لاشيء كثير، قالت سعاد، بالنسبة لهم نحن ديكور لا أكثر… . قالت لها تلك المرأة، زوجة قائد: أنا لا أراه إلا صدفة، يضع لحظات، ثمّ أنساه وينساني ولا أتذكر إلا أنّي زوجة رجل في مكان ما وأني مرتبطة ومربوطة، وأني أعيش لشبح رجل، أم الأولاد، وفاتحة البيت. هذا قدرنا!”. سحر خليفة، ربيع حار، ص295.
هذا هو رأي النساء غير المناضلات ضمن الجبهات، اللواتي يرين أنهن غير فاعلات ولا يقاومن العدو. غير أنّ صمود المرأة في بيتها، وتحصينها لأسرتها يعدّ وجها هاما من وجوه النضال لبقاء فلسطين، ونهوضها مجددا.
34_ ورد في رواية “ربيع حار” أنّ اليهود يقولون للعرب: “يا أهل نابلس يا…إحنا جايين نفعل فيكم”. صاحوا في مكبرات الصوت المنتشرة فوق مآذن وضعت هناك خصيصا لنداء الرب”. م.ن، ص212.
35_ وورد تحت عنوان: “مرحلة الثلاثينات: الثورة الكبرى”: “تشكيل حركة ينتظم في صفوفها كل الوطنيين أصحاب المصلحة الحقيقية في إزالة وتصفية الوجود الامبريالي البريطاني_الصهيوني من فلسطين، بهدف تشييد السلطة الوطنية”.
محمد حافظ يعقوب، نظرة جديدة إلى تاريخ القضية الفلسطينية 1918_1948،بيروت، دار الطليعة، ط1، أيلول،1973، ص143 و129.
ويقول صابر طعيمة: “ولم تستطع الأطماع الصهيونية أن توسع قدرتها على بناء المستعمرات وتنتشر تماما إلا في ظل الانتداب البريطاني على أرض فلسطين”.
صابر طعيمة، التاريخ اليهودي العام، بيروت، دار الجيل، ج1، ط1، 1975، ص235 .
لقد ورد الحديث عن القتال بين الفلسطينيين والبريطانيين في رواية “بيت من الشرق” للروائي نبيل أبو حمد. يقول: “لقد علمت بأن الكثيرين قد قتلوا في هذه المعركة، لأنّ القوى لم تكن متكافئة بين الفلسطينيين والجيش البريطاني… حيث كان الثوار حوالى المئتين بينما شارك في المعركة من الجانب البريطاني أربعة آلاف جندي، واستمرت المعركة حوالى عشر ساعات… ثم شاركت فيها الطائرات الحربية مستخدمة رشاشاتها الأوتوماتيكية لحصد وقتل الثوار”.
نبيل أبو حمد، بيت من الشرق، بيروت، دار الساقي، ط1، 2004، ص79.
36_ “ومنذ بداية القرن التاسع عشر كانت فلسطين تابعة للإمبراطورية العثمانية، وقد فشلت الجهود التي بذلها الصهاينة عشية القرن العشرين من أجل إقناع السلطان عبد الحميد بالتنازل لها عنهم. وحينذاك بدأوا البحث عن حلفاء لهم بين الدول الامبريالية، التي تمارس سياسة استعمارية توسعية في الشرق الأوسط”.
ر.م. برودسكي، ويو.أ.شوليستر، الصهيونية في خدمة الرجعية، ترجمة هاشم حمادي، دمشق، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1977، ص13.
يقول العربي في رواية “بيت من الشرق”: “يلف أيامنا القهر الصامت والعوز… حتى انهارت الدولة العثمانية المريضة، ودخل البريطانيون فلسطين ما بعد الحرب العالمية الأولى. ولشدة ظلم الماضي رحب الأهالي بالجيش البريطاني لدرجة أنّ حشود السكان هللت لهم والنسوة زغردن متوسمين الفرج منهم… بدأ العسكر البريطاني يوزع الأرز والسكر على العامة”.
نبيل أبو حمد، بيت من الشرق، ص139.
37_ هو يقولإن المسدس الذي يقتل به حاييم، وزوجته هوله، وليس لسامح، وهذا أمر ينافي الحقيقة، لكنه يورد ذلك الكلام بغية تبرئة سامح.
نبيل أبو حمد، العطيلي، ص115.
38_”حاييم…في إحدى المرات وقف ليبول في خلاء المشروع فأعطى واجهته لعلو الجبل، وأخذ بوله ينساب ليكرج على حذائه مما أثار ضحكنا، لدرجة أنّ أحد الحوارنة علّق متفاصحا: كيف يكون مهندسا ولا يعرف كيف يهندس وضعية تبوله؟؟”.
م.ن، ص19.
39_”ومن دون انتباه…لم أستطع القفز بعيدا عن مجرى انفلاتها… سارت فوق ساقي عجلاتها الحديدية القاطعة وهي محملة بطن الصخور ففرمتها كما تجز سكينة الجزار لحم الخراف”.نبيل أبو حمد، العطيلي ، ص21.
40_ يرد في رواية “ربيع حار”: “ما من أخبار إلا شارون وفوزه بالحكم. وسيفعل بنا ما فعل بصبرا وشاتيلا…صرناأجراء، صرنا زبالة… .”
سحر خليفة، ربيع حار، ص154.
41_ألبيريس، الاتجاهات الأدبية الحديثة، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار عويدات، ط3، 1983، ص93.
42_يقول الراوي: “حين اقتربت منه فاحت رائحة عطرها في أنفه كأنّها ترشقه سحرها بتعال”.
نبيل أبوحمد، العطيلي، ص93.
43_ سحر خليفة، ربيع حار، ص291.
ويرد في موضع آخر من الرواية: ” ها نحن نقاوم إسرائيل ومن خلفها أميركا وعلوم الغرب بشعب مضروب في بيته وقيادته وحضارته ولقمة عيشه. فقر وجهل وتمزّق وارتداد الناس إلى الجامع بانتظار الحل أن ينزل من عند الله”.
م.ن، ص304.
44_ يقول مريد البرغوثي: “الخضرة شحّت لأنّ إسرائيل تسرق المياه منذ 67”.
مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص141.
45_ صابر طعيمة، التاريخ اليهودي العام، بيروت، دار الجيل،ج1، ط1، 1975،ص265.
46و47_ جودت السعد، الشخصية اليهودية عبر التاريخ، ، ص111و90.
48_ م.ن،ص96 و90.
49_ يقول د. سامي سويدان ان: “صنع القرار في …المنطقة العربية، حيث تكرّس بشكل فاضح وحاسم كون القوى المحلية ليست هي التي تقوم بذلك، وأنّ الإجراءات الأكثر أهمية والأبعد أثرا في الأوضاع الداخلية وتطوراتها تتمّ في الخارج، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها خاصّة، ومن قبلها وحدها بالأخص”.
د. سامي سويدان، جدلية الحوار في الثقافة والنقد، بيروت، دار الآداب، ط1، 1995، ص153.
50_ مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص184.
51_سحر خليفة، أصل وفصل، بيروت، دار الآداب، ط1، 2009، ص382.
وورد في رواية سحر خليفة: “…الثورة بحاجة للمال والسلاح ودعم الشارع. الثورة بحاجة للوجهاء وللشارع… تبدأ الخطة باحتلال حيفا والميناء وثكنات الجيش. كان الهدف تحقيق مكسب مبهر يجر الزعماء والأحزاب إلى المواجهة وإقناع الشعب أنّ استنزاف بريطانيا غير مستحيل، بل ممكن…”.
م. ن، ص 384و 385.
52_ ويتابع: ” وإذا حصلنا على قنبلة فإن السعيد منا هو من لا تقع على رأسه حين يرميها. لقد فكرت طويلا، هنالك شيء يمكن أن تفعلاه ولن تنساه البلد أبدا… أن تذهبا وتلتحقا بالبوليس الانجليزي.
_ البوليس الإنجليزي؟!!
_ نعم البوليس الإنجليزي. هناك يمكن أن تتعلما وتعودا لتعلما الناس”.
ابراهيم نصرالله، زمن الخيول البيضاء، الجزائر، منشورات الاختلاف، حزيران 2012، ط6، ص425.
53_مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص103.
54_ ” “بيجن” أو “بيغي”… لم يكن يعرف يعتقد أنّه سيصبح ذات يوم “عراب العنف” في الصهيونية… أنّ “بيجن” يتعامل مع “الأرغونيين” وكأنّه نبي حقيقي… كان كل صباح تقريبا يجلس، قبل أن يتخذ أي قرار، جلسة تأملية، تمتد حوالي الساعة، ثمّ يتحدّث بعد ذلك مشيرا إلى أنّ الوحي كان يقدم له، على الطبيعة، أجزاء من التوراة محرضا إياه على إنقاذ بني إسرائيل…من مؤيدي “إسرائيل الكبرى”، وهو لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني ويرفض حتى استعمال كلمة فلسطين، ويرى أنّ في ذلك نسفا لحق إسرائيل في البقاء حيث هي. يعتبر أنّ إقامة دولة فلسطينية عبارة عن عمل انتحاري للشعب اليهودي”. معين أحمد محمود، يوميات الإرهابي مناحيم بيغن، بيروت، دار المسيرة، 1978، ص6و7و10.
55_غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص15.
56_ مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص73.
57_ “حاولنا أن نرفعه، لم نستطع، كانت يداه كالكماشة حول رقبة اليهودي الذي تحته، يبدو أنّه لم يجد شيئا في يده تلك اللحظة فهجم عليه النار من مسدسه الذي في يده، خمس رصاصات والله، رأينا آثارها في جسد محمد شحادة، وفي الداخل وجدنا العائلة كلها قد قُتلت، وأدركنا أن محمد لم يمت معهم، ربما كان في غرفة أخرى، وحين عاد ورأى عائلته غارقة في دمها هجم على اليهودي. وعرفنا أنهم دخلوا من الشمال أيضا وقتلوا غزالة نمر وأولادها الستة وأختها علية نمر وأولادها الخمسة، كلهم قتلوا نائمين… يا جماعة سيعودون، وسيضربون بقوة أكبر هذه المرة، بعد أن عرفوا أنّ لدينا سلاحا. قلت، الأولاد واطلعوا التلال، المهم توخذوهم بعيد، سيعودون، ولن يرحموا أحدا”.
ابراهيم نصرالله، زمن الخيول البيضاء، الجزائر، ص490.
58_ جولي بيتيت، الذكورية وطقوس المقاومة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أبواب، ع 27، بيوت، دار الساقي، شتاء 2001، ص30.
59_ “أما الآن فقد بات واضحا أنهم يدفعونه نحو الميناء…كان الناس يتدفقون من الشوارع الفرعية نحو ذلك الشارع الرئيسي المتجه إلى الميناء، رجالا ونساء وأطفالا، يحملون أشياء صغيرة أو لايحملون…”.
غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص18.
60_ يقول مريد البرغوثي: “في لبنان هناك قرار حكومي الآن بمنع الفلسطينيين المقيمين في المخيمات من العمل في 87 مهنة! أي أنّ بوسعهم جمع القمامة وتلميع الأحذية فقط. ومن يُسمَح له بالسفر من لبنان لا يسمح له بالعودة إليه. هل يُعقل أن ينطبق هذا على أكثر من ربع مليون لاجىء فلسطيني الأصل، منهم آلاف وُلِدوا في لبنان؟ وهناك غيرهم… “. مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص167.
61_ يمنع مريد من دخول مصر 17 عاما.
مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص85.
62_ م.ن ن ص110 و131 و137 و138.
63_تقول خالدة لوالدها: “تظل في عجلة من أمرك. في سباق مستمر مع الحياة. لماذا تريد ابتلاع العالم بسرعة؟؟”.
نبيل أبو حمد، العطيلي، ص8.
64_”يضرب العم رضوان على رأسه، بقيت أموالي مع حاييم. لماذا لم أستردها قبل أن تشتعل معركة حيفا، آه. إنّه من قلة العقل”.
م.ن، ص38.
65_ غسان كنفاني، عائد إلى حيفا، ص9.
66_ م.ن، ص12.
وإذا كان سعيد في رواية “عائد إلى حيفا” يعود إلى الماضي في أثناء حديثه مع زوجته، فإن مريد البرغوثي في “رأيت رام الله” يشغله الحاضر في أثناء العودة، لذلك يروح يتأمل ما آلت إليه البلاد بعد ثلاثين عاما من الغربة. يقول: “تنظر من نافذة السيارة يمينا فتفاجأ بأنّ الشارع النحيل المتآكل الذي يحملك، يصبح أكثر اتساعا ونعومة وأناقة. اسفلته يزداد بريقا، وسرعان ما ينفصل عن الطريق، صاعدا إلى تلة فاخرة المباني، فتدرك أنّه يفضي إلى مستوطنة. تنظر إلى يسارك بعد قليل، فترى مستوطنة ثانية وشارعا أنيقا عريضا آخر يؤدي إليها. ثم ترى الثالثة والرابعة والعاشرة وهكذا”. مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص37.
67_غسان كنفاني، م.س ، ص30.
68_ محمد نديم خشفة، المنهج البنيوي لدى لوسيان غولدمان تأصيل النص، ص15.
69_وورد أيضا في الرواية: “أيقن العم رضوان بأنّه سيظل مربوطا إلى حاييم وزوجته مدى العمر وبكثير من الذل، لأنّ هذه المرة حاييم ليس صديقا فقط، بل هو صديق عدو ومنتصر”. وتتجلى هزيمة العطيلي من أسئلته: ” لماذا كل هذه الاستهانة بنا؟… تعب العمر؟؟ ضنى الأيام؟؟ أيظلان ملكا لحاييم؟؟ بينما أنا أنال فقط الفتات الشهري؟؟…”. نبيل أبو حمد، العطيلي، ص93و95.
70,71_ علي نعمة، خطوط المواجهة في الاسترتيجية القومية، بيروت، دار النوال، ط1، 1993، 288.
72_ يقول العم رضوان عن العرب: “العرب خونة لم يفعلوا شيئاً…نحن العرب لا نحب بعضنا”.
نبيل أبو حمد، العطيلي، ص81.
ويقول نعمة:” لقد “ربحت” الولايات المتحدة الأميركية حرب الخليج الأخيرة ضدّ العراق، بواسطة العرب ضد العرب، وهي لم تكن لتستطيع وحدها والدول الغربية معها أن تنجح فيها لولا التغطية المالية العربية لكلّ نفقات الحرب”.
د. علي نعمة، خطوط المواجهة في الاستراتيجية القومية، ص273.
73_ م.ن، ص297.
74_ م.ن، ص316.
75_ ر.م. برودسكي، ويو. أ. شوليستر، الصهيونية في خدمة الرجعية، ص167 و169.
76_حسن داوود، غناء البطريق، بيروت، دار النهار، ط1، 1998،ص38.
77_ م.ن، ص150.
78_ “حق الجماع أو لذة المنكح في المنظور الإسلامي، مهما تكن كيفيته، إنّما تنتظمه رؤية دينية تضفي على الجماع قداسة مثيرة، لأنّ الغرض منه ليس مجرد كسر الشهوة أو إشباع الرّغبة. فهذه الرؤية تدعو إلى تفريغ الطاقة الجنسية، لتؤمّن انتشار الدين نفسه…ما دامت لذة الجسد منفذا إلى امتلاك الروحاني…أو هي ليست غاية في ذاتها، لما يعتريها من نقص، كما يقول الغزالي… “وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة… واللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرّك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة الدّوام”.
المنصف الوهايبي، حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر، دراسة: الجسد: صورته وحقوقه في الإسلام، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، تشرين الثاني، 2010،ص295و296.
79_المقصود شولا.
80-جولي بوتيت، الذكورية وطقوس المقاومة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أبواب، ع 27، ص34.
81_ عبدالله رشاد الشامي، اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية، عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ع 102. والكلام لحفني قدري، ص117.
82_ م.ن ، ص117_118.
83_ غراهام هو ، مقالة في النقد، ترجمة محي الدين صبحي، ط1، دمشق، وزارة الثقافة، 1973، ص48.
84_ مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص176.
85_ ر.م. بودسكي، ويو. أ. شوليستر، مدخل “الصهيونية في خدمة الرجعية”، ص5.
_ويقول مريد البرغوثي عن سياسة إسرائيل القمعية: “الإحتلال يمنعك من تدبر أمورك على طريقتك. إنّه يتدخل في الحياة كلها وفي الموت كلّه. يتدخل في السهر والشوق والغضب والشهوة والمشي في الطرقات. يتدخل في الذهاب إلى الأماكن ويتدخل في العودة منها… إسرائيل تُغلق أية منطقة تريدها في أي وقت تشاء. تمنع الدخول والخروج لأيام أو لشهور…”. ويقول أيضا: “الإغلاقات للضفة وغزة بجرة قلم من حكومة إسرائيل: _يمنعون حتى القيادات من السفر إن أرادوا…يمنعون المصلين من الوصول إلى الحرم حتى يوم الجمعة…”.
مريد البرغوثي، رأيت رام الله، ص59 و169.
86_ريمون رويّه، نقد المجتمع المعاصر، ترجمة د. عادل العوّا ، بيروت، دار عويدات، ص71.
_قد تمّ الحديث في مقدمة كتاب مريد البرغوثي “رأيت رام الله” عن هؤلاء الأذكياء. يقول: “تحوم في أجواء الكتاب طوال الوقت شخصيات ثقافية مرموقة كالروائي غسان كنفاني ورسام الكاريكاتير ناجي العلي اللذين ماتا اغتيالا، مما يذكرنا بأنّ الفلسطيني مهما كان موهوبا أو مرموقا يظل عرضة للموت المفاجىء والاختفاء الذي لا يمكن تفسيره”.
ادوارد سعيد، مقدمة كتاب مريد البرغوثي “رأيت رام الله”، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط4، 2011، ص5.
87- لقد تحدّث الشاعر عمر شبلي عن عذابات السجن، وأفول الحرية ضمنه. يقول، وهو الذي قضى تسعة عشر عاما وراء القضبان: “الحرية خبز الروح، لا يعرف ذلك إلاّ من فقد الحرية، في السجن تتعذب ما دمت صائما عن تناول خبز الحرية… ومن هنا نشأ العذاب لأنّ الزمن متوقف بينما هو يسير”.
عمر شبلي، العناد في زمن مكسور، بيروت، دار الكنوز الأدبية، ط2، تموز 2001، ص10و11.
88و89_ حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي،ص210 و221.
ويقول العدواني في هذا الصدد :”فإذا كانت الشخصية في وجهها الأوّل دالاً فإنّها في وجهها الآخر والأهم مدلول تتجمع حوله الدلالة باستمرار حتى آخر صفحة في الرواية”.
أحمد العدواني، بداية النص الروائي، مقاربة لآليات تشكّل الدلالة، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2011، ص150.
90_ إذا كانت “كل رحلة تحتاج إلى حوافز تبدو متناقضة بين الشخصيات”. فإنّ حوافز المغادرة لدى الفلسطينيين واحدة، وهي الهروب من ظلم الصهاينة.
سمر روحي الفيصل، الرواية العربية البناء والرؤيا، دمشق، منشورات اتحاد الكتّاب العرب، 2003، ص150.
91_ لعل ما ورد يصدق فيه قول د. سامي سويدان عندما تحدث عن “شجاعة العرب وفأرة الصهاينة” كما بين ” المفارقة بين مأساوية وضع الفلسطينيين ومهزلة موقف الصهاينة والمنطق الذي يحكمه”.
سامي سويدان، في دلالية القصص وشعرية السرد، بيروت، دار الآداب، ط1، 1991، ص147.
92_ يقول الدكتور علي زيتون: “أولى سمات الزمن الفلسطيني في رواية “مدينة الله” تعامل الإسرائيلي معه لجعله زمنا غير مجد، ولتعطيل ما يمكن أن ينتج عنه من فائدة”.
د. علي زيتون، فضاء الرواية العربية الصادرة 2010، فضاء “مدينة الله” لحسن حميد، لبنان، الملتقى الثقافي الجامعي، ط1، 2011، ص27.
93-يرد في رواية “ربيع حار” أنّ المحامي قال عن صمود الفلسطينيين: ” إحنا لهم بالمرصاد. حتى لو ظلّ طفل بيرضع مش ممكن نسلّم ولا نركع… يعني اللي يقولوا ننسى الكلّ وناخد النص ناس انهزاميين. لو قرأوا التاريخ قراءة صحيحة لشافوا وعرفوا أنّ الظلم ما بستمر والاستعمار آخرته يزول”.
سحر خليفة، ربيع حار، ص339.
د. لميس حيدر:
_دكتوراه في اللغة العربية وآدابها؛ عنوان الأطروحة: تشكّل العالم الرّوائي عند حسن داوود حتى العام 2000
_دبلوم دراسات عليا؛ عنوان الرسالة: تحقيق (تعليقة لطيفة) للشرف الأيوبي الأنصاري
_أستاذة في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية
_كتبت عدداً من القصص القصيرة والأبحاث الأدبية.
_صدر لها رواية “ناي لعصفور الجنة”، ومجموعة قصائد شعرية.